الأربعاء, أكتوبر 29, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالدعم السعودي للبرهان: عامل استقرار محتمل أم محفّز لتصعيد الحرب وانقسام السودان؟

الدعم السعودي للبرهان: عامل استقرار محتمل أم محفّز لتصعيد الحرب وانقسام السودان؟

الدعم السعودي للبرهان: عامل استقرار محتمل أم محفّز لتصعيد الحرب وانقسام السودان؟

ذو النون سليمان – مركز تقدّم للسياسات
تقدير موقف:
أولاً: تقديم: تشهد العلاقات بين المملكة العربية السعودية والسودان مرحلة جديدة من التطور والتنسيق الاستراتيجي، تعكسها سلسلة من الخطوات السياسية والدبلوماسية المتسارعة خلال عام 2025، في ظل تحديات الحرب الأهلية السودانية وازدواج السلطة بين حكومتي بورتسودان ونيالا.
يأتي هذا التحرك في إطار سعي الرياض لتثبيت الاستقرار في جوارها الجنوبي وحماية مصالحها الحيوية في البحر الأحمر، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات حول مدى حياد الدور السعودي، وما إذا كان يميل عملياً إلى دعم طرف بعينه في النزاع، وتحديداً الفريق عبد الفتاح البرهان.
ثانياً: المعطيات الأساسية:
– في 21 أكتوبر 2025، فوّض مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، بالتباحث مع الجانب السوداني بشأن اتفاق إنشاء مجلس التنسيق السعودي–السوداني والتوقيع عليه.
– في 27 مارس 2025، التقى البرهان في بورتسودان وفداً سعودياً لبحث تنفيذ مشروعات خدمية عاجلة ضمن جهود المملكة لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب.
– في 28 مارس 2025، استقبل ولي العهد محمد بن سلمان رئيس مجلس السيادة السوداني في قصر الصفا بمكة المكرمة، وتم الاتفاق على إنشاء مجلس تنسيق مشترك يعنى بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية والتنموية.
– أعلنت حكومة السودان إعداد 100 مشروع شراكة استراتيجية مع المملكة بقيمة تتجاوز 50 مليار دولار، تشمل قطاعات الزراعة والطاقة والمعادن والبنية التحتية والنقل والتعليم والتكنولوجيا.
ثالثاً: التحليل:
1. الموقف السعودي المعلن:
– تؤكد الرياض في خطابها الرسمي دعم وحدة السودان واستقراره، وحرصها على تسهيل الحوار السوداني–السوداني عبر منبر جدة، دون انحياز لأي طرف.
– لكن توقيت إنشاء مجلس التنسيق ومستوى الاتصالات الرسمية مع حكومة البرهان يشيران إلى اعتراف فعلي بسلطته كممثل شرعي للدولة، خاصة أن تنفيذ المشاريع السعودية يتم عبر الوزارات الخاضعة له في بورتسودان، بما يعزز موقعه السياسي ويمنحه موارد مالية واقتصادية داعمة.

2. الدوافع الحقيقية للتقارب السعودي مع البرهان:
رغم الطابع الاقتصادي المعلن للعلاقات، تشير المعطيات إلى أن الدعم السعودي للبرهان يتجاوز البعد التنموي، ليشكل جزءاً من استراتيجية جيوسياسية أوسع تهدف إلى ضبط التوازنات الإقليمية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
يمكن تلخيص أبرز هذه الدوافع في النقاط الآتية:
1. تثبيت سلطة مركزية قادرة على ضبط الفوضى:
ترى الرياض في البرهان آخر تجسيد ممكن للدولة المركزية القادرة على منع تفكك السودان وانزلاقه نحو دويلات ميليشياوية تهدد أمن البحر الأحمر وممرات النفط.
2. الحد من النفوذ الإماراتي والمصري:
تعتبر المملكة أن نفوذ أبو ظبي عبر قوات الدعم السريع، وتحالفات القاهرة داخل المؤسسة العسكرية، يمثلان تهديداً لتوازنها الإقليمي، وتسعى لموازنة هذا النفوذ عبر دعم البرهان.
3. احتواء النفوذ الروسي والإيراني:
جاء تجميد البرهان لمشروع القاعدة الروسية في بورتسودان منسجماً مع رؤية السعودية للحفاظ على أمن البحر الأحمر ضمن مظلتها وشركائها الغربيين.
مكافأة سياسية مشروطة:
– تُقدّر الرياض خطوات البرهان في تفكيك نفوذ الإسلاميين داخل الجيش والبيروقراطية، وتدعمه مشروطاً باستمراره في الحد من التيارات ذات المرجعيات الجهادية.
– منع الانقسام الدائم وملء الفراغ:
استمرار الحرب يهدد ممرات التجارة والنفط، لذا تعتمد المملكة على الانخراط الاقتصادي المشروط لدفع البرهان نحو تسوية سياسية من موقع قوة.
– تعزيز صورة المملكة كقوة ضامنة للاستقرار:
عبر هذا الانخراط “المتحكم”، تسعى الرياض لترسيخ موقعها كوسيط مسؤول في النزاع، دون أن تُحسب على طرف ضد آخر.

التحدي البنيوي في تحالف البرهان:
– رغم أن دعم البرهان يخدم أهدافاً سعودية محددة، فإن تحالفه الميداني مع فصائل وميليشيات ذات خلفيات إسلامية يضع الرياض أمام معادلة صعبة.
– فهذا الارتباط يثير شكوكاً في الأوساط الغربية ويصطدم بالرؤية السعودية المناهضة للإسلام السياسي، ما يجعل استمرار الرهان عليه محفوفاً بالمخاطر ما لم يُقدِم على تفكيك تلك الارتباطات أو إعادة هيكلة تحالفه الداخلي.

رابعاً: التقدير العام
تتعامل الرياض مع البرهان باعتباره خيار الضرورة، لا خيار التفضيل. فهو القائد القادر على الحفاظ على الحد الأدنى من وحدة الدولة وضبط التوازنات في الميدان، لكنه في الوقت ذاته يشكّل رهاناً محفوفاً بالمخاطر إذا فشل في احتواء القوى المتشددة أو الانفتاح على تسوية شاملة.
ويُرجّح أن تستمر السعودية في مقاربة براغماتية مزدوجة: دعم السلطة المركزية في بورتسودان، مع الحفاظ على قنوات خلفية مع الأطراف الأخرى، لضمان التأثير في مخرجات أي تسوية سياسية مقبلة.

خامساً: الخلاصة

**يشير التحرك السعودي الأخير إلى تحول نوعي في سياسة المملكة تجاه السودان، يقوم على توظيف أدوات الدعم الاقتصادي والدبلوماسي لتعزيز الاستقرار وتأمين مصالحها في البحر الأحمر.
**إلا أن استمرار هذا النهج مرهون بقدرة الرياض على موازنة دعمها للبرهان دون أن تتحول إلى طرف في الصراع، وبمدى التزام البرهان بإصلاحات سياسية وأمنية تحدّ من نفوذ الإسلاميين وتفتح الطريق نحو تسوية وطنية شاملة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات