في خلفية التعديلات الوزارية المحدودة في السودان مؤشرات على تصاعد الخلافات الداخلية مع الإسلاميين والحركات المسلحة
ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
ملخص تقدير موقف
مؤشرات على تصاعد الخلافات
مقدمة: أجرى قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في الثالث من نوفمبر، تعديلاً وزارياً محدوداً بإنهاء تكليف اربعة وزراء وتعيين آخرين مكانهم، وطبقاً لتعميم صحفي صادر عن مجلس السيادة، إن القرارات جاءت بناء على توصيات مجلس الوزراء الانتقالي.
1- تكليف السفير علي يوسف بمنصب وزير الخارجية، مهني ، شغل عدة مناصب في الخارجية السودانية قبل الاحالة الى التقاعد.
2- تكليف خالد الأعيسر بمهام وزير الثقافة والإعلام، وهو إسلامي، من كردفان، داعم للجيش ومن أبرز المناصرين له، يمتهن الاعلام في العاصمة البريطانية.
3- تكليف عمر أحمد محمد علي بانفير بمهام وزير التجارة والتموين، من شرق السودان.
4- تكليف عمر بخيت محمد آدم وزير الشؤون الدينية والأوقاف، إسلامي, من شرق السودان.
تحليل:
– يأتي هذا التعديل بتكليف من قائد الجيش ليقطع الطريق على مطالبات وضغوط الحركات المسلحة الحليفة وجماعات الاسلاميين ورجال العهد السابق الذين باتوا في موقع القرار والفاعلية الميدانية في الحرب ضد الدعم السريع. فقد ظلوا طيلة العام المنصرم يطالبون بتشكيل حكومة جديدة تستوعب كل الفئات التي وقفت الى جانب الجيش في الحرب وبمليء الفراغ الدستوري والتنفيذي والتشريعي.
– القرار من شأنه ان يضع الفريق البرهان في مواجهة مباشرة مع الأطراف السياسية الحليفة له, ولكن الأخطر والاهم هم الحركات المسلحة القوية، جماعات مناوي وجبريل ابراهيم وعبدالله جنا، ولا يستبعد ان تثير خطوة البرهان أيضا خلافات داخل المؤسسة العسكرية ذاتها وذلك وفق المؤشرات التالية:
*مطالبات حركتي تحرير السودان – مناوي- والعدل والمساواة – جبريل إبراهيم – بتشكيل حكومة تضم كل القوى الحليفة، وبتسليح نوعي وموازنات جديدة لقواتهما التي تقاتل إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، فضلًا عن زيادة أنصبة الحركتين في السلطة، نائب رئيس المجلس السيادي ومنصب رئيس مجلس الوزراء، ووزرات سيادية أخرى، غير ان البرهان والمؤسسة العسكرية تمسكوا بقرارهم ان الحكومة الجديدة لن تشكل قبل وقف الحرب.
* دعوات الإسلاميين لتشكيل إطار سياسي جديد وتكوين جهاز تنفيذي وتشريعي يشرف على إدارة الصراع السياسي المسلح “حرب الكرامة” وخطوات للانتقال السياسي، تضع قوي الحرية والتغيير في مواجهة الجماهير في انتخابات قادمة، وشكوكهم المتنامية حول البرهان وتصوراته للحل السياسي من خلال ضمان وجوده في السلطة مقابل إبعادهم من الحياة السياسية.
* تحفظات الحركات المسلحة المعلنة حول تقليص صلاحيات وزرائهم التنفيذيين، الامر الذي دفعهم للتهديد بالعودة للحياد، أو مواصلة التصعيد السياسي.
* اتهامات مساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا لأعضاء في مجلس السيادة بتوفير حماية لقوات الدعم السريع وقوي الحرية والتغيير، وهو ما يكشف حجم الصراع داخل مجلس السيادة، ويمهد لخطوات مستقبلية.
* استقواء البرهان بجبهة الشرق من خلال نشره لقوات “الاورطة الشرقية” التابعة لمنظومات شرق السودان والتي جري تدريبها مؤخرا في الحدود الارترية السودانية تحت اشراف أسمرا وبورتسودان، إلى جانب زيادة تمثيل مكونات إقليم الشرق سياسيا في السلطة التنفيذية كمؤشر على احتمال استبدال حركات دارفور الطموحة.
خلاصة:
– التقدير بان علاقات أطراف السلطة في السودان وقوى الحرب باتت في أضعف حالاتها، على خلفية الصراع على السلطة والموقف من الحل السياسي, وهي تؤشر لارتفاع درجة المواجهة داخلها, وبعض التقديرات تحذر من أن يؤدي الصراع الداخلي إلى انقلاب عسكري ضد البرهان يقوم به الإسلاميون وبمشاركة من الحركات المسلحة تحت قيادة الفريق ياسر العطا, أو الاستمرار في حصار البرهان عبر جهاز الدولة المدني والعسكري لإفشال أي تقارب إقليمي له أو مع الرباعية الدولية, أو تفاهمات سياسية مع قوات الدعم السريع وتنسيقية القوي الديمقراطية المدنية– تقدم- , مع زيادة الضغط السياسي علي البرهان لتشكيل نظام سياسي جديد يعبر عن مصالحهم تحت ستار “حرب الكرامة”.
– ترى الحركات المسلحة، أن مطالبها بحصة من النظام السياسي مشروعة ومحقة وبموازنات جديدة للإنفاق على العديد من قواتهم وعدتها العسكرية، لأنهم ميدانيا يتقدمون الصفوف في المعارك الأساسية ضد الدعم السريع في ولايات شمال دارفور وسنار والخرطوم والقضارف.
– قرار البرهان جاء متماشيا مع تعهداته الدولية بعدم تشكيل حكومة مخافة من تكرار النموذج الليبي بعد تهديد قائد الدعم السريع حميدتي، بتشكيل حكومة موازية في حال تم ذلك، ليكتفي البرهان بإجراء تعديلات في وزارات غير مهمة.
– منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021, كلف البرهان شخصية هامشية لرئاسة حكومة انتقالية لكنه احتفظ لنفسه بالتعيينات، فالمكلفون الجدد من الوزراء يشغلون مناصبهم بصفة غير شرعية بحسب نصوص الوثيقة الدستورية, ولم تصدر من مجلس الوزراء، رغم انه غير شرعي بحكم الانقلاب، وهي مناصب قابلة للتبديل او السحب في أية لحظة، ويجعل المنصب وصاحبه محدود الصلاحية، الأمر الذي يساعد في تكريس السلطة في أيدي البرهان، الذي ييطبق السيطرة على الجهاز التنفيذي في ظل غياب حاضنة سياسية ترشح التنفيذيين أو رئيس مجلس وزراء فعلي يوصي بالتعيين.
– قرارات التعيين تأتي متزامنة مع زيارة معلنة للفريق البرهان إلى مصر للمشاركة في مؤتمر القاهرة الحضري، وهو يتزامن أيضا مع زيارة المبعوث الخاص الأمريكي توم بيرييلو، مما يرجح فرضية لقاء ثان محتمل على غرار ما حدث أثناء حضور البرهان لاجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة بنيويورك، ووفقا لتقارير داخلية، أنه قد جرى الاتفاق على خارطة عمل مشتركة. فالتقارب الأمريكي والقرارات الوزارية الأخيرة، ستؤثر على العلاقة بين البرهان وشركائه من الحركات المسلحة والإسلاميين وستزيد الخلافات داخل المؤسسة العسكرية.