الجميل الفاضل يكتب عين علي الحرب . السلاحُ أوكسجينُ المُسلح
السلاحُ أوكسجينُ المُسلح
إن أُناسا ببلادنا، بات يفترسھم ھاجس الحرب في صحوھم ومنامھم، كلما حلق فوقھم سرب حمام، تحسسوا بنادقھم لصيدِ أحلامِ مَن يطلبون السلام.
لكن تطورا غريبا بدا وكأن جنونا إضافيا، قد أصاب صقور ھذه الحرب، دفعھم لمطاردة أي سرب حمام يغني للسلام أو يغرد به نافيا للحرب، حتي ولو علي أفنان عاصمة بلاد نائية، تموت من البرد حيتانھا.
علي أية حال أتصورُ أن البندقية آلة عجفاء صنعھا الإنسان لكي تشرب من دمه.. قبل أن يُوثِّقَ شاعرٌ لولعِ الإنسان بآلات الحرب قائلا منذ عھد بعيد: “كلما أنبت الزمانُ قناةً.. ركَّبَ المرءُ في القناةِ سِنانا”.
فالبندقية ليست مجرد آلة للقتل، بل إن من شأن هذه الآلة أو قل الآفة، الساحرة الشريرة، أن تُحنِّطَ العقول، وأن تحاصر القلوب، وأن تُجفّفَ المشاعر الإنسانية النبيلة، لتُحيلَ حاملھا في مُتلازمةٍ غريبة الي كائنٍ مُتوحشٍ، مُتعطشٍ للدماء، يَقطعُ الرؤوس، ويَبقرُ البِطونَ، ويأكل الأكباد والأحشاء، يجتاح القري الآمنة، يستبيح نساءھا، ويشرد أھلھا، ويصادر أملاكھا، لتصير أرضا محروقة.
أو ليأخذ الناس بمجرد شبھات، ليصبح الإنتماء لجھةً، أو لعرق، سبب يكفي لوضع أي مدينة، أو قرية، أو بادية، ضمن بنك أھداف القصف الجوي أو المدفعي، في إطار ما يعرف بسياسة عقاب “الحواضن”، أو بفرية أخري ھي “التعاون” الذي يبرر ھو كذلك قتلا خارج القانون، قتلا يكفي أن تستحقه، لو أنك مصنف ضمن قوي الثورة التي عصفت بعرش حكم “الإخوان” قبل نحو خمس سنوات، أو حتي لأن مُسلحا واحدا، رمي بك القدر في طريقه، تھيأ له فقط.. أنك غريب الوجه واليد واللسان، عن الوان، أو ثقافات، أو لھجات، أھل المكان، الذي ضبطت متلبسا بوجود خاطيء فيه.
المھم فمتي تَوھّمَ المُسلحُ أنه لا يَستمدُ قيمته، وقيمة وجوده، سوي من وِجودِ سلاح بيده.. تُصبحُ بالتالي حياة مثل ھذا المُسلحِ بِحدِ ذاتھا جحيما، يمتد بخطره الي من حوله، ومن ھم في محيطه.
فضلا عن أن ھذه الحرب قد أكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن إسلاميو السودان لا يرغبون، ولا يعترفون نهائيا بأي حل يمكن أن يفضي لسلام، وأن حمل السلاح قد أصبح هو بالنسبة لهم سبب وجودي.
إذ أن واقع الحرب قد فرض علي الإسلاميين، الخضوع لمعادلة شبيھة بالمعادلة الإسرائيلية، التي أوجزتھا “جولدا مائير” رئيسة حكومة دولة الكيان الصھيوني السابقة بوصف يقول:
“إذا القي العرب أسلحتھم اليوم، فلن يكون ھناك مزيدا من العنف، اما إذا القي اليھود أسلحتھم، فلن تبقي اسرائيل”.
وھكذا فلو أن الحرب وضعت اليوم أوزارھا دون نصر كامل للجيش، فإنھم يخشون الا يبقي ھنالك ما يسمي بتنظيم “الحركة الاسلامية” وواجھاته، وأذرعه الاخطبوطية، المتمددة في شعاب الدولة كلھا.
إنھا إذاً معادلة وجودية بمعني الكلمة، أضحي فيھا إستمرار الحرب بمثابة الأوكسجين، الذي تتنفس من خلاله ھذه الحركة الإخوانية، لتبقي حتي ولو علي بصيص أمل ضئيل في عودتھا للحكم، ومن ثّم للحياة كما تريد.