الإثنين, أكتوبر 13, 2025
الرئيسيةمقالاتالإعلام الكيزاني… ماكينة الأكاذيب التي حاربت الثورة ورمزها من الاعتصام إلى الـحرب

الإعلام الكيزاني… ماكينة الأكاذيب التي حاربت الثورة ورمزها من الاعتصام إلى الـحرب

الإعلام الكيزاني… ماكينة الأكاذيب التي حاربت الثورة ورمزها من الاعتصام إلى الـحرب

مؤيّد الأمين
الثورة كجبهة إعلامية بقدر ما كانت جبهة ميدانية
سقوط نظام الرئيس عمر البشير في أبريل 2019 نقل الصراع السياسي في السودان إلى فضاءات جديدة: لم تعد المواجهة محصورة في الشوارع وحدها، بل امتدت إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. فقد ترافق الفعل السياسي بالردّ الإعلامي المضادّ، حيث ظهرت موجات منظَّمة من الادعاءات والشائعات التي هدفت إلى تقويض شرعية الحراك المدني وإضعاف ثقة الجمهور بالمؤسسات المدنية الجديدة، وفي حالاتٍ عديدة استُخدمت هذه الحملات لتبسيط وتعطيل مطالب الثورة.
(خلفية العنف والفضّ في يونيو 2019 شكّلت أرضية أساسية لمدّ هذه الحملات).
تشويه الاعتصام: استراتيجية تحويل وجه الثورة إلى “أخلاقٍ مرفوضة”
في ذروة الاعتصام أمام القيادة العامة خرجت روايات تشويهية تُردّدها حسابات وصفحات إلكترونية متعددة: روايات تصوّر الاعتصام كمكانٍ “مُفسد” أو مرتعٍ للفوضى والممارسات المرفوضة أخلاقياً — بيانات غالبها لم تُدعَم بأدلة موثوقة، بل انتشرت كأخبار قصيرة ومقاطع مُقتطعة. الهدف من هذه الحملات لم يكن إثبات خطأٍ اجتماعي بقدر ما كان الإضرار بصورة الثورة أمام قطاعات مجتمعية محافظة، وإضعاف التعاطف الشعبي معها.
(الحقائق الميدانية والتقارير الحقوقية تُثبت أن الاعتصام ضم أسرًا، ونشطاء، ومهنيين، ومتطوعين سلميين، وأنّ الفضّ تعرّض لهجومٍ أمنيّ دامٍ).
“قحاتة باعوا دم الشهداء”: كيف تحوّل العزاء إلى اتهامٍ سياسي؟
عبارة “باعوا دم الشهداء” انتشرت لاحقًا في دوائر إعلامية واجتماعية مختلفة كقناعٍ للاتهام السياسي؛ صيغت لتصوير بعض القيادات المدنية أو التنازلات السياسية بأنها “خيانة” لمطالب الشارع. هذه العبارة عُرفت أكثر كأداة خطابية للتأليب الاجتماعي، ولا تُعدُّ وثيقة إثبات لوقائع فعلية ضدّ أشخاصٍ بعينهم. وتشير تقارير محقّقة في بيئة التضليل إلى أن حملات التضليل الرقمي كانت عاملاً مساعدًا في خلق أرضية قبولٍ للروايات المناهضة للحكم المدني.
استهداف الوجوه التنفيذية: تشويه وزراء ومسارات الإصلاح
طوال فترة الحكومة الانتقالية ظهرت حملات تضليلية انتقائية تستهدف وزراء ومسؤولين مدنيين، وخصوصًا كل من قاد إصلاحات واضحة في قطاعات حساسة (الصحة، التعليم، المؤسسات). من الأمثلة المؤكدة وجود وزراء تنفيذيين شغلوا مناصب واضحة (مثل وزير الصحة والوزير المكلّف بالتعليم في المرحلة الانتقالية)، وقد تعرّض بعضهم لحملات تشويه عبر مزاعم تُنسب إلى مصادر إلكترونية أو خطب دعوية، لكن لا توجد دلائل موثّقة على أن اتهامات أخلاقية جسيمة (بصيغة “دعم ثقافات غريبة” أو “تحويل مؤسسات دينية”) كانت صحيحة؛ بل كانت في الغالب منشورات غير موثّقة أو مقاطع مفصّلة خارجة عن سياقها.
(سجلات التعيين والحديث العام عن عمل الوزارات موثّقة في المصادر الحكومية والإعلامية).
التضليل كمدخل إلى الشرخ السياسي: 2021 كنقطة تحوّل
تحليلات محايدة لبيئة الإعلام في السودان تُبيّن أن حملات التضليل الرقمي وسوء المعلومات خلقت مناخًا مناسبًا لتأجيج الشروخ السياسية، واستُخدمت كمكمّل لتبرير إجراءات عسكرية وسياسية لاحقة. تقارير شبكات التحقّق السودانية وتحليلات خبراء الإعلام ربطت بين موجات التضليل والصورة العامة التي سادت قبل انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، رغم أن السياق السياسي كان أكثر تعقيدًا من أن يُختزل فحسب في عاملٍ إعلامي واحد.
الـحرب (2023–2025): الفضاء الإعلامي يتحوّل إلى ساحةٍ تحريضية
مع اندلاع الـ ح.رب بين الفصائل المسلحة في أبريل 2023، تكثّفت عمليات التلاعب بالمعلومات: ازدادت الحسابات الوهمية، وتكررت عمليات اقتطاع الكلام وتحويله إلى عناصر استفزازية، كما تزايدت الدعوات التكفيرية والتحريضية عبر منابر مختلفة. يشير التحليل المستقل إلى أن كل طرف استغلّ الفضاء الرقمي لصياغة سرديته، ما زاد من ضبابية الحقيقة وأضاع مساحة النقاش الموضوعي حول الحلول وإنقاذ المدنيين.
لماذا نجحت الشائعات؟ آليات مختصرة
إخراج السياق: اقتطاع تسجيلٍ أو كلامٍ وإعادته كمقطعٍ مُستقلّ.
1- الاستفادة من الفراغ المعلوماتي: غياب ردٍّ رسمي أو تحقيقٍ سريع يترك مجالاً للخبر البديل.
2- الربط العاطفي: استثمار رموز قوية (الشهادة، الدين، الأخلاق) لتوليد ردود فعلٍ سريعة.
3- شبكات إعادة النشر: حسابات متزامنة تضخُّ المحتوى وتمنحه وهماً بالانتشار الشعبي. (تحاليل متعددة وثّقت عمل هذه الشبكات).
خاتمة: توثيق الحقائق قبل الادعاء
قوّة الثورة كانت في شفافيتها ووجودها الشعبي؛ وقوّة الخصوم كانت في قدرتهم على تحويل الشك إلى أداةٍ سياسية. إنّ صياغة خطابٍ عامٍّ يُعيد تأكيد مبادئ التمحيص والتحقّق، وينبذ الاغت.يال المعنوي عبر الشائعات، هي خطوة أساسية لاستعادة ثقة المجتمع بالمشروع المدني.
المطلوب اليوم ليس إنكار وجود خلافات أو أخطاء، بل تشكيل آليات تحقيقٍ سريعة وشفافة، ورفع قدرة المجتمع على التحقّق من الأخبار قبل إعادة نشرها.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات