الأربعاء, ديسمبر 17, 2025
الرئيسيةمقالاتالمحكمة الجنائية الدولية تجربة جادة لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب تحتاج...

المحكمة الجنائية الدولية تجربة جادة لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب تحتاج إلى تقييم وتعزيز أم تحولت إلى ظاهرة للإلهاء وتقنين لحالات الإفلات من العقاب. (٣/ ٣) .


بقلم الصادق علي حسن .

عقوبة كوشيب لا تتناسب مع حجم جرائمه المرتكبة .

حيثيات إدانة علي كوشيب تضمنت توافر بينات دامغة لإدانته بارتكاب (٢٧) جريمة من الجرائم الموصوفة في نظام روما الأساسي والقانون الدولي بالجرائم ضد الإنسانية، وإذا تم الحكم عليه عن كل جريمة واحدة بالسجن لمدة سنة واحدة، على أن توقع عليه بالتتابع تكون المدة المحكوم بها عليه (٢٧ سنة) ، ولكن المحكمة الجنائية الدولية في كل الجرائم المرتكبة بواسطة علي كوشيب حكمت عليه بالسجن فقط ب (٢٠ سنة) . ويأتي السؤال لماذا ؟!. الظروف المخففة التي توافرت في علي كوشيب بحسب المحكمة تتمثل في سلوكه اثناء المحاكمة وفي الحبس لاغراض المحاكمة ، وفي هكذا جرائم وحالة المحكوم لا يعتبر السلوك الذي أظهره في الحبس أو أثناء المحاكمة وحده كافيا للتقرير بشأن تخفيف الحكم . ذلك أن علي كوشيب أثناء المحاكمة مارس التضليل ،وأنكر هويته الشخصية، وزعم انه ليس علي كوشيب ذلك الشخص المذكور في البلاغات المقيدة ، كما ولم يسبق أن أطلق عليه ذلك اللقب على الإطلاق في حياته وانه لم يكن متواجد في مناطق وقوع الجرائم المرتكبة بل لم يسبق له أن زار مناطق مذكورة ولا يعرف أين هي . وفي دفوعاته أنكر أنه علي كوشيب إنكارا مطلقا، فهل يمكن أن يُوصف منه ذلك السلوك الإجرامي أمام المحكمة بالتعاون مع المحكمة للوصول إلى الحقيقة أم ممارسة التضليل . وقد شكل ذلك السلوك نفسه توافر جريمة مرتكبة أمام المحكمة وهي اختلاق البينة الباطلة، واستخدامها على الرغم من العلم ببطلانها فالمتهم انكر نفسه وهو من أكثر الجرائم خطورة على سير العدالة وإذا تمكن المتهم من تشكيك المحكمة في شخصه النتيجة ستكون قطعا شطب كل التهم المنسوبة إليه . من حيثيات وقائع المحاكمة والتهم عن الجرائم المرتكبة والمدان بارتكابها علي كوشيب (٢٧ تهمة) ،فإن الراجح أن الدور الأساسي في الوصول للنتيجة هو ما قامت به لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي انطونيو كاسيسي من تحقيقات سليمة وصحيحة، تم تعزيزها بتحقيقات المدعي الجنائي للمحكمة الجنائية الدولية الأسبق لويس أوكامبو والمدعية السابقة فاتو بنسودة كما ولم يكن للمدعي الجنائي الحالي كريم خان اي دور سوى متابعة الإجراءات في مراحلها الأخيرة حتى صدور الحكم. بل من الواضح أن كريم خان له دورا في تمرير الظروف المخففة التي اعتمدت عليها المحكمة الجنائية الدولية بتوقيع عقوبة مجملة علي المدان علي كوشيب (٢٠ سنة) عن كل جرائمه المرتكبة والتي شكلت (٢٧ تهمة) ، وتخليها عن إيقاع العقوبات عليه بالتتابع عن كل جريمة من الجرائم الجسيمة المرتكبة(٢٧ تهمة) ، ولو تمسك المدعي الجنائي كريم خان أمام المحكمة بتوافر ظروف التشديد على المدان من خلال سلوك المدان الذي أنكر نفسه أمام المحكمة وقد توافرت من خلال ممارسة كوشيب محاولته تضليل العدالة ، وهي جريمة مستقلة في حد ذاتها ،وكان يجب على المحكمة أن تقوم بمساءلته عليها ، بل ومساءلة محاميه إذا ثبت انه اشترك معه في محاولة إنكار هويته بجربمة اختلاق بينة باطلة لاستخدامها مع العلم ببطلانها لارست المحكمة سابقة . فالمتهم سلم نفسه طواعية للمحكمة على اساس انه هو نفسه علي كوشيب ، فهل أكتشف حقيقةنفسه فجأة أثناء المحكمة ليدعى أنه شخصا آخر ؟، (قرينة واضحه لعلم محاميه بإنكار شخصه) وقد تولى الدفاع على اساس أن موكله هو علي كوشيب وأصدر تصريحات بذلك، واثناء المحاكمة دفع بأن موكله ليس علي كوشيب . إن العقوبة المحكوم بها على علي كوشيب تنطوي على استهتار شديد بالأرواح المهدرة والجرائم المرتكبة بواسطة علي كوشيب وأعوانه ممن اشتركوا معه والجهود التي بذلت من أجل تحقيق العدالة والانصاف للضحايا ، مما يعني أن البشير وعبد الرحيم محمد حسين واحمد هرون يمكنهم أن يدفعوا بأن الأوامر الصادرة عنهم والتي تقوم عليها مسؤولياتهم (إذا افترضنا انهم مثلوا أمام المحكمة وادانتهم المحكمة) ،حدثت فيها تجاوزات بل سيتحول الأمر قبل ذلك إلى إنكار وجدل أمام المحكمة .

عشرون عاما في انتظار نتائج تحقيقات لجنة كاسيسي :

ضحايا الانتهاكات الجسيمة والجرائم المرتكبة التي وقعت على المتأثرين بها في دارفور ، هم الذين يعبرون عن مدى احساسهم بالعدالة والانصاف . إن الجرائم المرتكبة في دارفور بداية من (٢٠٠٢م- ٢٠٠٣م) وحتى اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة ، تمثل أبشع صور الانتهاكات الجسيمة والجرائم المرتكبة بحق الإنسان التي مرت على تاريخ البشرية . البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هرون وآخرون من أمثالهم ظلت تلاحقهم لعنات الضحايا ، وهي أشد عقوبة من عقوبة علي كوشيب التي أصدرتها محكمة الجنايات الدولية . لقد نال البشير بعضا مما يستحق من عقاب، وقد انقلبت عليه صنيعته (حميدتي )، فوجد الصانع ممن اصطنعه كل أصناف المهانة والإذلال التي أذاقها لأبرياء وبسطاء كانوا في مناطقهم وقراهم آمنين . إن العقوبة المحكوم بها على علي كوشيب لا تناسب حجم ونطاق الجرائم المرتكبة، ولا الجهود التي بذلت في ملاحقته، وقد صار من الضرورة الوضع في الاعتبار اتخاذ التدابير اللازمة في المستقبل لعدم تكرار ممارسة الانتهاكات، وتقنين ظاهرة الإفلات من العقاب ، ذلك أن القيمة الجوهرية لأي عقوبة تكمن في قدرتها على تحقيق الردعين الخاص والعام ، وهو ما أخفقت فيه هذه المحاكمة بجلاء. فالعقوبة المقررة (٢٠ سنة) لا تتناسب مطلقاً مع جسامة الجرائم المرتكبة، بل إنها تظهر مفارقة أخلاقية مؤلمة ومختلة في موازين العدالة . فالمفارقة لا تكمن في تمتع المدان بحقوقه الطبيعية التي كفلتها المواثيق الدولية للسجناء ، بل تكمن المفارقة المحزنة حيث يجد المدان في محبسه بـ (لاهاي) بيئة آمنة تضمن له التواصل الإنساني، والرعاية الصحية، وفرص التعلم والتطوير الذاتي، في حين لا يزال ضحاياه يرزحون تحت وطأة التشريد،، وانعدام الأمان والمعاناة في المعسكرات المستمرة بسبب جرائمه المرتكبة .إن هذا التباين هو ما يحول العقوبة من جزاء رادع يوازي حجم الجرائم المرتكبة إلى ما يشبه ‘استراحة محارب’ أو رحلة تأهيلية مدفوعة الثمن، مما يفرغ مفهوم العدالة من محتواه. فالمتهم الذي قام بإزهاق الأرواح من النساء والأطفال والمسنين ، يجد نفسه اليوم مستفيداً من أرفع معايير الحقوق التي حُرِم منها ضحاياه، وهو ما يجعل العقوبة ‘رمزية’ في نظر المجتمع، وبمثابة ‘مكافأة’ ضمنية لا تمنع تكرار الجريمة ولا تنصف المظلومين .

محاكمة نائب هتلر رودولوف هيس واعوانه (الجزاء من جنس العمل) .

كل الشرائع الوضعية والديانات السماوية والأعراف أقرت بأن الجزاء الرادع هو من جنس العمل خاصة في حالة حياة الإنسان الذي كرمه الله تعالى .
في محاكمات النازحين عن جرائم الحرب المرتكبة بواسطة هتلر واعوانه (محاكمات نورنبرغ ١٩٤٥م – ١٩٤٦م)طالت أحكام الاعدامات اعوان هتلر . وتمت محاكمة نائب هتلر رودولف هيس بالسجن المؤبد وبقي بالسجن حتى وفاته في عام ١٩٨٧م منتحرا ، ورفضت المحكمة الإفراج عنه لتدهور حالته الصحية وقد اصيب بفقدان التركيز وضعف الذاكرة ، وبلغ من العمر (٩٣ سنة) ، عظة وعبرة لغيره. وبعد أن تحول قبره إلى مزار بواسطة ما عرفوا بالنازيين الجدد . في عام ٢٠١١م اخرج رفات هيس من قبره في بلدة فونشديل جنوبي ألمانيا وتم تدمير القبر تماما وتم إحراق رفات هيس واُلقي الرماد في البحر وأزيل شاهد القبر ،مما حقق الردع العام، لكل من سولت له نفسه الاحتفاء بذكرى هيس المشؤومة .

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات