من بوابة الصومال، تركيا توسع نفوذها الاقتصادي والعسكري في القرن الافريقي
ذو النون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف.
من بوابة الصومال
تقديم: أطلقت شركة البترول التركية المملوكة للدولة عملية للتنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل الصومالية. ومن المقرر أن تجري سفينة التنقيب التركية “الريس عروج”، مسوحات زلزالية خلال الأشهر المقبلة، ويقول مراقبون ان ذلك يمثل مرحلة جديدة في استراتيجية تركيا لتوسيع نطاق وصولها إلى الطاقة خارج منطقة البحر الأبيض المتوسط. وتعزيز نفوذها في القرن الافريقي وعلى بوابة خليج عدن. يشير مراقبون الى ان ارسال سفن التنقيب والفرقاطات العسكرية لحراستها، تأتي تنفيذا لاتفاق دفاعي مشترك وقع في فبراير الماضي ومدته عشر سنوات.
* لتركيا علاقات تجارية متطورة، وتقول البيانات انها قدمت اكثر من مليار دولار مساعدات بدون مقابل للصومال ويبلغ حجم التجارة حاليًا بين البلدين نحو 468 مليون دولار.
* في فبراير من هذا العام وقع وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور في انقرة مع نظيره التركي يشار غولر، على “اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي”، وفي 21 فبراير، أعلن وزير الإعلام الصومالي داود عويس أن ” الاتفاقية مع تركيا تمت الموافقة عليها بسرعة في الحكومة والبرلمان”.
وتتضمن الاتفاقية:
-تخطيط وتنفيذ العمليات الجوية والبرية والبحرية المشتركة، في حال الحاجة للدفاع.
-بناء السفن وإنشاء الموانئ والمرافق وتشغيلها، واتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة لذلك، وتوحيد قوانين الملاحة البحرية بين البلدين.
-اتخاذ تدابير أحادية ومشتركة لمكافحة جميع أنواع التهديدات في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة.
-تقديم الدعم التدريبي والتقني للجيش الصومالي. وإنشاء وإدارة منشآت أمنية ساحلية، وتطوير وتحديث القوة البحرية.
-بموجب الاتفاقية، ستعمل تركيا على حماية ما يقارب 3 آلاف كيلومتر من سواحل الصومال بواسطة سفن حربية وجنود أتراك، ولم يتضح من وثائق الاتفاقية ما إذا كانت الحماية ستشمل خليج عدن ومنطقة أرض الصومال، حيث سيتم تحديد الوضع بدقة إثر توقيع البروتوكولات الفرعية بعد الاتفاقية الإطارية.
•يلفت مراقبون ان الاتفاقيات التركية الصومالية وبعدها مع مصر تمت بعد أن وقعت إثيوبيا، جارة الصومال غير الساحلية، مذكرة تفاهم مع منطقة أرض الصومال الانفصالية التي تتخذ من هرجيسا عاصمة لها، في مقابل الوصول البحري وتطوير مرافق الموانئ في بربرة، وكشفت المصادر أن إثيوبيا وعدت بالاعتراف باستقلال أرض الصومال.
•يشير خبراء، إنه بغض النظر عن الجدوى التجارية للنفط والغاز قبالة القرن الأفريقي، فإن ذلك يظهر مدى جدية تركيا بشأن العلاقات مع الصومال، وتواجدها العسكري في خليج عدن ، وتستبعد المصادر التركية أن تغير جهود التنقيب والعلاقة المتطورة مع مقديشو علاقات تركيا مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، وخاصة إثيوبيا.
•أشار تقرير للحكومة الأمريكية إلى أن الصومال قد يمتلك أكثر من 30 مليار برميل من احتياطيات النفط والغاز، في مياهه الإقليمية. الامر الذي جدد الاهتمام بإمكانات النفط والغاز في المنطقة، ودفع شركة ليبرتي بتروليوم الأمريكية في شهر مارس 2024 لتوقيع ثلاث اتفاقيات في الكتل البحرية 131 و190 و206 ,لتقاسم الإنتاج مع الحكومة الفيدرالية الصومالية.
•تمنح اتفاقية الطاقة بين أنقرة ومقديشو تركيا الحق الحصري في التنقيب عن ثلاث كتل تبلغ مساحة كل منها حوالي 5000 كيلومتر مربع قبالة الساحل الصومالي وتطويرها. ووفقا لوزارة الطاقة التركية، فإن تطوير المساحات المتفق حولها “من شأنه أن يحل العجز في المنتجات البترولية للصومال”.
•يشير مراقبون ان نجاح تركيا في التنقيب عن الطاقة في الصومال ، يمكن ان يغير من طبيعة التحالفات ويعيد تشكيل الموازين في القرن الافريقي ، بل ويقلل من حجة الصراعات في القرن الافريقي وخاصة مع الجارة اثيوبيا ، ويفتح الباب لاعتمادها على المصدر القريب للنفط والغاز من الصومال.
تحليل:
تمثل واردات الطاقة أحد الأسباب الرئيسية لعجز الحسابات الجارية في تركيا، الذي وصل إلى 60 مليار دولار في منتصف عام 2023، لكنه انخفض إلى 30 مليار دولار في وقت سابق من هذا العام. في حين أن هذه الأرقام قد لا تبدو كبيرة في ضوء الناتج المحلي الإجمالي لتركيا البالغ 1.15 تريليون دولار لعام 2023، وفقا لمعهد الإحصاء التركي، فإن أزمة الاحتياطي الأجنبي طويلة الأمد وانخفاض قيمة الليرة التركية، التي تتعافى منها البلاد الآن، تعني أن كل دولار يتم توفيره يحدث فرقا.
وفي حال نجاح مجهودات تركيا في التنقيب عن النفط والغاز بالصومال، سيصبح الاقتصاد التركي في وضع أفضل بسبب ازدياد كتلة النقد الأجنبي وتعافي عملته المحلية، ويدلل على نجاح استراتيجيتها التعويضية من خلال الاستثمار في تنقيب النفط والغاز.
اكتشاف موارد الطاقة في الصومال قد يعقد العلاقات بين مقديشو وهرجيسا بسبب خارطة ثروة الصومال من النفط والغاز الطبيعي، ووقوع بعضها قبالة ساحل أرض الصومال مما قد يزيد التوترات ويفتح فصلا جديدا في المفاوضات بين الفاعلين اعتمادا على موقع الاحتياطيات المكتشفة.
أعمال التنقيب التي تقوم بها تركيا ووجود جزء من أسطولها الحربي في المياه الإقليمية الصومالية قد تعيق جهود توسطها في النزاع القائم بين الصومال وإثيوبيا بسبب أرض الصومال، وقد تضعها في مواجهة مع اثيوبيا وصراع مع دولة كينيا التي لديها نزاع حدودي بحري أيضا مع الصومال.
خلاصة:
تسعي تركيا لاستعادة دورها التاريخي في منطقة القرن الإفريقي عن طريق بناء شبكة من المصالح الاقتصادية المشتركة بين دول المنطقة، منطلقة من الصومال، كمدخل رئيسي نحو دول الإقليم، وفق منهج حيادي يجنبها التورط المباشر في صراعات المنطقة. يثير التنقيب مخاوف بين أصحاب المصلحة الإقليميين، بما في ذلك الدول المجاورة والقادة الإقليميين الصوماليين. ويخشى عدد من المراقبين من أن تؤدي هذه الخطوة إلى توتر الحدود البحرية وإشعال نزاعات على ملكية الموارد، ويغذي النزاع حول عمليات الاستحواذ على كتلة النفط بين الأطراف الصومالية، مما قد يزيد التوترات إلى المشهد السياسي المضطرب في القرن الأفريقي.