الأحد, سبتمبر 21, 2025
الرئيسيةمقالاتالجميل الفاضل يكتب من نيالا يوميات "البحير":رقعة الشطرنج الآن تدور على وقع...

الجميل الفاضل يكتب من نيالا يوميات “البحير”:رقعة الشطرنج الآن تدور على وقع جرسٍ معلّق برقبة هذا القط؟!

الجميل الفاضل يكتب من نيالا يوميات “البحير”:رقعة الشطرنج الآن تدور على وقع جرسٍ معلّق برقبة هذا القط؟!

عندما تحلّق الأقدار الكبرى فوق الرؤوس، تضيء كما يضيء البرق، على هيئة يُطلق عليها الزرّاع هنا اسم “مربط العجيل”، وهي هيئة لا بد أن يعقبها هطول مطرٍ غزير، يصبّ الماء صبًّا على رؤوس الناس كأفواه القِرَب.
عموماً، وفي وقتٍ يبدو أن رقعة الشطرنج قد بدأت في الدوران، برز اتجاهٌ أممي جديد لنزع شرعية تمثيل السودان في الهيئات الدولية، بدأ أولى خطواته عبر مشروع قرار في لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي، يدعو إلى اتخاذ خطوات فورية مع لجنة الاعتمادات التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لتفعيل المادة (29) من النظام الداخلي، لنزع شرعية وجود أي تمثيل سوداني في الهيئات الدولية، إلى أن يُقرّر الأمين العام للمنظمة الدولية أن السودان قد انتقل بالفعل إلى حكومة مدنية أو حكومة منتخبة ديمقراطياً.
لينفتح، دولياً هذه المرة، سؤال الشرعية الذي أوصد الاتحاد الإفريقي بابه قبل نحو أربعة أعوام تقريباً، عندما قرر تعليق عضوية السودان في الاتحاد، على خلفية انقلاب الجنرال البرهان على الوثيقة الدستورية والحكومة الانتقالية، في الخامس والعشرين من أكتوبر سنة 2021.
إن اتجاه واشنطن الجاد لنزع آخر ورقة ظلت تتدثّر بها، شكلياً على الأقل، سلطة البرهان الانقلابية، يأتي بعد أن علّقت الخارجية الأمريكية الجرس في رقبة قط الإخوان المسلمين، عبر بيانها الأخير الذي قالت فيه:
“لقد لعب الإسلاميون السودانيون دورًا محوريًا في إفشال مسار السودان نحو الانتقال الديمقراطي، من خلال تقويض الحكومة الانتقالية المدنية السابقة، وعملية الاتفاق الإطاري السياسي.
وقد أسهم هذا السلوك في اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.
ولا يزال الإسلاميون المتشددون يعرقلون الجهود الرامية إلى التوصّل لوقف إطلاق نار يُنهي الحرب، كما أنهم ينمّون علاقاتهم ويتلقّون دعمًا فنيًا من الحكومة الإيرانية، ولا سيّما الحرس الثوري الإسلامي، المُصنَّف منظمة إرهابية أجنبية.”
على أية حال، فإن بيان الخارجية الأمريكية قد وضع يده على جُرح الأزمة السودانية تمامًا، مُحمّلاً الحركة الإسلامية وزر كل ما جرى على يدها لإجهاض أهداف ثورة ديسمبر السلمية، وعلى رأسها بالطبع إعادة البلاد إلى مسار التحول المدني الديمقراطي.
كما ربط البيان بشكل واضح بين سلوك الإسلاميين المتمثل في تقويض الحكومة الانتقالية ونسف الاتفاق الإطاري، وبين اندلاع الحرب.
ولعل هذه القراءة الأمريكية الدقيقة لأوضاع السودان الراهنة، تذكّرني بمقولة لرئيس أمريكي أسبق، هو جون كينيدي، فسّر بها مثل هذه الظواهر بقوله:
“أولئك الذين يجعلون الثورة السلمية مستحيلة، سيجعلون الثورة العنيفة حتمية.”
فيما عرّف الكاتب الأمريكي جيمس ماكغريغور برنز هذا النوع الأخير من الثورات، بأنها:
“نشاط عنيف يهدف إلى أن تحطم طبقة سلطات طبقة أخرى.”
المهم، فإن قانون هذه الثورات المسلحة يقوم على قاعدة تقول:
“دمّر كل شيء، لا تبنِ على الماضي، لأنه لا يوجد ماضٍ.”
وبدقة، يُلخّص الكاتب الإسباني خوسيه بيرجماين حقيقة مثل هذه الثورات بقوله:
“قد يكون من المستحيل تنفيذ ثورة كهذه دون ارتكاب جرائم، ولكن هذا لا يجعل من الثورة نفسها جريمة.”
فالثورة، كما قال فيدل كاسترو، ليست حوضاً من الزهور،
وليست حفلاً للعشاء، أو كتابة مقال، أو رسم لوحة، أو حتى عمل تطريز، كما قال ماو تسي تونغ.
أو كما قال جوزيف ستالين أيضاً:
“لا يمكنك القيام بثورة بقفاز حريري.”
فمثل هذه الثورات المسلحة لا تجري في غرف معقمة كغرف العمليات الجراحية.
فقط المختلف هذه المرة، أنها جرت – أو بالأحرى كانت تجري – في الأرياف النائية منذ عام 1955،
بل وبقسوة وعنف أشد، ربما، في جنوب السودان قبل انفصاله، وجبال النوبة، والنيل الأزرق،
وأخيراً في دارفور مطلع هذه الألفية،
بعيداً عن أعين سكان الخرطوم، وأسماع أهل الوسط والشمال.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات