افتتاح سد النهضة وردود الفعل المصرية – السودانية
تقدير موقف: ذو النون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقديم: أعلنت إثيوبيا رسميًا افتتاح سد النهضة، ما يعني انتهاء مرحلة البناء والبدء الفعلي في تشغيل السد بكامل قدراته، بما في ذلك التخزين والتوليد الكهربائي. يأتي ذلك رغم التحفظات والاعتراضات المتكررة من مصر والسودان بشأن آثار السد على أمنهما المائي، ووسط تعثر مستمر للمفاوضات الثلاثية. وصفت القاهرة والخرطوم الخطوة بأنها تصعيد أحادي يهدد أمن دول المصب المائي ويتعارض مع قواعد القانون الدولي. وعلى إثر ذلك، شرعت العاصمتان في سلسلة اجتماعات وتحركات دبلوماسية مكثفة للتعامل مع تداعيات افتتاح وتشغيل السد بشكل منفرد.
– سلم السفير المصري بالسودان هاني صلاح، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يوم الثلاثاء 3 سبتمبر، رسالة خطية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتعلق بمسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تقويتها في كافة المجالات، ودعوة رسمية للمشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر. وأوضح السفير المصري أن اللقاء تناول أيضا، بحث سبل التنسيق المشترك بين البلدين في ملف مياه النيل.
– التقى وزير الخارجية السوداني عمر صديق بنظيره المصري بدر عبد العاطي في القاهرة يوم الأربعاء 3 سبتمبر، تركز على بحث سبل واجهة تطورات سد النهضة الإثيوبي.
– أجرى وزير الزراعة والري السوداني عصمت قريشي ووزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم مناقشات، بحضور وزيري الخارجية أيضًا، في إطار الآلية التشاورية 2+2 بين القاهرة والخرطوم. وفي بيان مشترك، أكد البلدان رفضهما التام لأي إجراءات أحادية الجانب في حوض النيل الشرقي، واعتبرا أن تشغيل إثيوبيا من جانب واحد للسد ينتهك القانون الدولي ويحمل تداعيات خطيرة. كما رفضا أي جهود لإشراك بقية دول الحوض في الأزمة.
خلفية:
• الخلاف حول حقوق مياه النيل بين دول المنبع والمصب ليس جديدًا، إذ تعود جذوره إلى اتفاقية مياه النيل لعام 1959 التي منحت مصر والسودان سيطرة شبه كاملة على النيل. تصاعد النزاع بعد شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة عام 2011 معتمدة على مساهمتها بأكثر من 85% من النيل الأزرق، معتبرة المشروع ضرورة، وطنية، وإقليمية للتنمية، والطاقة.
• في عام 2015، وقعت مصر والسودان وإثيوبيا إعلان مبادئ اعترفت فيه بحقوق إثيوبيا، لكن أديس أبابا استغلت غموضه لتبرير البناء. وفي ديسمبر 2023، أعلنت مصر انهيار المفاوضات بعد أكثر من 13 عامًا من المحاولات للتوصل إلى اتفاق ملزم. وفي يوليو 2025، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اكتمال السد وتحديد سبتمبر موعدًا لافتتاحه
المطالب المصرية والسودانية:
– المطالب المصرية: اتفاق قانوني ملزم يحدد قواعد الملء والتشغيل، ضمان حد أدنى من التدفقات السنوية، آلية لتبادل البيانات في الوقت الفعلي خاصة في فترات الجفاف والطوارئ، وآلية فعّالة لفض النزاعات.
– المطالب السودانية: تنسيق فني يومي لتشغيل السد لحماية سدوده، نظام تبادل معلومات مستمر، اتفاق قانوني ملزم يمنع القرارات الأحادية، إشراكه في آليات المتابعة لضمان الشفافية وتقليل المخاطر.
التقديرات:
السيناريو الأرجح: استمرار الوضع الراهن مع تشغيل إثيوبيا للسد منفردة، مقابل تكثيف التحركات الدبلوماسية المصرية – السودانية. ويظل احتمال اتفاق مرحلي بشأن تبادل البيانات والتنسيق الفني مع السودان بحكم الضرورات العملية، فيما يستمر التصعيد الدبلوماسي والقانوني عبر مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية والمنظمات الإقليمية الافريقية. فيما تستبعد التقديرات المختلفة تصعيدا عسكريا كبيرا لكنه يظل قائمًا كخيار احتياطي. وثمة عدد من المؤشرات المتناقضة التي تعقد استبعادا حاسما لهذا الحل:
• تصريحات مصرية سابقة تعتبر المياه “قضية حياة أو موت”.
• وجود تدريبات عسكرية مصرية – سودانية سابقة بعنوان “حماة النيل”.
• الغموض حول خيارات مصر السرّية تجاه السد.
المالات المحتملة في هذا الصدد:
• ضربة انتقائية تستهدف جزءًا من السد (غير مرجحة حاليًا بسبب التكلفة الإقليمية والدولية).
• أو، عمليات سيبرانية أو لوجستية تؤثر على تشغيل السد دون إعلان مسؤولية.
الخلاصة:
**أزمة سد النهضة تتجه نحو مزيد من الجمود مع احتمالات محدودة لاتفاق مؤقت، فيما يظل الحل النهائي مرهونًا بقدرة الأطراف على تجاوز سياسة الأمر الواقع الإثيوبية.
** الاجتماعات الوزارية السودانية–المصرية ليست مجرد بروتوكول، بل تمثل أداة لتوحيد المواقف وتكثيف الضغط الدبلوماسي والفني على إثيوبيا، وتعكس إدراك البلدين أن التحدي المائي يتطلب تحالفًا استراتيجيًا مشتركًا يحافظ على مصالحهما ويعزز قضيتهما دوليًا.
**من المرجّح أن تتجنب مصر المواجهة العسكرية في هذه المرحلة، مع استمرارها في الضغط الدبلوماسي والسياسي المكثف. فالخيار العسكري يبقى مطروحًا نظريًا، في المدى القريب ما لم تحدث أزمة مائية حادة ومفاجئة.
**الافتتاح الرسمي للسد دون اتفاق يُمثّل تثبيتًا للأمر الواقع، وهو ما يشكل خطرًا استراتيجيًا على مصر على المدى المتوسط والطويل.