الجمعة, أكتوبر 3, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةألوان ضد الحرب:التشكيليون السودانيون يرسمون الأمل في زمن الخراب ودروب السلام

ألوان ضد الحرب:التشكيليون السودانيون يرسمون الأمل في زمن الخراب ودروب السلام

ألوان ضد الحرب:التشكيليون السودانيون يرسمون الأمل في زمن الخراب ودروب السلام

كتب : حسين سعد
في عصرية يثقلها وجع الحرب ويمزقها التشظي، بنيروبي يوم أمس الاحد خرج التشكيليون السودانيون حاملين ريشاتهم وألوانهم كأدوات مقاومة، لا كزينة عابرة، إنهم يؤكدون أن الفن ليس ترفًا، بل صرخة في وجه القبح، ونافذة نحو السلام، هذه الفعالية الفنية ليست مجرد معرض للألوان واللوحات، بل مساحة لعرض إرادة شعب يرفض الانكسار، ورسالة جماعية ضد آلة الحرب التي تحاول محو الجمال من حياتنا، وأكمل الفنان ميرغني الحاج وفرقته الموسيقية بأغنياته (الفطن الوسيم ) وغيرها التي وجدت تجاوب من الحضور بالرقص والتصفيق ،لقد أثبت الفنانون التشكيليون السودانيون إنهم مازالوا في قلب المعركة من أجل الحرية والكرامة، يقاومون التسلط بفرشاتهم، ويكسرون جدار الخوف بألوانهم، ويحوّلون الألم إلى جمال يفضح بشاعة الحرب ويحتفي بالإنسان، لم يكتفوا برسم اللوحات، بل قدّموا مبادرات رائدة حملت رسائل السلام والوحدة، وفتحوا مساحات للأمل في زمن يخيّمه الدمار، لقد أثبت التشكيليون أن الفن ليس زينة على جدار الحياة، بل هو فعل مقاومة، صوت الشعوب المقهورة، وذاكرة الضحايا التي ترفض النسيان، من معارض في المنافي، إلى ورش للأطفال في المعسكرات ومراكز الإيواء ، إلى جداريات تروي حكايات المدن الجريحة، حملوا رسالتهم بجرأة ورفضوا أن تنكسر ريشاتهم أمام الحرب، إن تضحياتهم لا تُقاس فقط بما قدّموه من وقت وجهد وإبداع، بل أيضًا بما تحمّلوه من فقد وتشريد واغتراب، ومع ذلك ظلوا أوفياء لقضية شعبهم، مؤمنين بأن السلام الحقيقي يُرسم بأيدٍ تصرّ على الحياة، فالفنان السوداني كما قلت في كلمتي في الإحتفالية الفنان ليس مجرد مُبدع، بل هو شاهد على العصر، ومناضل ضد الحرب، وحارس لذاكرة الوطن، يزرع فينا جميعًا الأمل بأن الغد الأجمل آتٍ مهما طال الليل.
ريشة المقاومة:
نفذت مجموعة من الفنانين التشكيليين/ات السودانيين في نيروبي، بالشراكة مع مركز الإعلام الديمقراطي، فعالية لمناهضة الحرب وتحقيق السلام بعنوان (الفن والسلام) وحضر الفعالية جمهور واسع من قبل الصحفيون والفنانون التشكيليون والناشطون والداعمين لوقف الحرب وتحقيق السلام، وقدمت الفعالية الصحفية ملاذ عماد التي رحبت بضيوفها وهم الفنان التشكيلي الكبير عصام عبد الحفيظ والفنان الطيب ضوء البيت والفنانة أماني أزهري والفنان والإعلامي حسين حلفاوي ، ومادخلة مسجلة من الدكتور الأمين محمد عثمان الاستاذ الجامعي والفنان التشكيلي الذي يعتبر مرجع لمبادرات الفنانين التشكيليين ، وإستعرضت الفعالية من خلال شاشة البروجكتر التي وقف عليها الصحفي حسام حيدر وبشرح وافي ودقيق من صديقي عصام عبد الحفيظ إستعرضت أعمال فنية للدكتور الامين وأعمال للمشاركين في الفعالية مثل عصام حفيظ والطيب ضوء البيت وأماني أزهري وحسين حلفاوي بجانب مبادرات التشكليين التاريخية حيث طاف بروف الأمين بالحضور بسياحة وافرة بالمعلومات لتاريخ الفنانين التشكيليين ومبادراتهم بالداخل والخارج ، واشار الي اداور كل من الصلحي وصلاح حسن وعثمان وقيع الله وعبد الله بولا ومطر ، بينما إستكمل صديقي عصام حفيظ ما سرده أستاذنا بروف الأمين حيث أحصي عصام مبادرات التشكيليين المختلفة وزياراتهم لمعسكرات النزوح؛ في دارفور ومبادرة إنقذوا وليد دارفور وغيرها ، بينما شرحت الفنانة أماني أزهري أعمالها الفنية ودلالاتها ، أما صديقي الفنان الطيب ضوء البيت فقد سرد تاريخه الفني بداء من فصله من كلية الفنون الجميلة وحضوره الي نيروبي برفقة رفيق دربه حسين حلفاوي وشارك الطيب في معارض جماعية وفردية مختلفة داخل نيروبي وبالسودان قبل الحرب ، أما صديقي وزميلي حسين حلفاوي فقد تحدث عن تفاصيل حضورهم الي نيروبي قبل أكثر من ربع قرن من الزمان بسبب فصلهم السياسي من كلية الفنون الجميلة وتأسيسهم لاعمال فنية برفقة الفنان ابو شريعة وحسن فضل .


محاربة خطاب الكراهية:
ومن قبل شهدت العاصمة الكينية نيروبي معرض للفن التشكيلي للأستاذ عصام عبد الحفيظ بعنوان (معرض أسود وأبيض 10 يناير مرة أخري) ودعم التكايا والمطابخ في السودان،وهدف المعرض لرفع الوعى بما أورثته الحرب من جوع ونزوح وشتات ورفع الوعى بحال المتواجدين فى فضاء الحريق والهلاك ونفذ المعرض بالتعاون مع صون تراث السودان الحي والمجلس الثقافي البريطاني وحماية الثقافة وكيمت، كما شمل المعرض نصوص تشكيلية ومقالات، وشعر لكل من كمال الجزولي، زيغروم سلامانيان، وحسن موسي ومحمد محي الدين ،وأعاد المعرض مشاهد من إنتفاضة أبريل في الثمانينات ،وثورة ديسمبر الحالية،وقام بترجمة المقالات صلاح محمد خير ونفذ تحرير الكتاب مامون التلب وأحمد الصادق برير في التدقيق اللغوي والتصميم والاخراج سامر رحمة الله ،وضمت الطبعة الاولي من الكتاب شعار(لا للحرب والعنصرية والكراهية في السودان) (معرض 10 يناير)وكانت المعارض فردية وجماعية شارك فيها عدد كبير من التشكيليين إحياء لذكري حرية التعبير، ومناهضة الظلم الرسمي حيث أبدع الشاعر الراحل محمد محي الدين في قصيدته الأيقونة (عشر لوحات للمدينة وهي تخرج من النهر) ومضي عصام في مقدمة كتابه بقوله: وها نحن الآن نعود معا الي حرية التعبير في بلد إنهكته الحروب الممتدة ،والإتفاقيات علي الورق، وحديث هوية طال أمده ،وغاب كل المنطق ورفع السلاح وساد البلاد ،وأصبحنا نعيش الا إنسانية وصعود خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية وشدد حفيظ علي ضرورة الوعي الايجابي والتعايش والعدالة والسلام،وقد عبرت الأعمال في الكتاب عن مسيرة نضال الشعب السوداني ضد الانظمة المتسلطة وحرية الراي وحرية التعبير، واسترجاع كرامته، فالأعمال في الكتاب كما قال عنها الراحل الاستاذ كمال الجزولي في (توقيع متلق في دفتر الغاليري) وزيغروم سلامانيان (بعض الافكار حول سلسلة الابيض والاسود للفنان عصام عبد الحفيظ) وحسن موسي بقوله (الرسام الفصيح) وفي نوفمبر الماضي دشن الاتحاد العام الفنانيين السودانيين حملة موسعة بعنوان لا للحرب وضد خطاب الكراهية والعنصرية بنيروبي بمشاركة أكثر من مائة فنان تشكيلي من ١٤ دولة .
