الحرب تضاعف معاناة النازحات في السودان
بورتسودان – سلمى الشيخ سعد
يُعد النزوح القسري نتيجة النزاع في السودان من أسوأ أنواع المعاناة الإنسانية التي يواجهها المدنيون، خصوصاً النساء والأطفال.
وفي خضم العنف المستمر، يصبح الفرار من الموت الخيار الوحيد أمام كثيرين، فبينما يهربون من الموت، يجدون أنفسهم في مواجهة واقع مرير يفوق ما عاشوه في ماضيهم.
أرقام ومآس
أرقام مؤلمة ومعاناة مستمرة
وفقاً لما أوردته المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، فإن السودان يشهد نزوحاً داخلياً هائلًا حيث بلغ عدد النازحين داخلياً أكثر من 11 مليون شخص، إضافة إلى 3.1 مليون شخص عبروا الحدود إلى دول الجوار، هذا يعني أن أكثر من 14 مليون شخص في السودان يعيشون حالياً في ظروف بالغة الصعوبة والمخاطر.
أوضاع كارثية
من بين هذه القصص المأساوية، تبرز قصة مريم إبراهيم، التي نزحت مع أطفالها الأربعة من ولاية الخرطوم إلى مدينة ربك في ولاية النيل الأبيض بعد أن وجدوا أنفسهم محاصرين في نيران الحرب.
تقول مريم بصوت يعتصره الألم: “تركت وراءي كل شيء، ذكرياتي، بيتي، وكل ما بنيته طوال سنوات. كنا نعتقد أننا سنجد الأمان هنا، لكن الواقع كان مريراً، أعيش مع أطفالي في فصل دراسي قديم مع أسر أخرى، لا مصدر رزق لنا سوى الإعانات الغذائية القليلة التي بالكاد تُشبع جوعهم.”.
وكانت مريم تأمل في العودة إلى منزلها الذي دمرته الحرب، لكنها تدرك أن الأمل أصبح بعيد المنال في ظل الظروف القاسية التي يواجهونها، حيث تفتقر المدينة إلى فرص العمل، كما أن النازحين أصبحوا هدفاً للتنمر والتمييز من قبل المجتمع.
رحلات المعاناة
ولا تقتصر المعاناة على مريم، بل تمتد لتشمل نازحات أخريات من مناطق مختلفة في السودان.
نفيسة محمد، النازحة من ولاية غرب كردفان، تروي معاناتها قائلة: “قطعنا مسافات طويلة على الأقدام، بحثنا عن مأوى يحمي أطفالنا من حرارة الشمس، لم نجد سقفاً يأوينا ولا طعاماً يشبع جوعنا، كنا نبحث عن الطعام في أوراق الشجر، وكان الخوف يطاردنا من كل جانب، كل يوم كان يحمل معه خطر الموت أو الاعتداءات.”.
أصبح النزوح في السودان اليوم واقعاً يعيشه الملايين، حيث تفتقر معظم المناطق حتى التي لم تتأثر بشكل مباشر بالنزاع إلى الأمان، وتنتقل مشاعر الخوف من الحرب إلى نفوس الجميع، مما يجعل كل زاوية في البلاد تشعر بالتهديد.

آثار نفسية
اختصاصية الصحة النفسية، سلوى عبيد تقول إن “آثار النزوح على النساء والأطفال كارثية، فالنزوح يترك آثاراً عميقة على الصحة النفسية، بما في ذلك اضطرابات مثل القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD).
وتضيف : النازحون يشهدون أحداثًا مروعة مثل العنف وفقدان الأحبة، مما يؤدي إلى تدهور صحتهم النفسية، كما أن النساء والأطفال هم الأكثر تأثراً، حيث يعانون من القلق المستمر، واضطرابات سلوكية لدى الأطفال مثل العدوانية أو الانسحاب الاجتماعي.”.
وأشارت اختصاصية الصحة النفسية إلى أن “فقدان الهوية والانتماء من أبرز التحديات النفسية التي يواجهها النازحون، حيث يعانون من الإحساس بالعزلة وفقدان الثقة في المؤسسات الدولية بسبب شعورهم بالإهمال.
أزمات اقتصادية
إضافة إلى الآثار النفسية، فإن النزوح يؤثر بشكل بالغ على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للنازحين، فالأسر النازحة تعاني من ارتفاع مستويات الفقر والبطالة، ما يضاعف من الضغوط النفسية والاجتماعية على الأسر، كما أن التوتر الأسري يزداد بسبب الظروف القاسية، مما يؤدي إلى حدوث صراعات داخل الأسر، ويزيد من المعاناة.
كما يعد الأطفال الفئة الأكثر تضرراً، حيث يعانون من اضطرابات سلوكية تتراوح بين العدوانية والانطواء. كما أنهم يواجهون حرماناً تعليمياً، مما يعمق شعورهم بالضياع، ويزيد من مخاوفهم بشأن المستقبل. كما يعانون من آثار نفسية شديدة نتيجة التغيرات المفاجئة في حياتهم وظروفهم المعيشية.