أرضٌ أنهكتها الحروب وتحوّلت ملامحها إلى ركام. تعطلت مؤسساتها، وتبددت قيم الإنسانية، واتسعت رقعة الجوع الذي صار أداة قمع مستمرة. ما يحدث نتيجة أفعال مجموعة صغيرة استهدفت فئات محددة، فحرمتها ثرواتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والزراعية، ودفعت الناس إلى مواجهة ظروف لا ترحم.
هذا الواقع المظلم يهدد حياة السكان ويخلق كارثة إنسانية يتجاهلها العالم. موجات النزوح تتسع، والأوبئة تنتشر، والجوع يطوِّق الأسر في المناطق المنسية. كثيرون لا يجدون وجبة واحدة في اليوم، ويعيشون على حافة الموت جوعاً.
جوهر المأساة هو الحرب واستمرارها، ومن يقفون خلفها. هم صُنّاع الألم وسبب الجروح التي لا نستطيع وصفها حقاً. حرب أطفأت حياة أجيال كاملة، وتركت البلاد في حالة جنون لا تستقيم معه حياة الفقراء والنساء والأطفال والضعفاء. صرخاتهم ستظل شاهدة، ودعواتهم ستصل، وستنتصر قضية النازحين واللاجئين مهما طال الطريق.
الجرائم التي شهدتها هذه الحرب مهولة. كل الأطراف ارتكبت انتهاكات قاسية: قتل خارج القانون، عنف قائم على النوع الاجتماعي، خطف، ابتزاز، نهب، تهديد، وتعديات أخرى طالت حتى الكرامة الإنسانية. كلها ممارسات وُلدت من فوضى السلاح وغياب العدالة.
الحروب لا تصنع أوطاناً، وتترك على الكاهل أثقالاً تدفع الأجيال ثمنها لاحقاً. نحن بحاجة إلى سلام حقيقي يشعر به الناس في تفاصيل يومهم، سلام يبدأ بحوارات بين مكوّنات المجتمع، ويُنهي الجوع والتهميش، ويقطع الطريق أمام السياسات الموروثة من المستعمر التي شتّتت المجتمع وعمّقت الانقسامات.
في قلب هذه المعاناة يقف أشخاص يعملون، عن قصد أو جهل، لخدمة مصالح خارجية، ويسلمون أنفسهم لمشاريع لا يعرفون خطورتها. يتحركون دون تمييز بين قريب وعدو، ويُستخدمون كأدوات في مخططات تُدار من بعيد.

