الأربعاء, ديسمبر 31, 2025
الرئيسيةاخبار سياسيةكارثة إنسانية متكاملة :الجوع يتمدد وسط صمت دولي

كارثة إنسانية متكاملة :الجوع يتمدد وسط صمت دولي

تقرير:حسين سعد
يشهد السودان منذ أبريل 2023 أزمة إنسانية غير مسبوقة نتيجة الحرب المستمرة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى إنهيار شبه كامل للخدمات الأساسية، وتدمير البنية التحتية، وتعطّل الإنتاج الزراعي والحيواني، وتفاقم مستويات النزوح والمجاعة، تتجلى الأزمة الإنسانية في السودان اليوم بوصفها واحدة من أعمق المآسي التي شهدتها البلاد في تاريخها الحديث، مأساة لا تُقاس فقط بعدد الضحايا أو حجم الدمار، بل بتمدد الألم في تفاصيل الحياة اليومية لملايين البشر، فمنذ اندلاع الحرب الكارثية، إنقلبت حياة الناس رأساً على عقب، وتحوّلت المدن والقرى إلى مساحات خوف مفتوحة، ووجد الملايين أنفسهم فجأة بلا مأوى، بلا دخل، وبلا أفق واضح للغد، الحرب لم تكتفِ بتدمير البيوت والبنى التحتية، بل كسرت شبكات الأمان الاجتماعي، ودفعت بأسرٍ كاملة إلى حافة الجوع واليأس.
نساء وأطفال بلا غذاء ولا دواء:
يمتد الجوع اليوم كظل ثقيل على البلاد، مع انهيار سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الغذاء وغياب فرص العمل، ليصبح الحصول على وجبة واحدة يومياً معركة بحد ذاتها، وفي موازاة ذلك، ينهار النظام الصحي تحت وطأة الحرب، فتغيب المستشفيات، وتنقطع الأدوية المنقذة للحياة، ويواجه المرضى—خصوصاً الأطفال وكبار السن والحوامل—مصيراً قاسياً بين العجز والفقد. لم يعد المرض مجرد حالة صحية، بل حُكماً بالإقصاء والموت البطيء في أماكن لا يصلها طبيب ولا دواء، أما معسكرات النزوح ومراكز الإيواء داخل البلاد، فقد تحولت إلى فضاءات مكتظة بالبشر ومفتوحة على كل أشكال الهشاشة، خيام مهترئة، ومياه غير آمنة، وخدمات صحية شبه معدومة، ونساء يحملن عبء الإعالة والحماية في ظروف قاسية، وأطفال يكبرون خارج مقاعد الدراسة وتحت وقع الصدمات.،وفي معسكرات اللجوء خارج الحدود، تتكرر المأساة بأشكال أخرى؛ اغتراب قاسٍ، فقدان للهوية، وصراع يومي من أجل الاعتراف والعيش الكريم. هكذا تمتد الأزمة خارج الجغرافيا، لتصبح معاناة عابرة للحدود، لكنها تظل سودانية الملامح والوجع، في هذا السياق، أنهي مؤتمر الإغاثة جلساته لمناقشة تداعيات الحرب على حياة المدنيين، مع التركيز على أهمية فصل العمل الإنساني عن أي شروط عسكرية أو أمنية، وضمان وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر تضررًا، وخصوصًا النساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة؟
السودان يموت بصمت:
أكد الباحث ضياء الدين محمد أحمد في ورقته التي قدمها خلال اليوم الثاني لمؤتمر الإغاثة الذي أنهي جلساته وأصدر بيانه الختامي مؤخراً، على ضرورة إشراك النساء والشباب، غرف الطوارئ، التكايا، ووسائل الإعلام لضمان إيصال المساعدات الإنسانية دون قيود، ورفض ربطها بأي شروط عسكرية أو أمنية. وشدد على أن المساعدات لا يجب أن تُستخدم كورقة ضغط، مع منح أولوية قصوى للنساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. كما دعا إلى إعادة تشغيل الإنتاج الزراعي والحيواني، ووقف نهب الموارد والذهب والصمغ العربي، وأشار ضياء إلى أن الأزمة الإنسانية استبقت اندلاع الحرب، بسبب التضخم وتدهور العملة المحلية، وتدمير المشاريع الزراعية الكبرى في مناطق مثل مشروع الجزيرة والمناقل وطوكر، وفرض جبايات واسعة على المزارعين، ما أدى إلى اعتقال بعضهم. وأضاف أن الحرب فاقمت الوضع الاقتصادي والمعيشي، وأدت إلى انعدام الأمن والخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية، مع تفشي الأوبئة ودمار المنازل وغياب سبل العيش.


