عبدالوهاب الأنصاري يكتب : الذكرى 125 لإستشهاد خليفة المهدي عبدالله التعايشي أرشيفهم وتاريخنا .. !!
“مهما كانت نظرتنا للخليفة، فإننا لا نملك إلا أن نعجب بميتته الشجاعة”
“ونجت باشا”
للوثيقة قيمتها الفاصلة كمصدر تاريخي، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن الوثيقة التاريخية، حقيقة ناطقة بالحق، جازماً ويقيناً وهي ثابتة لا تتغير.
وثانياً؛ أن عنصر الزمن لا يؤثر فيما تحمله من مصّداقية حقيِّقة محتواها. وهي ليست رأي أو تحليل، بالضرورة قابل للاختلاف، أو إيغال الجدال، إنما هي معلومة داله وبينة وفق معايير قيمتها وإشتراطات موثُيقتها بعد مضاهاتها وفق أسس علم التوثيق.
عكس ذاكرة الإنسان المُعرّضة، لعوامل الزمن من حيث الضعف، والإضمحلال أو حتى النسيان، ثم هناك الأخطر الذي يهدد التاريخ في أقوال الناس، كمصدر، وهو التحيز وعدم الأمانة أو تعّرض مدونها، لمؤثرات غريزية وطبيعية، تجعله يهّون أو يستّحقر من شأن اعدائه أو مخالفيه في الرأي، ويرفع من شّأن نفسّه محاولاً تبرير اعماله. ويحبط اعمال الآخرين ضِيّزة مطففاً الكيل، وخاصةً في تقارير العمليات العسكرية، خصوصاً تلك التي تصف المعارك، في علم التاريخ العسكري، حال إنتهائها كما نرى اليوم، واقع معاش رؤية العين من خلال الحرب المسّتعرة في بلادنا من كتابات رغبوية، ستصبح يوماً ما هذه الحرب تاريخ، ولكن الغثاء سيجرفه سيل الحقيقة، ويذهب به جفاء. أما ما ينفع الناس فهو باقي.
فالكتابة التاريخية، تسندها عضداً المراجع الصلبة الصادقة القوية، خاصةً مع تطور أوعية حفظ المعلومة، وتقدم نُظم عملية ترتيبها ببلغرافياً، وحوسبة مادة الوثيقة حسب نوعها، وتصنيفها بتقنيات العصر الحديثة، حصراً وحفظاً وإسترجاعاً، بعد معالجتها ببلغرافياً بيسر لإسترجاعها بطرفة عين، او قبل ان يرتد إليك بصرك !.
قطعاً للتاريخ قيمته العظمى في حياتنا، فهو ليس روايةً ترّوى للتسلية، إنما أحداثه ملحميات ومواقف تورثنا الحكمة، وهانذا نحن نرى كيف اليوم، تُستّدعى كل خصومات التاريخ، لنكمل دورة إعادة التاريخ، مرات مرة كمأساة، وفي الثانية مهزلة كما نعيشها ويعيشها، شعبنا اليوم حاملاً بقجه مشرداً من دياره بلا هدى او إنارة مصباح ينير. تجدر الإشارة إلى أن التاريخ، جزء هام من علم الإعلام والصحافة، وهو عبارة عن اخبار عفى عليها الزمن. ولكن ينطبق عليها. شروط دقة قواعد الخبر، وحصحصت المصدر، وتمحيص كل شاردة وواردة فيه.
ملحمة إستشهاد خليفة المهدي “عبدالله بن السيد محمد “توشين التعايشي” في عرس الشهداء الألف .. !!
“مهما كانت نظرتنا للخليفة، فإننا لا نملك إلا أن نعجب بميتته الشجاعة”
“ونجت باشا”
قبل 125 عام وفي بلدة أم دبيكرات بشمال كردفان الغرة، و في يوم الجمعة الموافق 24 نوفمبر 1899 إستشهد خليفة المهدي “عبد الله بن السيد محمد ود تورشين” آول حاكم وطني للسودان الحر المستقل ومؤسس الدولة المهدية، وقائد جيشها الوطني، الذي قهر الاتراك والانجليز والمصريبن، ودخل الخرطوم فاتحاً ومحرراً في العام 1885بقيادة الإمام محمد احمد المهدي وخليفته عبدالله التعايشي، وكانت ولادة عاصمتها أمدرمان كانت البقعة ” تلك الأيام نداولها بين الناس” خاض ومن معه في المعركة الأخيرة الفاصلة في أم دبيكرات، ولم يبدلوا تبديلا وإستشهد بمعية رجال، صمدوا حتى آخر نفس. وسقط بعدها السودان المستقل، في وحل الاستعمار الثنائي التركي الانجليزي الحاكم في مصر بقيادة “كتشنر باشا” سردار الجيش المصري، وقائد حملة إعادة استعمار السودان، بعد هزيمة جيش المهدية في معركة أمدرمان الشهيرة، في “كرري” شمال مدينة أمدرمان عاصمة الدولة المهدية الوطنية، ” كان اسمها أمدرمان، كان اسمها السودان كان اسمها البقعة، كان اسمها الثورة” حيث التقى الجمعان وانتصر الجيش الغازي بقوة السلاح الناري، ولم يلن الأبطال، بل واجه رجال جيش المهدية بقيادة خليفة المهدي عبدالله التعايشي الجيش الغازي وقدموا الروح فداء “بالصمود العذب في كرري والموت الفدائي العظيم”. ما نكتبه ليس كلمات معلقة في الهواء، لكنها حقائق تاريخية مسنودة بوثائق مرجعية.
في تلك الملحمة البطولية، التي الهمت الشعراء والفنانين ونسجوا لنا ابداعهم شعراً ولحناً ومغنى، وقد خلدها الفنان الموسيقار الراحل المقيم، محمد وردي ورسم اللوحة بجمل موسيقية، وقعتها فرقته الموسيقية الحاذقة بنغمات ومقامات تخترق مسام الروح، شكلت وجداننا الوطني بموجات تلامس عصبنا الحي، وغنى لها وردي كما غنى الخليل لعزة، “كما غنت مهيرة للجسارة تلهب الفرسان، جيلاً بعد جيل، ولحريق المك في قلب الدخيل وللمهدي ولغبدالقادر الحبوب للقرشي”
وفي تلك الأغنية الوطنية النادرة. والتي أعتقد أنها أخفيت بفعل فاعل، لدرجة أن الكثيرين حتى من جيل الستينيات، والسبعينيات. لا يعرفون عنها شيء إلا من رحم ربي.
فكرري راياتنا، وقامتنا، وهامتنا، وعزتنا، ومجدنا، وهوانا، وهويتنا، وتاريخنا، وعمرنا الباقي كان متنا ومامتنا، فكيف يكون ذلك ونجحد حق قائدها؟ ونفّصم فنحتفي بها “الرجال ماتوا في كرري” ونتنكر لقائدها وهؤلاء الرجال من هم؟.
“اشهدوا شهداء
كرري
يا أساس الوطنية
يا مَن كافحتم وناضلتم
أحفادكم نالوا الحرية حرية
أول يناير يوم أمجاد
في دارنا نِحَن بقينا اسياد
لا دخيل ولا أصفاد
الكُل بيغنى اليوم أعياد”
وهنالك اغنية وطنيه أخرى اليوم نرفع راية استقلالنا نحفظها عن ظهر قلب وهي اغنية الاستقلال
“كرري تُحدِّثُ عن رجالٍ كالأسود الضارية
خاضوا اللهيب وشتتوا كُتل الغُزاةِ الباغية
ما لان فرسانٌ لنا، بل فرَّ شمل الطاغية”
■نهاية المطاف موضوعنا الاستشهاد “عرس الفداء”
■ معركة ام دبيكرات خاتمة المطاف .. الاستشهاد العُّرس 1000 شهيد على راسهم خليفة المهدي عبدالله التعايشي
■ ارشيفهم وتاريخنا ..!!
نترك “ونجت” باشا قائد حملة القضاء على خليفة المهدي يصّف المشهد .”والفضل سطره الأعداء”
■ ونجت باشا قائد الحملة، يصف المشهد ويدون بخط يده تقرير رسمي بالحدث، زافاً البشرى للخرطوم، نبأ إستشهاد خليفة المهدي عبدالله بن السيد محمد تورشين التعايشي، “والفضل ما شهد به الأعداء”
“Seeing his followers retiri he made an ineffectual attempt to rally them, but recogno t the day was lost he had called on his Emirs to dismount from their horses, ating himself on his “Furwa” or sheep-skin, as is the custom of Arab chiefs who disda mender, he had placed Khalifa Ali Wad Hilu on his right arm, Ahmed fedil on his left w temaining Emirs seated themselves round him, with their bodyguard in line some ces to their death. They were given afitting burial under our supervision by the surv mber of their own tribesmen.”
______
6143/Col. Wingate Report to the Sirdar – 25th Nov. 1899WO/32
Public Records Office Chancery Lane, London
—————————-
ترجمة نص تقرير ونجت باشا قائد حملة القضاء على خليفة المهدي “عبدالله بن السيد محمد تورشين – التعايشي” و سردار الجيش المصري، وحاكم عام السودان لاحقاً. من قبل مؤلف “كتاب كرري تحليل عسكري “لمعركة أمدرمان” الرائد – أ.ح” عصمت حسن زلفو.
————–
“وعندما احسَّ أنه فقد اليوم، أمر أمراءه بالترجل من جيادهم، وأجلس نفسه على فروته، كعادة زعماء العرب الذين لا يقبلون الاستسلام، وأجلس أحمد فضيل عن يساره، والخليفة علي ود حلو في يمنه، وجلس بقية الأمراء حوله بينما إصطف حرسه الخاص على بعد عشرين خطوة أمامه. وفي ذلك المكان، وبثبات وبدون أن ترمش أعينهم ، واجهوا الموت وقام أفراد عشيرتهم بدفنهم دفناً يليق بمكانتهم تحت اشرافنا”.
وواصل الرائد أ.ح عصمت حسن زلفو رسم لوحة ذلك اليوم المهيب في موسعته الضخمة “كرري تحليل عسكري لمعركة أمدرمان” وحبره السيال يفيض مصداقية وثقة، وقلمه الكميرا مصوراً بإحترافية حاذق الحدث، وبأسلوب شيق ينساب كنعنة الماء، مكتمل بالنبل والفراسة، معبق بصبر باحثة في مختبر وانسان المبدعة “غادة السمان” ذلك النادر يتكلم فيقول: فارضاً لحظة “صمتٍ إجباري”..!!
“في الساعة الخامسة واربعين دقيقة في يوم 24 نوفمبر 1899. ومع الخفقات الأخيرة لانفاس خليفة المهدي عبدالله بن السيد محمد تورشين ” التعايشي” تلاشى نهائياً ورسمياً آخر مظهر من مظاهر السودان المستقل. وتمت التصفية النهائية للثورة المهدية، وانطوت بذلك صفحة مضيئة من تاريخ الإنسانية، يقف العقل والقلم أمامها عاجزين، عن تصوير وحصر الآفاق العريضة والآلام والآمال التي فجرتها”
مضيفاً:”وبينما كان ضوء شمس ذلك اليوم يزداد لحظة وأخرى، بدأ نجم دولة الأمجاد في الأفول تاركاً الأفق لعهد آخر.
وتجمعت كل تلك السنوات التي كانت دائماً حبلى بالنار والنور. وبالأمجاد والجراح في لمحة كطرف عين. أو كوهجٍ أعشى الأبصار ثم أختفى، وفي تلك البقعة الصغيرة من الأرض، تجمعت أجساد رجال مثَّلوا نهاية صف طويل من الأبطال الذين سقطوا بعد أن صنعوا دولتهم، وضعوها في القلوب اولاً، ثم بنوها على أسنة الرماح.
● سقط من جنود خليفة المهدي عبدالله التعايشي 1,000 مقاتل بين شهيد وجريح، وأثر 3,150 مقاتل و 6,250 من النساء و الأطفال.
● إستشهد عدا خليفة المهدي عبدالله التعايشي
1- الخليفة علي ود حلو
2- الأمير أحمد فضيل
3- الأمير بشير عجب الفيا
4- الأمير حامد علي
5- الصديق بن المهدي
6 – الأمير هارون محمد شقيق الخليفة.
● ولولا التعصب والتعنصر القبلي والجهوي، وإدعاء دماء الشرافة والعُلي وهماً، ولو كانت الحقوق مُصانة، في بلدنا لكنا نجحنا في صناعة مشروع وطني متفق عليه، وكتبنا دستور يُبين لنا سواء السبيل وحفظنا حقوق الأبطال.
ولو أعطيَّ كل ذي حقٍ حقه إنصافاً، لنُصّب خليفة المهدي عبدالله التعايشي بطل قومياً وأيقونة فداء؛ ورفعت له القبعات، فإستشهد أمام جيش غازي، في بطولة شهد بها الاعداء. وصدق القول “عدوٌ عاقل، خيراً من صديقٌ جاهل”
ولو أن الإختلاف السياسي، والأخطاء السياسية فارقة، وهي وليست مبررة بأي حالٍ من الأحوال. ولكنها حتمية وعلم التوثيق والتاريخ راصد لها، وتتم محاكمتها أدبياً وفق ظرفها الزماني والمكاني، بداهةً حتمية لا تقبل الجدال، ولا اعتقد أنها مهما كانت تبرر أن تكون في معسكر الاجنبي المستعمر نصير إذن ماهي الخيانة، والعمالة، والارتزاق بكل مقايس المصطلحات؟.
● الحساب ولد وبنت، مَّن مِِّن مّّن حكم السودان من الحكام الوطنيين في تاريخه الحديث، واجه مستعمر ودفع الروح فداء؟
ومن منهم لم يرتكب، جرائم ترتقي لجرائم الحرب والقتل …الخ من؟
مَّن مِن هؤلاء مثلاً، لم يأتي حاكماً في جنح الليل، عبر البوت والنبوت، وفوهة البندقية، حاكماً وفعل ما فعل؟ هل للجهة ميزة أم القبيلة؟
▪︎ الفريق إبراهيم عبود نوفمبر 1958 – أكتوبر 1964 جرائم حرب الجنوب، واعدامات مجموعة ضباط إنقلاب علي حامد وقتل شهداء أكتوبر 64 وعلى رأسهم القرشي بعد إقتحام جامعة الخرطوم، وشرد وسجن المئات وخُلع من الحكم بثورة أكتوبر الشعبية 1964.
▪︎ المشير جعفر نميري مايو 1969 – مارس/ أبريل 1985
قتل العشرات في إحتجاجات الانصار، في مسجد ودنوباوي، بالرصاص الحي والدبابات وبالطائرات المقاتلة. قتل المئات، في الجزيرة أبا مستعيناً بسلاح الطيران المصري.
وإعدم حتى رفاقه وزملائه واصدقائه في مجموعة ضباط انقلاب هاشم العطا في حركة 19 يوليو 1971 التي شملت عشرات الضباط، منهم المقدم باباكر النور، والرائد فاروق عثمان حمد الله، ورفاقهم واعدم كذلك حتى المدنيين في محاكم عسكرية مسخرة “مجازر الشجرة” على رأسهم المفكر عبدالخالق محجوب، سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني، والنقابي العمالي الشفيع أحمد الشخ، والحقوقي الجنوبي جوزيف قرنق. وأعتقل المئات من كوادر الشيوعيين وشرد الآلاف من وظائفهم أو سجنوا، حتى لقب “بالسفاح نميري”.
ثم إعدم الأستاذ المفكر الإسلامي والمجدد الفذ محمود محمد طه في أخريات أيامه، عندما ادعى إمامة المسلمين.
وإنتهت فترة حكمه الظالمة المظلمة مخلوعاً بثورة 6 أبريل 1985 الشعبية
● اما المشير المخلوع عمر البشير يونيو 1989 – ديسمبر 2018 الهارب من سجن كوبر، والمطلوب القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية، فقد فاق الكبار والقبلو، في الاجرام فهو قتل 28 ضابط في رمضان منهم أصدقائه وزملائه مفتتحاً عهده بشلالات الدماء، وسرق ونهب وسحق، وإغتصب وشرد الآلاف حتى بلغت شهرته الآفاق، وتحدثت عنه المدائن العالمية، في الجرائم والانتهاكات ” أكسح أمسح قشو ما تيجبوا حي اُكلو نيي ما يجي حي” حتى لا يكون عبيء إداري” هكذا كان شعار أحد ولاته. حتى بات مطلوب عالمياً بأم جرائم الدنيا التطهير العرقي والإبادة الجماعية، واعترف بنفسه بقتل 10 الف نفس “فقط في دارفور”. والله يقول “من قتل نفساً كأنما قتل الناس جميعاً” وخُلع من الحكم ونزع بثورة شعبية بدأت في ديسمبر 2018 ومستمرة حتى الآن.
● أما البرهان 2018 – جرائم ممتدة (….)!!؟
قاتل الثوار في مجزرة القيادة، ونائبه الفريق الكباشي شانتو “شاهد إثبات” بلسانه صورة وصوت، بكليك في النت و”حدث ما حدث” بعد ما خططتوا، ورتبتوا، وورطوا حتى رئيس القضاء، والنائب العام حينها كانا معاكم للاستشار القانونية .. ؟!! بالاشتراك الجنائي و”حدث ما حدث” والعداد رامي والحساب بتحسب.
زد على ذلك البرهان طبعاً، دخل بأسكور “رب الفور” يُحي ويُميت “نمرود” زمانه؛ وكل ثانية تمر رامية رصيد سواء بجيشه، أو من خرج من رحمه، قوات الدعم السريع فهو مسؤول عنها في الدنيا، كمسؤولية تقصيرية وفق “التابع والمتبوع” في القانون الوضعي؛ وفي الدين والشريعة بالتأصيل “الإمام راعي” وهو مسؤول عن رعيته، أو أليس في دولة ترفع فيها المصاحف على اسنة الرماح؟ وتكبر الله كشعار سياسي فمن تمرد عليك مسؤوليتك أنت.
مالكم كيف تحكمون؟؟
من كان منكم بلا خطيئة فاليرمي خليفة المهدي بحجر