الثلاثاء, نوفمبر 4, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالسودان بين الحرب والهدنة: قراءة في مجهودات الحل الدبلوماسي الأميركي

السودان بين الحرب والهدنة: قراءة في مجهودات الحل الدبلوماسي الأميركي

ذو النون سليمان، وحدة الشؤون الافريقية، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
تقديم: تشهد الساحة السودانية حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا تقوده الولايات المتحدة والرباعية الدولية (الولايات المتحدة، السعودية، بريطانيا، والإمارات)، في محاولة لإيقاف الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
في التفاصيل:
• أوضح مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، أن التوصل إلى اتفاق الهدنة يتطلب وقتًا بسبب ما وصفه بـ “تفاصيل فنية وأمنية ولوجستية معقدة” ، من بينها آليات المراقبة والمتابعة والتنفيذ. وأكد أن الهدف من هذه الجهود هو الوصول إلى تفاهم شامل يمهد لمرحلة ما بعد الهدنة، ضمن خطة تمتد لتسعة أشهر كما ورد في بيان اللجنة الرباعية.
• أشار بولس إلى أن الطرفين وافقا على المبدأ، مؤكدًا أنه لم تُسجّل أي اعتراضات أولية من أي جهة، مضيفًا: “نركّز الآن على التفاصيل الدقيقة”. وشدد على أن الهدف الحالي يتمثل في التوصل إلى إطار كامل لوقف إطلاق النار، تمهيدًا لفتح الباب أمام مرحلة ما بعد الهدنة.
• بيّن بولس أن الولايات المتحدة أعدّت ورقة عمل وقدّمتها إلى الطرفين قبل أسبوع استنادًا إلى توافق الرباعية، وهي حاليًا قيد الدراسة والتفاوض مع كل طرف على حدة, مؤكدا أنه لا توجد مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين الطرفين، وموضحًا أن التواصل يجري بشكل منفصل من خلال الجانب الأميركي.
• فيما يتعلق بتجاهل الولايات المتحدة الدعوات لتصنيف قوات الدعم السريع كجماعة إرهابية، أوضح بولس أن المرحلة الحالية لا تتطلب تصنيف أي طرف، في إشارة إلى أن التركيز منصبّ الآن على تحقيق الهدنة الإنسانية.
تحليل:
تشير المؤشرات الحالية إلى أن الاحتمال الأكبر يتمثل في التوصل إلى هدنة جزئية أو مؤقتة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في ظل الترحيب المبدئي من الطرفين بالوساطة الأميركية – الرباعية.
ورغم هذا التوجه الإيجابي، إلا أن تنفيذ الهدنة على الأرض يواجه صعوبات كبيرة نتيجة انعدام الثقة المتبادل، وتداخل خطوط القتال، وتعدد القوى المسلحة الفاعلة ميدانيًا. تعمل الولايات المتحدة وشركاؤها في الرباعية (أميركا، السعودية، بريطانيا، والإمارات) على تحويل الهدنة الإنسانية إلى مدخل لمسار تفاوضي سياسي أوسع يهدف إلى إرساء وقف دائم لإطلاق النار وتمهيد الطريق نحو تسوية شاملة، الهدف النهائي لهذه الجهود هو ترتيب مرحلة انتقالية جديدة خلال تسعة أشهر، وفقًا لما ورد في خطة الرباعية. غير أن تحقيق ذلك يظل مرهونًا بتجميد العمليات العسكرية ووجود إرادة سياسية حقيقية من الجانبين.
حتى الآن، لا يُتوقع انطلاق مفاوضات مباشرة بين الجيش والدعم السريع في المدى القريب، حيث تفضل واشنطن الاستمرار في. التواصل المنفصل مع كل طرف لتفادي إفشال المسار التفاوضي في مراحله الأولى.
السيناريوهات المحتملة:
-يتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق هدنة إنسانية مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر، في ظل الترحيب المبدئي من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالمبادرة، إلى جانب الضغط الأميركي المتزايد لإنجاح المسار الإنساني, يعزز هذا الاتجاه اهتمام الرباعية الدولية بتهيئة الأجواء لمفاوضات أوسع تتناول الجوانب السياسية والأمنية.
-يحتمل أن تنهار المفاوضات حول تفاصيل الهدنة أو أن يتم خرقها بعد فترة وجيزة من إعلانها، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصاعد المعارك بوتيرة أعنف. ويساعد على تحقق هذا السيناريو بروز خلافات حول آليات التنفيذ والمراقبة، ورغبة كل طرف في تحسين موقفه العسكري قبل أي تفاوض مباشر حول العملية السياسية.
-في حال تعثر الجهود الأميركية، يُرجّح أن تتحرك قوى إقليمية بشكل منفصل لمحاولة إدارة الملف السوداني عبر ترتيبات جديدة قد تشمل رعاية مفاوضات بديلة أو فرض تسويات ميدانية جزئية. ويستند هذا السيناريو إلى سعي مصر لحماية حدودها وتأمين وادي النيل، ورغبة دول الخليج في الحفاظ على نفوذها داخل المشهد السوداني. غير أن هذا التدخل قد يؤدي إلى زيادة التنافس الإقليمي على النفوذ وربما تقويض الدور الأميركي والدولي في حال غياب التنسيق بين الأطراف.
-فشل المساعي السياسية قد يؤدي إلى تثبيت مناطق نفوذ ميدانية بين الجيش والدعم السريع، ما يخلق واقعًا سياسيًا جديدًا يقوم على وجود حكومات موازية في بورتسودان ونيالا. يساعد على تحقق هذا السيناريو طول أمد الحرب واستنزاف الطرفين مع حدة الاستقطاب الجهوي. وقد يفضي هذا الوضع إلى انقسام فعلي بين سلطة في الشرق والشمال وأخرى في الغرب والجنوب، بما يشكل تهديدًا حقيقيًا لوحدة السودان واستقراره الإقليمي.

السيناريو الأخير، يقوم على نجاح الضغوط الدولية والإقليمية في فرض اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، يعقبه حوار سياسي موسع يضم القوى المدنية، تمهيدًا لبدء مرحلة انتقالية جديدة تمتد لتسعة أشهر تحت إشراف أممي وإقليمي مشترك. ويساعد على تحقيق هذا السيناريو تنامي الإجماع الدولي على ضرورة إنهاء الحرب، إلى جانب إرهاق الطرفين عسكريًا واقتصاديًا، مما قد يدفعهما نحو القبول بتسوية سياسية. غير أن هذا المسار يواجه تحديات داخلية كبيرة، أبرزها انقسام القوى المدنية، إضافة إلى احتمال معارضة بعض المجموعات المسلحة لأي تسوية لا تضمن مصالحها.
الخلاصة:
من المرجح إعلان هدنة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، غير أن استمرارها واستقرارها سيظل مرهونًا بوجود توافق إقليمي موحّد يدعم تنفيذها، وإرادة سياسية حقيقية لدى طرفا الصراع لضمان الالتزام بها، إلى جانب رقابة دولية فعّالة وآلية ميدانية واضحة للتنفيذ والمتابعة بسبب تعدد المجموعات المسلحة ومراكز القرار, ومن المتوقع أن يأخذ الحل السياسي الشامل وقتًا طويلاً — ربما حتى منتصف 2026 — ما لم تحدث مفاجأة في موازين القوى العسكرية.
في حال فشل المساعي الدبلوماسية الراهنة، فإن السودان مهدد بمزيد من التصعيد العسكري والتدهور الإنساني والأمني خلال الأشهر المقبلة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات