الخميس, أغسطس 21, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالسودانيون في مناطق سيطرة الجيش يواجهون أزمة مركبة: أسعار مرتفعة وخدمات شبه...

السودانيون في مناطق سيطرة الجيش يواجهون أزمة مركبة: أسعار مرتفعة وخدمات شبه منهارة

السودانيون في مناطق سيطرة الجيش يواجهون أزمة مركبة: أسعار مرتفعة وخدمات شبه منهارة

تقرير _ التغيير

بعد مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تتزايد التساؤلات حول كيفية تمكن المواطنين من الاستمرار في حياتهم اليومية وسط انهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مختلف أنحاء البلاد. ففي مناطق النزاع المباشر مثل كردفان ودارفور، باتت مظاهر الحياة أقرب إلى الكارثة الإنسانية، حيث يلجأ السكان إلى تناول أوراق الأشجار وعلف الحيوانات المعروف محليًا بـ”الأمباز”، في ظل انعدام الغذاء وغياب أي حلول ملموسة من الجهات الرسمية أو الدولية.

حتى في المناطق التي لم تصلها نيران القتال بشكل مباشر، مثل وسط وشمال وشرق السودان، لم تكن الحياة أفضل حالًا، إذ يعاني السكان من ارتفاع حاد في الأسعار، وانهيار في الخدمات، وتوقف شبه كامل للمشاريع الزراعية والصناعية، نتيجة لانقطاع الكهرباء والمياه. في بعض المناطق، بلغ سعر كمية بسيطة من الفول ما يعادل 1500 جنيه سوداني، في مؤشر صارخ على حجم التضخم الذي ضرب الأسواق، وأثر بشكل مباشر على قدرة المواطنين الشرائية.

وفي العاصمة الخرطوم، تتباين الأوضاع بين الأحياء والمناطق، حيث أشار الناشط عثمان صلاح من منطقة الصحافة إلى أن معظم السكان يعتمدون في معيشتهم على المعونات الخارجية، بما في ذلك التكايا، مع وجود عدد كبير من الشباب وأسر بسيطة استقرت بشكل دائم في المدينة. وأوضح أن عودة المواطنين إلى الخرطوم لم تكن بالحجم المتوقع، رغم تحسن جزئي في خدمات المياه التي تصل إلى المنازل بمعدل أربع ساعات يوميًا، وأحيانًا يومًا بعد يوم.

الوضع الأمني في وسط وشمال وشرق الخرطوم لا يزال مضطربًا، حيث لا تتوقف أصوات الأعيرة النارية ليلًا، ويُعتقد أن مصدرها هو نقاط الارتكاز العسكرية المنتشرة في تلك المناطق. أما جنوب الخرطوم، فقد شهد تحسنًا نسبيًا في مظاهر الحياة، حيث عادت الأسواق للعمل، مثل سوق 6 مايو وسوق اللفة ودلالة الإنقاذ، مع تسجيل شكاوى من السكان حول أصوات الموسيقى المرتفعة والغناء الليلي، وسط روايات شعبية عن وجود “جن” في بعض المنازل المهجورة.

وفي مدينتي أم درمان وبحري، تبدو الأوضاع أكثر استقرارًا مقارنة بالخرطوم، حيث تحول عدد كبير من المواطنين إلى العمل في تجارة السلع البسيطة عبر “الدرداقات” و”الفريشة”، لتأمين دخل يومي يساعدهم على مواجهة الظروف الاقتصادية القاسية. أما في ولاية النيل الأبيض، وتحديدًا في قرى منطقة القطينة وما جاورها، فقد وصف المواطنون الوضع بأنه سيئ للغاية، خاصة في ما يتعلق بالخدمات الصحية، مع انتشار الحميات والوبائيات، وانعدام الأدوية المنقذة للحياة. وأشار السكان إلى أن خروج قوات الدعم السريع من المنطقة ساهم في توقف السرقات والقتل، لكنه لم يغير من واقع التردي الخدمي وارتفاع الأسعار.