الرسالة الختامية:
الفن في السودان ليس مجرد زينة للحياة، بل هو مشروع حياة في ذاته، هو جسر يبني السلام، وفضاء يولّد الأمل، ولغة تعيد توحيد السودانيين رغم جراحهم. قد تتغير ملامح السياسة والاتفاقيات، لكن الفن يبقى الأصدق والأعمق في صياغة وجدان الأمة، وهكذا، يظل الإبداع السوداني شاهدًا على أن الأمل لا ينطفئ، وأنه حتى في قلب الخراب، يمكن أن يولد فن يضيء الطريق نحو حياة جديدة، قد لا يوقف الفن وحده حربًا، لكنه قادر على أن يفتح الأفق لسلام مستدام في السودان، حيث تبحث الأرواح عن طمأنينة بعد سنوات طويلة من الدماء، يمكن للفن أن يكون النبض الذي يعيد ترتيب الأحلام. هو الجسر الذي يربط بين المختلفين، واللغة التي تكتب ما تعجز عنه السياسة، والنبراس الذي يضيء عتمة النزاعات، فالسلام الحقيقي يبدأ حين يشعر الناس بأن صوتهم مسموع، وأن آلامهم مفهومة، وأن آمالهم ليست سرابًا والفن، بما يحمله من صدق وجداني وجماليات، يمكن أن يكون الأداة التي تنسج هذه المشاعر في صورة وطن جديد. وهكذا، يظل الفن في السودان أكثر من مجرد متعة جمالية، إنه مشروع حياة، وجسر للسلام، ومصنع للأمل الذي لا ينطفئ، وعندما حاول الرصاص أن يفرض منطقه بقوة السلاح، ينهض التشكيليون السودانيون ليقولوا: لا للحرب، نعم للحياة لقد أدرك هؤلاء الفنانون أن الريشة قد تكون أقوى من البندقية، وأن اللون قد يكون أكثر نفاذًا من الرصاص، وأن اللوحة يمكن أن تكون ساحة معركة ضد الكراهية، لكنها معركة بالجمال والأمل لا بالدمار،لقد ظل التشكيليون السودانيون، في الخرطوم والجزيرة ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان ومناطق السدود بالشمالية ، وفي المنافي القسرية، يبتكرون مبادرات تنبض بالوعي وترفض الاستسلام، فقد نظموا معارض في الشوارع والساحات العامة، ليجعلوا من الجدران المنهكة جداريات تُعيد صياغة ذاكرة المكان، وتحول الخراب إلى رسالة حياة، وأطلقوا ورش عمل للأطفال والشباب، ليمنحوهم فرصة للتعبير عن وجعهم ورؤيتهم للسلام عبر الرسم والألوان بدل السلاح والعنف. كما أسسوا شراكات مع مراكز ثقافية وإعلامية لنشر فكرة أن الفن هو أداة توثيق ومقاومة، لا يقل شأنًا عن الكلمة الحرة أو عن فعل التظاهر السلمي، هذه المبادرات ليست مجرد أنشطة عابرة، بل هي موقف واضح مناهض للحرب، وإصرار على أن السودان لن يُختزل في صور النزوح والدمار، بل سيظل وطنًا ينتج الجمال رغم قسوة اللحظة. هنا في هذه الفعالية، نلتقي لنحتفي بتلك الجهود الصامدة، ونؤكد أن الفن في السودان لم يكن يومًا معزولًا عن قضايا الناس، بل كان دومًا ضميرًا حيًا يصر على أن السلام هو اللوحة الأجمل التي ينبغي أن نرسمها معًا، فالفن في جوهره لغة مشتركة، تتجاوز اللسان واللهجات والعرقيات، وتحمل قدرة عجيبة على ملامسة القلوب. في السودان، حيث تنوع الثقافات يشكل لوحة فسيفسائية غنية، يمكن للفن أن يكون جسرًا يعيد ربط ما انقطع بين المجتمعات المختلفة، فهو يوثّق لحظة الألم لكنه يحوّلها إلى طاقة إبداعية، لا إلى جرح نازف فقط. ومن خلال مبادرات فنية جماعية – مثل معارض السلام، أمسيات الغناء المشترك، أو ورش الرسم للأطفال – يمكن للسودانيين أن يتنفسوا معنى جديدًا للأمل، ويعيدوا تصور وطن لا يختصر في الدماء والخراب، بل في الإبداع والحياة المشتركة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات