الجمعة, سبتمبر 12, 2025
الرئيسيةمقالاتالجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات "البُحَيْر":  لعبة "الحرباء" السحرية؟!

الجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات “البُحَيْر”:  لعبة “الحرباء” السحرية؟!

الجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات “البُحَيْر”:  لعبة “الحرباء” السحرية؟!

سؤال الراهن يضعنا أمام تحدٍّ حقيقي: أن تكون هذه البلاد للجميع، دون فرز أو استثناء، أو لا تكون بالمرة. وهو سؤال لم يعد يحتمل في الواقع نصف جواب.
إذ إن مصير السودان، طال الزمن به أو قصر، سيظل معلقاً بأيدي شعوبه وحدها، لا بأيدي الأمم المتحدة ومجلس أمنها، ولا الاتحاد الإفريقي ومجلس سلمه وأمنه.
حيث أكّد رئيس الوزراء الانتقالي، محمد حسن التعايشي، في خطاب مصوَّر من نيالا مطلع الأسبوع، أن السودان يقف اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: “إما طريق السودان القديم، أو طريق السودان الجديد”.
ووصف التعايشي السودان القديم بـ”المشوَّه”، مشيراً إلى أنه لم يفضِ سوى إلى الظلم الاجتماعي، والمظالم التاريخية المتواصلة منذ الاستقلال عام 1956، من فقر وفساد وتبعية وتشظٍّ سياسي مزمن. وأضاف: كل”هذا الطريق هو طريق فقدان الأمل في المستقبل، وسيقود بلادنا، في نهاية المطاف، إلى الانقسام والتشظي”.
علي أية حال، هو انقسام سيتحمّل مغبّته الجميع، رغم أنه – لو وقع لا سمح الله – سيحدث لسبب جوهري واحد هو: أن الإسلاميين في السودان لا يرون أنفسهم “طرفاً” في معادلة السلطة، بل “أصلاً” مالكاً للدولة برمتها.
إذ أن سيطرة هذا الشعور الاحتكاري على هذه الجماعة ربما يقدّم تفسيراً مختلفاً لطبيعة هذه الحرب؛ التي هي في حقيقتها ليست مجرد صراع مع فئة حاكمة أو متحكمة بمقاليد الأمور، بل صراع مع عقيدة تنظيمية تؤمن أن هذا الوطن ملك حصري لها، وبالتالي فإنها لا تقبل أي مساس أو تهديد لتلك “الملكية”.
بل من خلال انتهاجها سياسات تمييزية، حرمت الحركة الإسلامية بعض السكان من حقوقهم الأساسية؛
كحق التعليم بفرص متساوية، أو حق التنقل والإقامة في أي جزء من البلاد، أو بمعاقبة البعض بحرمانهم من الوثائق والأوراق الثبوتية، والعملات التي تتيح التعاملات المالية العادية.
كل ذلك حدث بالفعل، بهدف تعميق فتوق المجتمع، بما يُهيئ الكافة لتقبّل فكرة تقسيم البلاد وتمزيقها إلى أجزاء، أياً كانت صغيرة، ما دامت تتيح لهذه الحركة الاستمرار في حكم أيٍّ من هذه الأجزاء، مهما صغُر.
فقد استلّت هذه الحرباء المسماة بالحركة الإسلامية، تحت غبار حربها، وبخفة ومهارة الحواة، من جراب مكرها القديم، لعبة سحرية جديدة؛ نجحت بها في شرنقة الناس داخل مكوناتهم الأولية، مجبرة إياهم على الانكماش داخل ذواتهم الإثنية الضيقة، وعلى التحوصُل في مناطقهم، لا لأنهم يريدون ذلك، بل لأن لا دولة هناك تُنقذهم، ولا عدالة تحميهم من “غرابة” وجوههم، أو من وشائج دمهم، أو من تاريخ أسلافهم وجغرافيا منابتهم.
هذه القبائل، التي يطلق عليها الإسلاميون بخبث “حواضن الدعم السريع”، تُذبحها كتائب عملهم الخاص ذبح الشياه، ويُشنق أبناؤها بأحكام يصدرها قضاة مؤدلجون، لا تستند إلى عدالة، ولا إلى شرع أنزله الله.
وقبل ذلك، يُحرمون من أدنى حقوق الحياة على يد ولاة الأمر من عسكر الأمر الواقع.
الي حد صار فيه الانتماء إلى بعض القبائل، في أجزاء من السودان، جريمة. وتُهمة يُعاقب عليها القانون.
وعلى هذا الانتماء يُحاكم من يُحاكم، ويُدان من يُدان، كجُرم لا يضاهيه جرم، تصل عقوبته في أغلب الأحيان إلى حد الإعدام.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات