د. التوم حاج الصافي زين العابدين .خبير علاقات دولية.نيويورك.
عطفا على مقال سابق ومن خلال متابعة مسيرة الرجل منذ ظهوره الأول ومن وجهة نظري المتواضعة أرى ان البرهان عقابا وأحدا من أوجه نكد الدنيا على السودانيين في ان يظهر في حياتهم طيلة هذه السنوات وحتى اليوم شخص مثل البرهان فهو قطعا عقاب رباني من ذات طينة المخلوع المجرم البشير
فعبد الفتاح البرهان ليس رجل دولة أخطأ التقدير، بل كاذب سلطة محترف، ومقاول خراب سياسي لا يرى في السودان سوى مساحة مفتوحة للمقامرة. منذ انقلاب 25 أكتوبر وهو يتحرك بلا بوصلة سوى البقاء في الحكم، يكذب ثم يكذب، يوقّع ثم ينقض، يَعِد ثم يتراجع، دون أن يرمش له جفن. لم يكن الانقلاب “تصحيح مسار”، بل كان اغتيالاً متعمداً للانتقال المدني، وفتحاً لباب الفوضى الذي ما زال يحاول إغلاقه بخطابات جوفاء بعدما خرج كل شيء عن السيطرة.
البرهان لم يُفاجأ بالحرب، بل صنع شروطها بيديه. هو من سلّم مفاصل الاقتصاد والسلاح للدعم السريع، وهو من شاهد تمدد عشرات المليشيات في الذهب والحدود والمرتزقة وصمت، لأنه كان يحتاجها لتوازناته القذرة مع المدنيين. وحين انفجر الصراع في 15 أبريل، لم يتحول فجأة إلى قائد وطني، بل حاول إعادة كتابة تاريخه، متناسياً أنه كان شريكاً أصيلاً في صناعة هذا الوحش. الحرب بالنسبة له ليست معركة دولة، بل ورقة تفاوض، والدمار ليس مأساة وطنية بل تكلفة مقبولة طالما أن الكرسي لا يزال قريباً.
لهذا، لا يوجد ما يمنع البرهان – سياسياً وأخلاقياً – من القبول بعودة الدعم السريع نفسه إذا ضمن له الحكم. الرجل لا يعرف معنى العداوة المبدئية ولا التحالف المبدئي، يعرف فقط موازين القوة. من جلس مع حميدتي، ووقّع معه، وحماه، يمكنه أن يعود ويصافحه من جديد دون أي خجل، طالما أن الصفقة تضمن بقاءه. كل خطاباته عن الكرامة والسيادة تسقط أمام حقيقة واحدة: البرهان مستعد لبيع أي شيء مقابل السلطة.
القوى المدنية فهمت ذلك مبكراً، ولذلك لفظته بلا تردد. بالنسبة لها، البرهان ليس شريكاً ولا وسيطاً ولا حتى خطأ يمكن تجاوزه، بل هو أصل الأزمة. رجل كسر الوثيقة الدستورية، وأدار ظهره للانتقال، وفتح الباب للحرب، ثم حاول لعب دور الضحية. لا أحد يعيره اليوم أدنى اهتمام، لأنه فقد أي صدقية سياسية، وصار مجرد جنرال يصرخ في فراغ.
أما الإسلاميون، الذين أعادهم إلى المشهد حين ضاق به الخناق، فلا يثقون فيه ولن يثقوا. استخدموه كما يستخدمون أي واجهة عسكرية، وسيرمونه عند أول منعطف. هم يعرفون أنه بلا ولاء، وهو يعرف أنهم بلا رحمة. علاقة قائمة على الغدر المؤجل، ونهايتها محسومة سلفاً. كل ما فعله لهم لن يشفع له، لأنهم يرون فيه ما يراه الجميع: رجل مستعد أن يبيع أقرب الناس إليه إذا وقفوا في طريق طموحه.
البرهان اليوم حاكم لا يُحسد عليه، لا لأن خصومه كُثر، بل لأنه وحيد تماماً. بلا شارع، بلا حاضنة، بلا مشروع، وبلا مستقبل. لا يملك سوى السلاح والخطاب الكاذب والبحث اليائس عن صفقة جديدة. وهذه هي أخطر لحظة يمكن أن يكون، فيها بلدٌ ما: حين تُمسك السلطة بيد رجل فارغ من القناعة، لا يؤمن بالدولة ولا يخجل من الكذب ولا يتردد في المقامرة بمصير الملايين.
هذا ليس قائداً تُخاض معه المعارك، ولا حاكماً يُراهن عليه، بل خطأ تاريخي مستمر. استمرار البرهان لا يعني استقراراً ولا نصراً، بل مزيداً من الدم والدمار والصفقات القذرة التي تُسوّق دائماً باسم “الضرورة”. وفي النهاية، لن يسقط وحده، بل سيحاول أن يجر السودان كله معه، لأن هذا هو منطق من لم يعرف في حياته سوى الكرسي.