مصادر محلية أفادت لصحيفة “التغيير” أن المخاوف الأمنية، خصوصًا في أطراف الخرطوم وأم درمان، دفعت العديد من التجار إلى التردد في إعادة فتح محالهم التجارية، في ظل ضعف القوة الشرائية وتراجع النشاط الاقتصادي. جولة ميدانية للصحيفة على عدد من الأسواق في العاصمة والولايات كشفت عن ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، حيث بلغ سعر كيلو السكر 3500 جنيه في الخرطوم، ووصل إلى 4000 جنيه في بعض الولايات، فيما تراوح سعر كيلو العدس بين 4000 و5000 جنيه، وسعر كيلو اللحمة بين 18 و20 ألف جنيه، ورطل الشاي 6000 جنيه، وطلب الفول 2500 جنيه، بينما وصلت “كمشة” الفول في بعض المناطق إلى 1500 جنيه.

أما أسعار الخضروات والزيوت، فقد سجلت مستويات قياسية، حيث بلغ سعر جوال البصل في ود مدني 135 ألف جنيه، وفي عطبرة 120 ألفًا، وفي حلفا 145 ألفًا، وفي القضارف 140 ألفًا، وفي الدمازين 130 ألفًا، وفي غرب كردفان 140 ألف جنيه. وتُعد البطاطس من أغلى الخضروات، بمتوسط سعر بلغ 4000 جنيه للكيلو. كما وصل سعر جركانة زيت الفول إلى 125 ألف جنيه في المتوسط، مع تفاوتات بين الولايات، حيث بلغ السعر في النيل الأبيض 130 ألفًا، وفي كردفان 120 ألفًا، وفي القضارف 125 ألفًا، وفي الخرطوم 125 ألف جنيه.

وفي المناطق المحاصرة مثل الفاشر وبابنوسة والدلنج وكادوقلي، تعاني الأسواق من انعدام شبه تام للسلع الأساسية، حيث بلغ سعر جوال الدخن نحو 6 ملايين جنيه سوداني، إن وُجد، في ظل غياب تام لأي تدخلات إنسانية فعالة، واستمرار الحصار الذي يفاقم من معاناة السكان ويهدد بكارثة غذائية واسعة النطاق.

في ظل استمرار الأزمة السودانية وتداعيات الحرب الممتدة، برزت مؤشرات متفاوتة على محاولات التعافي في بعض الولايات، حيث أشار الناشط المجتمعي وعضو تجمع المزارعين بولاية الجزيرة أحمد حسان إلى أن الأوضاع في ولايتي الجزيرة وسنار تشهد تحسنًا نسبيًا مقارنة بمناطق أخرى، خاصة من حيث الحركة التجارية وعودة المواطنين إلى مناطقهم الأصلية. وأوضح أن العودة الطوعية بدأت مبكرًا في عدد من القرى والفرقان، حيث شرع المواطنون في شراء ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، وتوصيل محطات المياه والمراكز الصحية عبر جهود شعبية منظمة، في ظل غياب الدعم الرسمي.

ورغم وصول التيار الكهربائي العام إلى بعض المناطق، إلا أن الخدمة لا تزال غير مستقرة، مع تسجيل قطوعات تصل إلى أربع عشرة ساعة يوميًا، ما يفاقم من معاناة السكان، خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وانعدام الأدوية، وتدهور صحة البيئة. وأكد حسان أن مشروع الجزيرة الزراعي يواجه تحديات كبيرة، حيث فشل الموسم الصيفي بنسبة ملحوظة، ويواجه الموسم الشتوي خطر الفشل أيضًا ما لم تُنظف الترع والقنوات وتُستأنف عمليات الري بشكل عاجل.

وفي سياق متصل، شددت وزارة الصناعة الاتحادية على ضرورة إعادة تشغيل المصانع، مع إعطاء الأولوية لمصانع السكر والأدوية نظرًا لأهميتها الحيوية. وتشير التقديرات إلى وجود نحو أربعمائة مصنع في ولاية الخرطوم، إلا أن عدد المصانع التي عادت للعمل لا يتجاوز عشرة، في حين تضم السجلات التجارية نحو عشرين ألف شركة. وفي مدينة ود مدني، أكدت الغرفة الصناعية أن ستين مخبزًا عادت للعمل مؤخرًا، مع توقعات بزيادة العدد تدريجيًا.

كما ناقش اجتماع مشترك بين الغرفة الصناعية بولاية الجزيرة وبنك النيل في مدني سبل إعادة تشغيل وتمويل القطاع الصناعي، في محاولة لتحفيز الإنتاج المحلي. من جانبه، كشف إيهاب إدريس هبيلا، رئيس شعبة الزيوت بالغرفة الصناعية بمحلية مدني الكبرى، في تصريح صحفي لوكالة السودان للأنباء، أن كافة البنوك بالولاية أبدت استعدادها لتمويل المصانع، مشيرًا إلى أن عددًا من المصانع سيعود إلى دائرة الإنتاج قريبًا.

