الأحد, نوفمبر 9, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةالمفقودون في السودان: بين الغياب والعدالة(1)

المفقودون في السودان: بين الغياب والعدالة(1)

كتب:حسين سعد
يظل المفقود في أي حرب أكثر من مجرد اسم على ورقة أو صورة معلقة على جدار؛ إنه صوت يتردد في البيوت، وأمل يتأرجح بين انتظار واليأس، وجرح يرفض أن يلتئم. في السودان، لم يكن الغياب وليد لحظة واحدة، بل تراكم لعقود من الحروب والصراعات التي لم تمنح ضحاياها الحق في العدالة أو المعرفة. منذ الحرب الأهلية الأولى، مرورًا بالحرب الأهلية الثانية، ودارفور، والنيل الأزرق، إلى ثورة ديسمبر ومجزرة القيادة العامة، ثم حرب 15 أبريل 2023، ظل ملف المفقودين متروكًا دون معالجة جدية، وكأن الغياب أصبح سمة طبيعية للوجود، ومن المنتظر ان أصدر كتاب عن قضية المفقودين بعنوان المفقودين ؟ أين هم؟ – السؤال الذي يطرحه كل من فقد أحبائه، هذا الكتاب يقدّم قراءة شاملة لقضية المفقودين في السودان، محاولًا الجمع بين السرد التاريخي والتحليل القانوني والبعد الإنساني والنفسي والاجتماعي. اعتمدنا في كتابتنا على شهادات الأسر، وتقارير المنظمات المحلية والدولية، والوثائق الرسمية المتاحة، لنرسم صورة حقيقية للغائبين الذين لم يُسمع صوتهم، ولا يكتفي الكتاب بتسجيل المأساة، بل يسعى لتسليط الضوء على الحق في معرفة الحقيقة، وهو حق إنساني أصيل يكفلته المواثيق الدولية: الحق في معرفة مصير المفقود، الحق في العدالة، والحق في التعويض. كما يعالج الكتاب دور التوثيق والذاكرة الجماعية، وآليات العدالة الانتقالية، ويوفر خارطة طريق مستقبلية لمعالجة هذه القضية الوطنية، من خلال مقترحات عملية ومؤسساتية، تهدف إلى وضع المفقودين في قلب أي برنامج وطني للسلام والمصالحة، باختصار، هذا الكتاب هو دعوة صريحة لكل المعنيين بحقوق الإنسان، والمجتمع المدني، والدولة، لإيقاف معاناة الأسر، وكشف مصير الغائبين، وإعادتهم إلى ذاكرة الوطن. إنه محاولة لتثبيت الحقائق، ومنح الضحايا كرامتهم المفقودة، وتحويل الألم إلى أمل، والغياب إلى إرث للعدالة والذاكرة الوطنية.
صوت من الغياب – الصمت القاسي والبحث عن الحقيقة المفقودة
ويظل المفقود في أي حرب أكثر من مجرد اسم على ورقة أو صورة معلقة على جدار؛ إنه صوت يتردد في البيوت، وأمل يتأرجح بين انتظار واليأس، وجرح يرفض أن يلتئم. في السودان، لم يكن الغياب وليد لحظة واحدة، بل تراكم لعقود من الحروب والصراعات التي لم تمنح ضحاياها الحق في العدالة أو المعرفة. منذ الحرب الأهلية الأولى، مرورًا بالحرب الأهلية الثانية، ودارفور، والنيل الأزرق، إلى ثورة ديسمبر ومجزرة القيادة العامة، ثم حرب 15 أبريل 2023، ظل ملف المفقودين متروكًا دون معالجة جدية، وكأن الغياب أصبح سمة طبيعية للوجود، يعتبرالاختفاء القسري أحد أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها إيلامًا للمجتمعات، إذ يحرم الضحية من حريته وحياته، ويترك أسرته في حالة من العذاب النفسي المستمر، لا تعلم إن كان ابنها حيًا أم ميتًا. في القانون الدولي، يُصنَّف الاختفاء القسري كجريمة ضد الإنسانية إذا ارتُكب على نطاق واسع أو بشكل منهجي، في السودان، ظاهرة الاختفاء القسري ليست جديدة، بل ارتبطت منذ وقت مبكر بالبنية الأمنية للدولة، وتفاقمت عبر العقود، خاصة تحت الأنظمة العسكرية والاستبدادية. ومع تطور النزاعات المسلحة في جنوب السودان ودارفور، ومع الاحتجاجات والثورات في العقود الأخيرة، اتخذ الاختفاء القسري طابعًا ممنهجًا وواسع النطاق، هذا الكتاب يحاول تقديم قراءة تاريخية وتحليلية لهذه الظاهرة في السودان: من جذورها التاريخية، مرورًا بفترة الإنقاذ، ثم ثورة ديسمبر، فالانقلاب العسكري، وصولًا إلى الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023. كما يستعرض الإطار القانوني، ويقترح سبل المعالجة عبر العدالة الانتقالية وجبر الضرر وحفظ الذاكرة، هذا الكتاب هو محاولة لإعادة الكلمة للغياب، لإعادة الأسماء إلى ذاكرتنا الجمعية، ولإثبات أن الغياب ليس نهاية الحكاية، بل بداية البحث عن العدالة. نحن هنا لا نوثّق فقط الاختفاء القسري، بل نضيء على الحقوق المنتهكة، على الألم الصامت، على الكرامة التي طُمست، وعلى المسؤوليات الإنسانية والقانونية تجاه كل روح اختفت بلا سبب؟


الغياب الذي لا يُنسى
في كل زقاق، وفي كل قرية، وفي كل مدينة سودانية، تختفي أرواحٌ بلا أثر، تاركة وراءها فراغًا لا يملأ، وأسراً تعيش بين الألم والأمل، تبحث عن لمحة من الحقيقة، عن كلمة واحدة تكشف مصير أحبائها. هؤلاء المفقودون ليسوا أرقامًا على ورق، ولا مجرد حوادث عابرة تُنسى مع الزمن؛ بل هم بشرٌ عاشوا وحلموا وأحبوا، وفجأةً اختفوا، تاركين خلفهم صمتًا مُعتمًا يصرخ في وجدان كل من يعرفهم، وفي ضمير المجتمع كله، إن قضية المفقودين في السودان ليست مجرد مأساة فردية أو أسرية، بل جرحٌ جماعي في جسد الأمة، يطال القيم الإنسانية والحقوقية، ويضع المجتمع أمام امتحان ضمير لا يمكن تجاهله. كل صفحة في هذا الكتاب تحاول أن تروي حكاية من خلف الغياب، أن تعيد الأمل للأسر، وأن تؤكد أن الحق في المعرفة ليس رفاهية، بل حق أساسي من حقوق الإنسان، وركيزة من ركائز العدالة الانتقالية والمساءلة، في السودان، كما في كثير من الدول التي عانت من صراعات طويلة ومراحل متعددة من العنف السياسي والعسكري، توجد قضية تحمل عبء الألم الجماعي ووجع الأسر بشكل يومي ومستمر: قضية المفقودين. هؤلاء المفقودون هم بشر عاشوا، أحبوا، بنوا أحلامهم وأملوا حياة كريمة، وفجأةً اختفوا، تاركين وراءهم فراغًا لا يملأ، وأسئلة بلا إجابات، وأحزانًا لا تُحصى. الغياب القسري ليس مجرد فقدان شخص؛ إنه فقدان لجزء من الذاكرة الجمعية للمجتمع، لفكرة العدالة، ولشعور الأمان الذي يضمنه القانون والمجتمع، كل غياب يحمل في طياته مأساة مزدوجة: مأساة الشخص المفقود نفسه، ومأساة الأسرة التي تُركت تبحث بلا كلل عن أي أثر، عن أي كلمة، عن أي علامة تشير إلى أن الغائب ما زال حيًا أو رحل بأمان. وفي كل يوم يمر، يتراكم الألم وتزداد الأسئلة، ويصبح الصمت الرسمي والنسيان المجتمعي أشد قسوة على من ينتظرون الحقيقة (يتبع)

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات