الجمعة, يوليو 18, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالسودانيون وحدهم قادرون على إنقاذ السودان حتى لو أوقف ترامب الحرب 

السودانيون وحدهم قادرون على إنقاذ السودان حتى لو أوقف ترامب الحرب 

السودانيون وحدهم قادرون على إنقاذ السودان حتى لو أوقف ترامب الحرب 

عبدول محمد وأليكس دي فال

هل يستطيع دونالد ترامب إنهاء الحرب في السودان؟ الإجابة المختصرة: نعم، لكن السودانيين وحدهم من يقدرون على إنقاذ السودا ن

يعقد مسعد بولس، مستشار ترامب للشؤون الأفريقية، اجتماع ا  رفيع المستوى في 20 يوليو لما يسمى بـ “الرباعية” المكونة م ن الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.  وستلتقي هذه القوى الخارجية الأربع، لأول مرة منذ أكثر من عامين ، في غرفة واحدة لمناقشة الحرب المدمر ة في السودا ن. وهذ ه خطوة ضرورية ، لكنها تكشف أيض ا  بشكلٍعميق النموذج السياسي الذي يشكل مصير السودان الآن: نموذجٌ تصبح فيه عملية صنع السلام عملية  تدار بمنطق الصفقات، مدفوعة  بالاعتبارات الجيوسياسية،  ولا تبالي، إلى حد كبير ، بوحدة الدولة السودانية  وقابليتها للاستمرار على المدى الطويل.

قد يمر طريق السلام عبر العواصم العربية، لكن وجهته ليست ديمقراطية أو وحدة السودان.

لقد بات واضحا ، منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، أن مفتاح وقف العنف في أيدي مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فكلٌّ منها يدعم طرف ا مختل فا في حرب السودا ن، إذ تدعم مصر والمملكة العربية السعودية القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، بينما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي. وطالما استمرت هذه الدول في دعم الجنرالين المتنافسين، ستستمر الحرب.

قد يواءم اجتماع الرباعية بين مصالح الدول الأربع ويصيغ موقف ا  مشتركا  بينها. وقد يفضي ذلك، في الواقع، إلى وقف الأعمال العدائية، وهو أمر فشلت إدارة بايدن في تحقيقه. لكن ما سيلي مثل هذا الاتفاق ليس السلام بمعنا ه الحقيقي، بل هو وقف إطلاق نار يقوم على حوافز تجارية وما تقتضيه الحسابات الاستراتيجية.

هذا نموذج صناعة السلام وفق منطق السوق السياسي: حيث يصنع السلام، ليس من خلال العدالة أو الحوار أو الشمول ، وإنما من خلال صفقة  تُوزع حصص المكافآت المادية بين الأطراف الفاعلة الرئيسية. إنه تقسيم للغنائم يطرح على هيئة اتفاق سلام. ويتيح هذا الاتفاق للأطراف المتحاربة، وداعميها حفظ ماء الوجه والحفاظ على مصالحها وتجنب المساءلة السياسية.

 ونموذج ترامب للسلام يقوم على الصفقات والاستعراضات الأدائية، لكنه قد ينهي المعارك.

من المتوقع أن يطبق ترامب على السودان نفس أسلوبه الشعبوي في عقد الصفقات الذي وس م نهجه تجاه الاتفاقيات الإبراهيمية.

 وإذا نجح الاتفاق، فس يُطرح مُغلف ا  بالرمزية الشعبوية والدبلوماسية الاستعراضية: دول عربية قوية تقدّم تنازلات بتوجيه أمريكي، وترامب ينسب الفضل لنفسه، والأطراف المعنية تحتفل باتفاقية مُربحة للجميع. بل قد تكون هناك حوافز اقتصادية وروابط تجارية لتلطيف النتيجة لشركاء ترامب التجاريين. أما بالنسبة للشعب السوداني ،فسيكون أي وقف للحرب أمرا  مُرحّبا   به. بعد عامين من الدمار والجوع  وتخلي العالم عنهم، فحتى سلام معيب أفضل من لا سلام.

لكنهم يخشون أن يخرج السودان من هذه اللحظة ليجد نفسه في إطار جيوسياسي يهمّش شعبه، ويفتت حياته السياسية، ويمحو هويته الأفريقية.

لقد بلورت سلسلةٌ من اتفاقات السلام، التي أبرمت برعاية الأمم المتحدة ووسطاء أفارقة، مجموعة  من مبادئ السلام والديمقراطية والعدالة. ربما لم تصمد هذه التسويات السياسية، لكن تطلعات الشعب السوداني لم تتغير.

الإطار الحقيقي لـ”الرباعية” مختلف عن ذلك. فهو مزيجٌ من السياسة القائمة على المال واتفاقية إبراهيمية مُحسّنة. فللمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحد ة، وبلا شك بعض الناس في واشنط ن، مصالح تجارية في أراضي السودان وذهبه  .كما تطالب إسرائيل بمنطقة خالية من ا لمهددات على طول البحر الأحمر، ويقع السودان – وفيه حركة إسلامية قوية – ضمن هذا الطوق الأمني.

كلا المنطقين يُختزل السودان إلى مشكلةٍ يجب إدارتها. ولا يسمح أيٌّ منهما للسودانيين بتحديد مستقبلهم بأنفسهم.

تنذر نتيجة هذا النهج بسلام بلا سياسة، وحلٍّ بلا سودانيين.  وحتى العملية المدنية البسيطة المتصوَّرة برعاية مصرية فستكون ظ لا للديمقراطية الحقيقية، مُصمَّمة بغرض إضفاء غطاء شكلي من الشرعية على صفقة دبرت فيُ عواصم أجنبية.

 وفي ظل هذا التباين الجيوسياسي ،تغيب الأصوات الأفريقية .فلا مقعد حول الطاولة للاتحاد الأفريقي وكتلة شمال شرق أفريقيا،  والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية )إيغاد.( و لم تظهر الأمم المتحدة التي كان يتوقع منها أن تتمسك بمبادئ السيادة الوطنية والحوكمة الشاملة حضورا   قويا  .

بالنسبة لأفريقيا، هذا ليس مجرد فشل دبلوماسي، بل هو خسارة لأرضية استراتيجية.  وتهميش القارة في محادثات السلام السودانية يرمز إلى اتجاه أوسع، إذ تُهمّش أفريقيا بشكل منهجي  في صياغة مستقبلها. وتش ير وساطة قطر والولايات المتحدة الأخيرة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، وتهميش الاتحاد الأفريقي في ليبيا،  وإضعاف الأصوات العموم أفريقية إلى نفس الاتجاه.

وهكذا، نعود إلى الحقيقة الجوهرية: السودانيون وحدهم من يستطيعون إنقاذ السودان.

ترامب يتعهد بتحقيق السلام في السودان وليبيا مره واحدة الي الابد 
ترامب يتعهد بتحقيق السلام في السودان وليبيا مره واحدة الي الابد

نعم، قد توقف الرباعية الحرب. نعم، قد يتوسط ترامب في صفقة تجمع الجنرالين على طاولة المفاوضات. لكن لا تستطيع حماية وحدة السودان وكرامته ومستقبله سوى عملية سلام بقيادة سودانية محورها الشعب.

 ويجب أن تمض ي هذه العملية أبعد من وقف إطلاق النار والمحاصصة. إذ يجب أن تتضمن تسوية سياسية قائمة على مشاركة واسعة من المدنيين والنساء والشباب ولجان المقاومة والزعماء الدينيين والتقليديين  والسودانيين في الشتات.  ويجب أن تعي د ربط السودان بهويته الأفريقية والعربية دون أن يذوب في أي منهما. ويجب أن يقاوم التحول إلى بيدق في رقعة شطرنج استراتيجية أوسع تكون فيها حياة السودانيين مجرد خسائر جانبية.

قد يغير اجتماع الرباعية في 20 يوليو ديناميكيات الحرب، لكنه لن يحل أزمة الدولة السودانية .ففي أحسن الأحوال، سيشتر يوقت ا . وفي أسوأها، سيكب  ل السودان بترتيب جيوسياسي تابع يكتم فيه صوت شعبه وتُهمش وحدته.

 والشعب السوداني وحده قادر على رسم مسار مختلف.  ولا يزال سلام الشعب  – المتجذر في الشمول والكرامة والهدف الوطني – ممكن ا. لكن الوقت ينفد.فلتتوقف الحرب. لكن دعوا السودانيين يمسكون بزمام أمرهم.

أليكس دي فال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، ويعتبر من أبرز الخبراء في شؤون السودان والقرن الأفريقي.

عبد القادر )عبدول( محمد، كبير المستشارين السياسيين السابق ورئيس مكتب الوساطة السودانية بالأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات