الجميل الفاضل يكتب من نيالا يوميات “البحير”:القهوة في زمن الحرب؟!
يصادف يوم غدٍ الأربعاء احتفال سكان هذا الكوكب بـاليوم العالمي للقهوة، تحت شعار اختير له هذا العام:
“تبنّوا التعاون من أجل عمل جماعي أكثر من أي وقت مضى، لأن القهوة تربطنا جميعًا من البذرة إلى الكوب.”
لا أدري على وجه الدقة من هؤلاء الذين اهتدوا إلى ضرورة أن يكون لهذا المشروب السحري يوم عالمي؟
وكيف نشأت منظمة دولية للقهوة، ولماذا؟
لكن، لطالما هناك منظمة أو اتحاد عالمي للقهوة، فإني أطالب في هذا اليوم بتدخله الفوري لإيقاف هذه الحرب المجنونة،
بعد قراءة متأنية لـ”فنجان” هذا البلد المنكوب – أو المقلوب – فقد أفسدت الحرب علينا أمزجتنا، ومتعتنا بالأشياء.
وللحقيقة، فقد ارتبط تناولي للقهوة، منذ قدومي إلى نيالا قبل أكثر من شهرين،
بأوقات المطالعة والقراءة والكتابة، عبر أجهزة الإنترنت الفضائي “ستارلينك”.
صحيح أن عشقي الدائم للقهوة قد فتح أمامي مساحات للتواصل مع روّاد هذه المنتديات الصغيرة المنتشرة بكثافة في ساحات وشوارع وأسواق المدينة،
وهي في الواقع مجالس جذابة، عامرة بشرب القهوة، ومتابعة مراحل إعداد البن،
فضلاً عن النقاشات الجانبية حول شؤون الحياة.
فالقهوة مصدر من مصادر الخبر، ينبغي لكليات الصحافة والإعلام أن تعترف به.
بل ربما أن قهوة بائعات الشاي: بخيتة، وقِسمة، وخادم الله، وعزيزة، وأخريات غيرهنّ في “البحير”، هي أيضًا من ذلك النوع من القهوة التي تجذب وترمي غير فَحمة، كما قال مجازًا الشيخ الشايقي، في معرض تقريظه لشيخه الكبير المكاشفي.
بل، ومن واقع تجربتي الخاصة، أستطيع أن أقول:
إن للقهوة قدرة هائلة على ملامسة جميع حواس الإنسان.
فالقهوة تُرى، وتُسمَع، وتُلمَس، وبالطبع تُذَاق،
وفوق ذلك، فإن لها قدرة مدهشة أخرى، تحرّك وتُدغدغ ما يُعرف بالحاسة السادسة.
أما على الأرض، فلكل مكان قهوته، ولكل قهوة قصتها، ولكل أوّل منها آخر
لا يُكتَب، ولا يُقال بالضرورة.
قديمًا، تقول إحدى الأساطير:
إن شابًا يُدعى كالدي، كان راعيًا للغنم، يرعى قطيعه في غابات كافا المطيرة الوارفة في إثيوبيا، لاحظ أن ماعزه أصبحت فجأة أكثر نشاطًا وحيوية، تكاد ترقص!.
قبل أن يكتشف أن تلك الماعز كانت قد أكلت ثمارًا حمراء تشبه الكرز.
فقرر أن يجربها بنفسه، ليلتحق بالماعز الراقص.
ثم توجه “كالدي” مسرورًا إلى عمه الراهب في دير مجاور، يكاد يطير فرحًا باكتشافه الجديد.
غير أن الرهبان توجسوا خيفة، وظنوا أن أرواحًا شريرة قد حلّت بكالدي وماعزه،
فألقوا ثمار البن التي جاء بها في النار.
لكن، ما إن تصاعدت رائحة البن المحمّص وتسللت إلى أنوف الرهبان،
حتى انتابتهم مشاعر مشابهة لما شعر به.
لكن، للحقيقة، فإن لاكتشاف القهوة والبُن أكثر من قصة،
استهوتني من بينها رواية تقول:
إن أصل اكتشاف مشروب القهوة يعود الفضل فيه إلى أحد تلاميذ القطب الصوفي الكبير، الشيخ عبد القادر الجيلاني، من طائفة الجن!.
تقول الرواية: إن الشيخ الجيلاني، الذي كان يشرب من حليب أغنامٍ يرعاها له بعض الرعاة،
لاحظ في نفسه دفقة نشاط زائدة أثناء قيامه بطقوس عبادته الليلية المعتادة.
فسأل رعاة أغنامه عن جديد مرعاهم،
فأخبروه أنهم قد بدّلوا مرعى بهائمهم إلى مرعى آخر،
فيه نوع جديد من الشجر، تأكل منه الأغنام.
فطلب الشيخ الجيلاني منهم إحضار عينة من هذه الشجرة إليه.
وتمضي الرواية إلى القول:
إن رجلاً من الجن كان حاضرًا في مجلس الجيلاني عند إحضار تلك الشجرة،
طلب من شيخه أن يأذن له في معالجة أمرها، فأذن له الشيخ.
ليعود الجني بعد حين، وهو يحمل “جبنة” و”فنجانًا”، كلاهما من الفخار،
وفي الجبنة مشروب داكن اللون، صبّ منه في الفنجان، فرشِف الشيخ الجيلاني أول رشفة من القهوة، ثم قال مادحًا صنيع تلميذه، رافعًا “الجبنة” إلى الأعلى مرددًا:
“الجن بَنّي”، ليصبح اسم الوعاء من بعد ذلك “الجبنة”.
ثم حمل الفنجان بالطريقة ذاتها، قائلاً:
“هذا فنُّ الجان”،
ليُصبح اسم إناء شرب القهوة من بعد، هو “الفنجان”.
هي رواية أسطورية، بطلها مجهول كبير، يعيش تحت حجب الغيب، استثارت خيالي علي نحو ما، فكتبت نصا لا اجد ضيرا في إعادة نشره هنا:
حكاية البن
الجن باني
والفن جاني
ريحة البن فوق طاقاني
دي شؤون القطب الجيلاني
زي عاملة الشغل الجواني
وناسية الكاتم في حناني
والسر الراقد متفاني
والأمر الصادر سلطاني
حرّكني وحرّك أشجاني
قام قلب القِلية على تاني
ما البن من دقته تن تاني
طَقّ طَقّ وجاني
انشرى سحابو الدُخاني
قام دقّ النوبة على لساني
والوارد ترجمو سرياني
السِّر الباتع سرّاني
انكشف الطابق البرّاني
انشقّ القمر التحتاني
قام بسم الفاطر الورّاني
في الحلقة اترنّح نصراني
والطار أبو قُحّة الجرّاني
في لمحة لقيتو اتقهاني
كبّ البكري
وطبق التاني
فنجل وجاني
ضوّى الخاطر بمعاني
جات شايلة الحب العرفاني
حكاية البن دا
كلام تاني
بياء المد السلطاني
مددك جاني
مديح ومثاني
شغل كيلاني
الكيل مجاني
جيب من جوّا الطار هزّاني
الدور الدوّر
دوّر وجاني
حرّكني وحرّك أشجاني
قام قلب القِلية على تاني
انشرى سحابو الدُخاني
طَقّ طَقّ وجاني
طَقّ طَقّ وجاني.