الصادق علي حسن يكتب :رسالة مدينة الفاشر وصلت (٣) .سقطت مدينة الفاشر عندما سقطت مدينة الجنينة :
رسالة مدينة الفاشر وصلت (٣)
أحد الساسة السودانيين المخضرمين علق مستغربا، هل كنتم تتوقعون من قيادة طرفي الحرب أن تستجيب لمبادرة الفاشر حتى تهدرون هذا الوقت والجهد والنتيجة وأضحة وضوح الشمس ومعلومة لكل مراقب حصيف، أم هل أنتم لا تعرفون هذان الرجلان (البرهان وحميدتي) وماذا فعلا بهذا الشعب المقهور وماذا ينتويان؟ وهل هما يمتلكان إرادة حرة؟، أم ماذا كنتم تتوقعون منهما من خلال هذه المبادرة ؟ بالله قل لي بربكم لماذا لماذا ؟؟؟
لهذا السياسي المخضرم ،صحيح (سجلا) الرجلان (يعجان) بممارسة كافة أصناف الانتهاكات وعدم الوفاء، كما وعدم قبول مبادرة الفاشر كان هو المتوقع منهما ، ولكن ليس من الحكمة التخلي عن المسؤولية الأخلاقية تجاه سكان مدينة الفاشر المحاصرة ولو كان ذلك بإظهار الرغبة في التضامن معهم بأضعف الوسائل، لذلك كانت مبادرة الفاشر عبارة عن جهد المُقل، الغرض من مبادرة الفاشر لم يكن محصور في قبول طرفي الحرب أو أحدهما، أو يتوقف عليهما، وحتى إذا قبلا أو قبل أحدهما فإن قبولهما أو قبول أحدهما قد لا يتجاوز تأثيره إبداء حسن النية، فالأوضاع الاستثنائية بمدينة الفاشر يُنظر إليها في سياق الأوضاع العامة بالبلاد والتسوية الشاملة التي تتطلب وجود ضمانات دولية معتبرة تقوم بدور التسهيلات والرقابة أو إرادة شعبية موحدة، لذلك المبادرة ضمن أمور أخرى تسعى لإبراز روح التضامن مع أهالي مدينة الفاشر المحاصرة منذ شهر مايو الماضي بجهد المُقل ، لقد عٌلت المبادرة من انتباه الرأي العام بما يجري بمدينة الفاشر من حصار وانتهاكات وجرائم تندرج ضمن الجرائم الموصوفة في كل القوانين على اطلاقها بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ،وأظهرت مبادرة الفاشر بأن هنالك قطاعات وأسعة من الشعب السوداني ترفض الحرب وحصار المدينة المنكوبة وتطالب بوقف الحرب وحماية حق إنسان مدينة الفاشر في الحياة وإقرار مبدأ الحلول السلمية وحق إنسان مدينة الفاشر في التقرير بشأن إدارة مدينته وليس أطراف الحرب ، لقد علم سكان مدينة الفاشر وهم يعانون الأمرين مدى الشعور الإنساني الصادق تجاههم من قبل فئات وقطاعات وكيانات وأسعة من أهل السودان وهم يكابدون على مدار الساعة فظاعة الأوضاع القاسية والقتل الجزافي والإنتهاكات السافرة . إن قائد الدعم السريع لم يعلن رفضه للمبادرة ولم يكن ليظهر موقفه الرافض لأنه أكثر ذكاءً من قائد الجيش البرهان وفي غراره نفسه لن يكون له الرغبة في القبول بهكذا مبادرة كما ومن أستلموها تحاشوا الرد أو التفاعل معها، كذلك فإن قرار وقف الحرب الدائرة في الفاشر أو في غيرها من المناطق الأخرى ليس بيد قائد الدعم السريع وحده، فهنالك أيضا الرئيس الإماراتي محمد بن زايد الذي يسعى سعيا حثيثا لجلب حليفه السابق البرهان إلى طاولة المفاوضات، لقد عرف العالم كله بدور رئيس دولة الإمارات في الحرب الدائرة في السودان وستكون محصلة نتائج هذه الحرب قطعا مؤثرة سلبا على دور الإمارات ورئيسها في المحافل الإقليمية الدولية في المستقبل، فمن يبحث في هذه الحرب الدائرة في السودان ومآلات نتائجها المستقبلية يجد أن من نتائجها ستكون بداية إظهار أصابع السياسة الإماراتية الخارجية الصدئة ودورها السالب في التدخل في أفريقيا وزعزعة الشعوب بما يفتح التساؤلات مشرعة حول ماذا يريد الرئيس الإماراتي محمد بن زايد في السودان وليبيا وحزام الغرب الأفريقي وفي أفريقيا ، كما وستكون من نتائج هذه الحرب قيام منصات الملاحقات والإدانات لدولة الإمارات، وليس بالضرورة ان تنطلق هذه المنصات من قبل المؤسسات الدولية ولكنها ستخرج من خلال أصوات الشعوب المتأثرة بمغامرات الرئيس الإماراتي ، لقد تورط الرئيس الإماراتي محمد بن زايد في حرب السودان الدائرة وفي تمزيقه بأيادي أبنائه، كما وليس للرئيس الإماراتي من خطط وأضحة للخروج من هذه الورطة الكبرى أو ماذا سيفعل وقد تحولات الدولة السودانية إلى مشروعات تجزئة وتقسيم في رحم الغيب، لذلك ليس أمام دولة الإمارات ورئيسها محمد بن زايد سوى المفاوضات المرعية بأطراف دولية وتمسكها بدور المراقب الذي يظهرها دور الحياد والحرص على مستقبل السودان ، لقد كان في صالح البرهان والجيش القبول بطرح مبادرة الفاشر للحوار ولكن البرهان مثلما يعوزه الحصافة والإرادة الحرة فأنه مكبلا بقيود حلفاه، كذلك قد يرى البرهان في توطين الصراعات القبلية في دارفور المدخل لتقليل من قدرة غريمه قائد الدعم السريع في التمدد شمالا .
لقد سقطت مدينة الفاشر منذ سقوط مدينة الجنينة على يدي الدعم السريع وافتضاح موقف قيادة الجيش والحركات المسلحة المنضوية للسلطة ، ثم سقطت مدينة زالنجي فمدينة نيالا واستسلمت الضعين، لم تبرز قيادة الجيش أي اهتمام بسقوط المدن الأخرى كما وكانت الحركات التي لا زالت تتمسك بالسلطة تلوذ بشعار الحياد، لقد تم قتل أحد رفقاءهم من موقعي اتفاق قسمة السلطة بصورة بشعة ولكنها ظلت متمسكة بشعار الحياد حتى بات الأمر يتعلق بتهديد مكاسبها الذاتية في السلطة فخرجت بتقديرات خاطئة.
توطين الحروب الأهلية بإقليم دارفور :
الإتجاه الحالي نحو توطين الحروب القبلية بإقليم دارفور هو الخطر الماحق لكل السودان، لم يكترث قائد الجيش البرهان لسقوط الفرق والحاميات العسكرية في المناطق التي أستولت عليها قوات الدعم السريع وصار يلجأ للقبائل من خلال الحركات المسلحة ويستخدم رمزيتها في الحرب خاصة في مجتمعات دارفور المتأثرة بالولاءات القبلية .
توجهات خاطئة :
الحرب الدائرة في دارفور وفي مدينة الفاشر المحاصرة تختلف عن غيرها في مناطق السودان الأخرى لتأثرها مباشرة بالبعد القبلي، لذلك الزج علنا بالقبائل في الحرب سيؤدي إلى أطالة أمدها وبالتالي لن تتوقف هذه الحرب في القريب، لقد تمكنت قوات الدعم السريع من تجاوز ارتكازات الحركات المسلحة في يوم الخميس الماضي وتوغلت إلى وسط المدينة وتدخل الطيران الحربي وأجبرها على التراجع ولكنها تمركزت في عدة مناطق داخل المدينة مما يعني إمكانية وصولها لمباني أمانة حكومة الإقليم وقيادة الجيش، إن وصول قوات الدعم السريع لأمانة حكومة الإقليم وقيادة الجيش لا يعني أن الأمر قد حسم لصالحها فسكان مدينة الفاشر الذي قاوموا الدعم السريع ليس بسبب موالاتهم لقيادة الجيش أو حركة الإسلام السياسي أو الحركات المسلحة ولن يستسلموا لسلطة الدعم السريع لمجرد الاستيلاء على مباني أمانة حكومة ومباني قيادة حامية وفرقة الجيش وستكون الفاشر مركزا للحرب الأهلية في دارفور ومنها ستنطلق إلى مدن الإقليم الأخرى ودول الجوار القريبة فولايات السودان .