ورغم هذه التحركات، لا تزال مصانع السكر في سنار والجزيرة، وتحديدًا مصنع الجنيد، متوقفة بسبب الدمار الذي لحق بها، ونقص قطع الغيار، واستمرار انقطاع الكهرباء. كما تراجع إنتاج مصنع سكر كنّانة إلى خمسة وعشرين ألف طن فقط، مقارنة بمئتي ألف طن في السابق، نتيجة مباشرة لتأثيرات الحرب.

وفي محاولة لتقييم مستقبل التعافي الاقتصادي، أجاب الباحث الاقتصادي عبد الرحمن إبراهيم على سؤال طرحته صحيفة “التغيير” حول المدى الزمني المتوقع لعودة الحياة الطبيعية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، وبدء حركة الصناعة والزراعة في الولايات الآمنة، مؤكدًا أنه لا يمكن تحديد سقف زمني واضح، نظرًا لأن الاقتصاد يمثل منظومة متكاملة لا يمكن التعامل معها بصورة مجتزأة. وأوضح أن الحديث عن اكتمال دائرة الإنتاج لا يزال بعيدًا، إذ إن هذه الدائرة مقطوعة في عدة اتجاهات، وما يتم حاليًا من جهود لا يتعدى كونه اجتهادات فردية، لكنها ضرورية في ظل غياب خطة وطنية شاملة.

وأشار إلى أن عودة بعض المصانع للعمل في العاصمة الخرطوم، التي كانت تضم أكثر من ثلاثة آلاف مصنع صغير ومتوسط، لا تزال محدودة، حيث لا يتجاوز عدد المصانع العاملة حاليًا عددًا يُحسب على أصابع اليد، وبخطوط إنتاج لا تتعدى عشرين في المئة من طاقتها السابقة. وأضاف أن استمرار انقطاع الكهرباء، باعتبارها المحرك الرئيسي للتنمية الزراعية والصناعية، يجعل من الصعب توقع عودة الحركة الاقتصادية قريبًا.

كما لفت إلى أن ضعف وتوقف حركة النقل بين مناطق الإنتاج في غرب السودان، التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، مثل مناطق الماشية والبترول والحبوب والسمسم والدخن والصمغ العربي، وبين مناطق سيطرة الجيش في العاصمة والميناء، يعوق بشكل كبير إكمال دائرة الإنتاج والتصدير. هذا الوضع، بحسب إبراهيم، يدفع الحكومة إلى الاستيراد، ومع انخفاض قيمة الجنيه السوداني، ترتفع أسعار السلع، ويتحمل المواطن العبء الأكبر. وأوضح أن الوفرة في السلع قد تحدث، لكنها ستكون مكلفة للغاية.

وأضاف أن حتى في حال عودة الكهرباء، فإن خسائر الحرب والدمار في المصانع والشركات كبيرة، حيث توقفت نحو ثمانين في المئة من المصانع والشركات في العاصمة الخرطوم والجزيرة وسنار وشمال كردفان، ما انعكس مباشرة على الأسعار نتيجة للاعتماد على الاستيراد وارتفاع تكاليف النقل. كما أشار إلى أن معظم الموظفين في القطاع الخاص أصبحوا بلا عمل، فيما يتقاضى ستون في المئة من موظفي القطاع الحكومي المرتب الأساسي فقط، ما دفع الكثيرين إلى التحول نحو التجارة والزراعة لتغطية تكاليف المعيشة، في حين هاجر الآلاف إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل.

ويعتمد غالبية السكان حاليًا على دعم ذويهم المغتربين، أو على التكايا والمبادرات الخيرية التي توفر مساعدات مباشرة. واختتم عبد الرحمن إبراهيم حديثه بالتأكيد على أن الحل للأزمة الحالية سياسي بالدرجة الأولى، يبدأ بإيقاف الحرب بأي وسيلة ممكنة، ومن ثم الشروع في إعادة الحياة تدريجيًا إلى القطاعات المنتجة، بما يضمن استقرارًا اقتصاديًا واجتماعيًا مستدامًا.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات