بقلم: د . حافظ إبراهيم عبدالنبي
في عالمٍ تتشابك فيه الصراعات وتتعاظم فيه التحديات الأمنية نجد أن الحركات الإسلامية الظلامية كأخطر ظاهرة تهدّد استقرار الدول وتمزّق النسيج الاجتماعي، وتضرب في صميم السلم الإقليمي والدولي. هذه الجماعات، التي تتخذ من الدين ستاراً زائفاً، ليست سوى مشاريع تخريبية تسعى للهيمنة عبر الفوضى والعنف واستغلال معاناة الشعوب.
لقد أثبتت التجربة التاريخية أن الفكر الظلامي الديني المتطرف لا ينبت إلا في بيئاتٍ أُنهكت بالفقر والتهميش والظلم. ومن هنا تمددت الحركات الاسلاموية الشيطانية من الشرق الأوسط إلى أفريقيا والساحل، لتشكّل أحزمة نارٍ عابرة للحدود، تتبادل التمويل والتجنيد والدعم اللوجستي، وتحوّل النزاعات المحلية إلى أزمات إقليمية معقّدة.
في السودان، على سبيل المثال، مثّلت الحركة الإسلامية الشيطانية نموذجاً صارخاً لكيفية اختطاف الدولة باسم الدين. فقد حوّلت المؤسسات الوطنية إلى أدوات تمكين حزبي، وأدخلت البلاد في دوّامة من الحروب والانقسامات، بينما انشغلت قياداتها بتكديس الثروات بفقه ( التمكين ) وتدمير الخدمة المدنية، وتكريس خطاب الكراهية والإقصاء. إن التجربة السودانية تلخّص ببساطة جوهر هذه الحركات: سلطة باسم العقيدة، وفساد باسم الشريعة، واستبداد باسم الهوية.
الخطر لا يقف عند حدود السودان، بل يمتدّ إلى عمق القارة الأفريقية والشرق الأوسط، حيث تتغذى هذه الجماعات الإرهابية على الفوضى السياسية وضعف الدولة. ومع تعدد التنظيمات وتشابك مصالحها، أصبحت خريطة الإرهاب معقدة ومتداخلة، تجمع بين الأيديولوجيا الدينية والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية، حتى غدت تهديداً شاملاً للأمن الدولي.
ولذلك، فإن مواجهة الحركات الاسلاموية لا يمكن أن تقتصر على الحلول العسكرية والأمنية وحدها، بل تتطلب معالجة جذرية للأسباب التي تغذي التطرف. فالمعركة الحقيقية هي معركة وعي وتنمية وعدالة. يجب على الدول أن تبني مؤسسات حكم رشيدة، توفر التعليم، وتخلق فرص العمل، وتحمي حقوق الإنسان، لأن الفقر والظلم والتهميش هي الوقود الذي يشعل نار التطرف.
كما أن التعاون الإقليمي والدولي أصبح ضرورة ملحّة، لتبادل المعلومات، وتجفيف مصادر التمويل، ومحاسبة الدول أو الأفراد الذين يدعمون الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر. إن الصمت الدولي أمام تمدد الحركات المتشددة يشكّل خطراً موازياً للعنف ذاته، إذ يمنحها الوقت والمساحة لإعادة التشكل والانتشار تحت مسميات جديدة.
إن الحركات الإسلامية الظلامية ليست تعبيراً عن الدين، بل عن تشويهٍ متعمّدٍ للدين، وهي في حقيقتها أداة استعمارٍ جديدة تسعى إلى هدم الدولة الوطنية واستبدالها بولاءات عابرة للحدود. ومهما تلونت بالشعارات أو الخطابات الدعوية، فإنها تبقى وجهًا آخر للخراب، وعدوًّا مباشرًا للعقل والحياة والكرامة الإنسانية.
ختامًا: على الشعوب والنخب الواعية أن تدرك أن الحرب مع الإرهاب ليست حرب جيوشٍ فحسب، بل حرب فكرٍ وبناءٍ ووعي . ولا سبيل لحماية أوطاننا إلا بتوحيد الصفوف، وإعلاء قيم المواطنة، ومحاربة خطاب الكراهية ، والعمل علي تأسيس دولة وطنية مدنية ديمقراطية تحمي الجميع دون تمييز. فذلك وحده هو الردّ الحقيقي على قوى الظلام والردة ، وتلك هي الطريق إلى سلامٍ عادلٍ ومستدام.
15 نوفمبر 2025 م

