الثلاثاء, نوفمبر 11, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةتعليق السودان لمشروع القاعدة الروسية في بورتسودان: البحر الأحمر كساحة للمناورة وإعادة...

تعليق السودان لمشروع القاعدة الروسية في بورتسودان: البحر الأحمر كساحة للمناورة وإعادة التموضع الاستراتيجي

ذوالنون سليمان، مركز تقدّم للسياسات

تقديم: أعلن السفير الروسي في السودان، أندريه تشورنوفول، في 10 نوفمبر 2025، أن مشروع إنشاء القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان قد تم تعليقه مؤقتًا. ورغم غياب إعلان رسمي من جانب الخرطوم، ترجّح التحليلات أن القرار جاء من القيادة السودانية في إطار إعادة تموضع سياسي ودبلوماسي يقوده الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي.

التحليل:

المناورة بين موسكو وواشنطن: يسعى البرهان إلى توظيف هذا التعليق كمجال مناورة مع القوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة وروسيا، في ظل الصراع الداخلي مع قوات الدعم السريع. وتعتبر هذه الخطوة امتدادًا لسياق أوسع من التنافس الدولي على البحر الأحمر الذي تحوّل إلى ممر حيوي للصراع بين القوى الإقليمية والعالمية.

تُظهر المؤشرات أن البرهان يتّبع سياسة موازنة مرنة تقوم على استخدام ملف القاعدة الروسية كأداة مساومة استراتيجية. فمن خلال تعليقه الاتفاق مع موسكو، يسعى إلى استدراج دعم غربي مقابل خطوات تُقرأ في واشنطن كتحول نحو المعسكر الأمريكي، وتشمل:

الموافقة المبدئية على إنشاء قاعدة أمريكية على ساحل البحر الأحمر.

فتح قنوات تعاون استخباراتي مع إسرائيل عبر مركز مراقبة في بورتسودان.

مراجعة العقود الروسية والإيرانية والتركية مقابل دعم سياسي وعسكري مباشر.

يعبّر هذا النهج عما يمكن وصفه بـ البراغماتية الدفاعية: إذ يدرك البرهان أن بقاءه في السلطة يتطلب موازنة دقيقة بين حاجته للدعم الخارجي ورفض الاصطفاف الكامل لأي محور. لذلك، يستخدم موقع السودان الجغرافي كورقة مساومة في لحظة تتقاطع فيها مصالح القوى الكبرى على البحر الأحمر.

غير أن هذه المناورة تنطوي على مخاطر مزدوجة؛ فمن جهة، قد تؤدي المبالغة في التقارب مع واشنطن وتل أبيب إلى ارتهان القرار الوطني وفقدان التوازن مع روسيا والصين. ومن جهة أخرى، فإن موسكو قد تردّ عبر أدوات اقتصادية وأمنية غير مباشرة، مما يعمّق هشاشة الوضع الداخلي ويزيد احتمالات “تدويل الصراع السوداني”.

انعكاسات المناورة على الداخل السوداني:

تنعكس سياسة البرهان الخارجية مباشرة على موازين القوى في الداخل، إذ باتت التحالفات الخارجية امتدادًا للصراع العسكري والسياسي الداخلي.

       على المستوى الميداني، يسعى البرهان إلى تحويل الانفتاح على الغرب إلى رافعة تسليحية واستخباراتية تمكّنه من التفوق على قوات الدعم السريع خاصة بعد حسمه لمعركة الفاشر والانتقال الى حالة الهجوم في كردفان وام درمان شمالا. إلا أن هذا قد يفتح الباب أمام اختراق أمني غربي مباشر، ويحوّل الجيش إلى شريك تابع في أجندة مكافحة الإرهاب والهجرة أكثر من كونه مؤسسة سيادية وطنية.

       سياسيًا، يعتمد البرهان على الاعتراف الخارجي لتعويض ضعف الشرعية الداخلية، ما يُعيد إنتاج نموذج الحكم القائم على الشرعية الدولية بدل الوطنية.

        اقتصاديًا، يسعى البرهان. لاستقطاب الدعم من خلال مناوراته بالاتفاقيات الروسية والتركية والإيرانية لم وتحويلها إلى مكاسب غربية وخليجية ملموسة، ت

النتيجة أن المناورة الخارجية، رغم فعاليتها التكتيكية، قد تُعمّق الانقسام الداخلي وتُضعف مؤسسات الدولة إذا لم تُستثمر في إطار تسوية سياسية وطنية تعيد بناء الشرعية من الداخل لا من الخارج.

الخيارات السياسية المتاحة أمام السودان:

في ضوء هذه المعطيات، امام السودان خياران لاستعادة دوره الطبيعي في الخارطة الاقليمية بما يتوافق مع مصالحه الوطنية:

        إعادة التوازن الداخلي كمقدمة للاستقرار الخارجي من خلال إنهاء الحرب عبر تسوية وطنية تُعيد الشرعية السياسية والمؤسسية للدولة، هذه الخطوة تحتاج إلى تقديم تنازلات من النخب العسكرية والسياسية وقد يواجه مقاومة من مراكز القوة.

الحياد الإيجابي واستثمار التنافس الدولي عبر تحويل موقع السودان في البحر الأحمر إلى منصة للتعاون الإقليمي، لا إلى ميدان صراع دولي، يعيد الدور التاريخي للسودان كجسر بين إفريقيا والعالم العربي. ويتطلب هذا الخيار سياسة خارجية منضبطة ومهنية وقدرة على تحييد تأثير الحرب الداخلية.

الخلاصة:

يُظهر المشهد السوداني الراهن أن تجميد مشروع القاعدة الروسية في بورتسودان هو أداة مناورة سياسية أكثر من كونه تحولًا استراتيجيًا في التحالفات. يستخدم البرهان هذه الورقة لتثبيت سلطته داخليًا واستقطاب دعم خارجي، في لحظة يتقاطع فيها التنافس الأمريكي–الروسي–الصيني على البحر الأحمر.

هذه السياسة البراغماتية تحمل مخاطر الانزلاق إلى الارتهان الاستراتيجي لأي من المحاور المتنافسة، ما قد يحوّل السودان إلى ساحة صراع بالوكالة ويقوّض استقلال قراره الوطني.

إقليميًا، تتابع مصر والسعودية هذا التحول بحذر، لما قد يسببه من خلل في منظومة أمن البحر الأحمر، لكنها قد تجد فيه فرصة لتعزيز دورها كقوة توازن تمنع تدويل الممر البحري الحيوي.

** مستقبل السودان سيُحسم بقدرته على تحويل الجغرافيا إلى ورقة سيادة لا تبعية، وبقدر ما ينجح في ترجمة التنافس الدولي إلى تعاون إقليمي يضمن أمن البحر الأحمر واستقرار السودان كفاعل مستقل في منظومة شرق إفريقيا والعالم العربي

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات