تضارب وأضطرب في خطاب قائد الدعم السريع. (١)
بقلم : الصادق علي حسن
تضارب وأضطرب
في خطابه الأخير والمثير للجدل لم يحتفظ قائد الدعم السريع حميدتي بخيط معاوية مع الحكومة المصرية وأتهمها بالمشاركة في الحرب ضده بسلاح الطيران وأرجع تقدم الجيش الأخير وفي منطقة جبل موية للطيران المصري، كذلك تحدث عن مآخذه على الإتفاق الإطاري وعن اجتماع سابق تم عقده قبل الحرب بمنزل السفير السعودي بالخرطوم وكان ذلك بحضور مساعدة وزير الخارجية الأمريكية مولي في وقال أن كباشي أيد كل ما عرضه ياسر عرمان حول الاتفاق الإطاري في الإجتماع المذكور .وبغض النظر عما ذهب إليه حميدتي حول الدور المصري في الحرب والاتفاق الإطاري يعلم حميدتي تماما بدور دولة الإمارات في الحرب ومشاركتها المؤثرة،كما يعلم تماما بأن دولة الإمارات ليست لديها صلات ذات عمق إستراتيجي مع السودان فهي ليست دولة جارة تجمعها الحدود المشتركة مع السودان أو مصادر المياه الحيوية ، لذلك الحديث عن مشاركة هذه الدولة في الحرب أو تلك ليس له أي معنى وقد صارت البلاد ساحة مفتوحة للتدخل الخارجي وهو نفسه من أدواتها، ولكن ولطالما ظل حميدتي يعلن موقفه الرافض للحرب سابقا ويقول بأن الحرب فرضت عليه، ليس من الحكمة هذا التحول عن ذلك الموقف النظري ودعوة الموالين له وأنصاره وغالبيتهم من غرب السودان للاستنفار والحرب، فهذه الدعوة ستقود إلى توطين الحرب بمناطق غرب السودان أكثر من أي مناطق أخرى بالبلاد ، لقد أعلن حميدتي عن استعداده لتجنيد مليون جندي للقتال في حرب طويلة الأمد وليس في هذا الإتجاه سوى الركون إلى الخطاب الجهوي والعصبية في مواجهة ما أطلق عليه العصبية والجهوية التي يتخفى خلفها مسؤول حركة الإسلام السياسي علي كرتي مما يعني الحرب الأهلية الشاملة . لم ترد في خطاب حميدتي أي إشارة للديمقراطية وقد كان سابقا يتحدث عنها مرارا وتكرارا وتحول في خطابه الأخير ليتحدث ويستنفر الحواضن الإجتماعية في غرب البلاد في مواجهة الحواضن الإجتماعية في الشمال . كذلك حاول حميدتي إدانة غريمه البرهان ودمغه بإرتكاب مجزرة فض الإعتصام وقد كان يمكن أن تكون لأقواله عن فض الإعتصام قيمة لو أدلى بها قبل الحرب وليس الآن ، والآن هو وحليفه السابق وغريمه الحالي البرهان يتبادلان الاتهامات الجزافية في المعلوم بالضرورة للرأي العام بأنهما كانا معا (شريكان) في مسؤولية مجزرة فض الإعتصام وهنالك أيضا غير المعلوم من القضايا الأخرى المسكوت عنها حتى الآن .
المحرقة .
من المؤكد أن حميدتي يستطيع استنفار الآلاف من المقاتلين للإنضمام إلى صفوفه في الحرب وقد دلت الشواهد على ذلك ولن يبلغ العدد الذي ذكره في خطابه (مليون) ولكن من المؤكد قدرته على استنفار الآلاف من غرب السودان ومناطق أخرى من السودان والآلاف التي ستلبي دعوته ستحيل ما تبقى من خرب ودمار إلى جحيم، وحتى الآن لا يعرف ماهو المشروع الذي يطرحه حميدتي وهو يقول بأنه يحارب من أجل الديمقراطية وقد ناقض نفسه بنفسه في خطابه الأخير ، وهل الديمقراطية تحتاج لمليون مقاتل ، أوليس بإمكان المليون شخص الذين يمكن أن يستجيبوا لدعوته بحسب رؤيته احداث التغيير السياسي بالصوت الإنتخابي من دون حاجة إلى الحرب وبوسائل الديمقراطية التي يتحدث عنها.
ظاهرة الدعم السريع وهشاشة الدولة السودانية.
إن تكوين الدولة السودانية فيه هشاشة وأضحة وتكشف ظاهرة الدعم السريع مدى هشاشة تكوين الدولة، كذلك الحرب الدائرة حاليا تعتمد على وسيلتي الاستنفار والفزع وهما يقومان على دور القبيلة والجهة في الحرب ، لقد قام نظام الإنقاذ بهدم ركائز الدولة المدنية الحديثة في السودان واستدعى دور القبيلة، وقام بتكوين الدعم السريع لتوظيف دور القبيلة في مكافحة الحركات المسلحة والآن يوظف البرهان ومن خلفه حركة الإسلام السياسي التحالفات القبلية لمواجهة تحالف حميدتي وحلفاه ، ومثل هكذا حروب لن تتوقف وتستمر طويلا ولن يتكمن أي طرف من حسم الحرب لصالحه ، البرهان وحلفاه لن يتمكنوا من القضاء على الدعم السريع ولا تحالف الدعم السريع يمكنه القضاء عليهم وستحل بالبلاد المزيد من الخراب والدمار ، إن الدولة الآن بتحتاج إلى جهود حكمائها الذين يمكنهم اللحاق بما أمكن قبل فوات الأوان ، هنالك كيانات اعتبارية مثل أساتذة الجامعات كما هنالك رجال الدين المعتدلين وغيرهم ولكن الانتظار لن يفيد. المخضرمون من رموز الأحزاب بالضرورة أن يتحركوا، فالمجتمع نفسه قد تشظى ولا يوجد مستقبل لدولة بلا مجتمع متماسك ، أين هي برامج الأحزاب ولمن تعرض هذه البرامج، ومتى؟ وهل هنالك برامج سياسية حزبية ملهمة للجماهير أيا كانت مرجعيتها وعبارات بسيطة يطلقها حميدتي لمن أسماهم من أنصاره بالأشاوس (جاهزية/ سرعة / حسم -دولة ١٩٥٦م فلقنايات) كافية لتفعل فعلتها على الآلاف وتخرجهم للقتال كذلك علي كرتي من خلف البرهان يقود مجموعات إلى محرقة القتال وهو يحمل لافتة حركة الإسلام السياسي تحت غطاء معركة الكرامة ، وقد لا يختلف غطاء علي كرتي في شيء عن غطاء حميدتي من حيث الركون إلى القبلية والجهوية .
ثلاثون عاما ساد مشروع حركة الإسلام السياسي وكان كل حصيلته إنتاج القبلية والعرقية في الممارسة السياسية بالبلاد والخراب والدمار في أجهزة الدولة المدنية وأنتج ذلك المشروع من داخله الدعم السريع وهو مشروع جديد لحكم اسري بلا أهداف أو برامج حتى الآن. كما لن تتوقف الحرب قريبا، لن تعود الدولة السودانية كما كانت وستظهر تنظيمات جديدة، إن غالبية التنظيمات السياسية الحالية ستخرج من المشهد السياسي وستصبح في عداد الماضي وفي مقدمتها ظاهرة حركة الإسلام السياسي وكذلك ستفقد التنظيمات اليمينية واليسارية تأثيرها، وستشغل الفراغ تنظيمات جديدة تقوم على تحالفات الولاءات القبلية والجهوية وهكذا ستتحول إلى كانتونات .