أزمة لا تُرى على الخارطة الدولية
وأشار ضياء الدين إلى مؤشرات كارثية للمجاعة والنزوح، ونقص الدواء ومياه الشرب النقية ، لاسيما وإن أكثر من 25.6 مليون شخص يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، أي ما يعادل نصف سكان البلاد، بجانب وجود حوالي 12 مليون نازح داخلي يعيشون في ظروف مأساوية بلا غذاء أو مأوى أو مياه نظيفة، مؤكداً في ذات الوقت إنهيار الإنتاج الزراعي بنسبة تصل إلى 80% في معظم المناطق، وإرتفاع أسعار الغذاء بأكثر من 1000% مقارنة بعام 2022م كما سلطت الورقة الأضوء على إنهيار النظام الصحي وإنتشار الأوبئة، حيث خرجت أكثر من 70% من المؤسسات الصحية عن الخدمة، مع نقص الأدوية والكوادر الطبية، وارتفاع معدلات الأمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة، إضافة إلى تدهور التغطية الصحية للأطفال والنساء الحوامل وكبار السن.
من جهته، أكد الناشط حمدان جمعة أن مناطق كردفان الكبرى، التي تشمل شمال وجنوب وغرب كردفان، تعاني نقصًا حادًا في الغذاء والدواء، نتيجة الحرب والحصار وتراجع الإنتاج الزراعي والحيواني، مشيرًا إلى وجود 62 غرفة طوارئ و20 منظمة محلية تعمل على تقديم الدعم، وفي المقابل دعت المحامية والمدافعة الحقوقية ماجدة صالح إلى ضرورة خلق تنسيق واسع بين كل الفاعلين والمنظمات الإنسانية، والتوصل إلى خارطة طريق واضحة لضمان إيصال المساعدات، فيما شدد الأستاذ أسامة عثمان على أهمية التعاون بين جميع الفاعلين لضمان استجابة فعالة، وفي السياق نفسه، أكدت الخبيرة في الطاقة المتجددة الدكتورة مواهب الطيب على ضرورة إدخال الطاقة المتجددة كعنصر أساسي في خطط الإغاثة وإعادة الإعمار، مع التركيز على استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والكهرباء المائية والحرارية، باعتبارها مدخلًا ضروريًا لتحقيق التعافي الزراعي والاقتصادي في البلاد.
تحالف دعم غذائي:
وأخيرًا دعت الورقة في توصياتها إلى تعزيز الدور الدولي والمحلي في الاستجابة الإنسانية، بما في ذلك تشكيل تحالف دعم غذائي مباشر بين الأجسام السودانية بالخارج ومنظمات الإغاثة، وإنشاء صندوق طوارئ للإمدادات الغذائية، ودعم مشاريع إنتاج الغذاء البديلة في المناطق الآمنة، وطالبت الورقة بفتح ممرات إنسانية آمنة تحت رقابة دولية، وتوفير الأدوية الأساسية ومستلزمات علاج سوء التغذية، ودعم العيادات المتنقلة والفرق الطبية المؤقتة.
الخاتمة (من المحرر)
أمام هذا الواقع، لا يمكن التعامل مع ما يجري في السودان بوصفه أزمة طارئة عابرة، بل كارثة إنسانية تتطلب استجابة قائمة على الحقوق، لا على الإحسان المؤقت فالغذاء، والعلاج، والمأوى، والحماية ليست إمتيازات، بل حقوق أساسية لا يجوز تعليقها على كلفة الحرب أو تعقيدات السياسة، إن صمت العالم، أو الاكتفاء بردود فعل محدودة، يعني القبول بتطبيع الجوع والمرض والنزوح كحقائق دائمة في حياة الملايين، لان ما يشهده السودان اليوم ليس مجرد نزاع مسلح، بل كارثة إنسانية متكاملة تهدد حياة الملايين، الأطفال يموتون من الجوع والأمراض، والنساء الحوامل يواجهن مخاطر صحية جسيمة، فيما يعيش النازحون داخليًا واللاجئون في معسكرات مكتظة بلا أبسط مقومات الحياة، في ظل ضعف الاستجابة الدولية، باتت الأجسام السودانية بالخارج ملاذًا حقيقيًا لإحداث فرق ملموس عبر توحيد الجهود الإنسانية، الضغط على المنظمات الدولية، وتقديم الدعم المباشر للمحتاجين، إن التحرك العاجل والعملي هو السبيل الوحيد لإنقاذ ملايين الأرواح في السودان.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات