الأربعاء, ديسمبر 24, 2025
الرئيسيةمقالاتالبرهان… الواجهة المثالية للخراب (4_4)

البرهان… الواجهة المثالية للخراب (4_4)

د التوم حاج الصافي زين العابدين .نيويورك .

حين يرتدي الجلاد قناع الشاهد ويتهم الضحية بالخيانة، يصبح الصمت تواطؤًا. عبد الفتاح البرهان ليس خارج دائرة الجريمة الوطنية التي يعيشها السودان، بل في قلبها. لم يكن عابرًا ولا مكرهًا، بل شريكًا أصيلًا في صناعة واقع الانهيار الشامل الذي دمّر الدولة والمجتمع. هذا الخراب لم يحدث صدفة، بل كان نتيجة خيار واعٍ اتخذته السلطة العسكرية: الحكم بالسلاح، وبناء التوازنات على المليشيات، والمساومة على الوطن مقابل البقاء في السلطة. وحين انفجر هذا الخيار، حاولت القيادة العسكرية غسل يديها من الدم، وكأن الكارثة بلا صانع.
في ذروة النهب العلني، وتفكيك المؤسسات، وتسليح قوى خارج الجيش بلا أي رقابة، جرى تقديم حميدتي باعتباره رجل المرحلة، وكان البرهان شريكه السياسي والعسكري لا خصمه. لم يكن ذلك سوء تقدير، بل تحالفًا مكتمل الأركان هدفه السيطرة لا الاستقرار، والسلطة لا الدولة. الشرعنة السياسية، والتمكين العسكري، وقمع الأصوات المحذّرة، كلها شواهد لا تقبل الإنكار. أما الكيزان، فقد لعبوا دورهم المعتاد: تبرير الجريمة، وتبديل المواقف، والارتماء حيث توجد المصلحة، وهم على علم كامل بأن البلاد تُنهب وأن الحرب تُحضَّر.
العدو الحقيقي لهذه المنظومة لم يكن المليشيا بل الثوار. لجان المقاومة والقوى الثورية المبدئية التي رفضت عسكرة الدولة ورفضت تسويق المليشيات كانت الهدف المباشر للقمع. حين طُلب منهم ترديد أكذوبة “حميدتي رجل السلام” قالوا لا، فجاء الرد سجونًا وسحلًا ورصاصًا وتشويهًا ممنهجًا، بأدوات الجيش والأمن وتحت غطاء القيادة العسكرية. هذه ليست رواية، بل وقائع.
وحين تغيّر اتجاه البندقية وأصبحت المليشيا خطرًا على الجيش نفسه، لم نشهد اعتذارًا ولا مراجعة ولا اعترافًا بالمسؤولية، بل إعادة تدوير للخطاب نفسه مع عدو جديد. عاد الكيزان لجرّ الثوار قسرًا إلى معركة لم يختاروها، ومن رفض الاصطفاف خُوّن وسُحل وسُجن. وهنا صُنعت أكبر الأكاذيب: أن انتقاد الجيش يعني موالاة الدعم السريع. هذا تزوير متعمّد للحقيقة.
السودانيون لا ينتقدون الجيش حبًا في المليشيا، بل وفاءً لعهد واضح مع مؤسسة يفترض أن تكون مهنية، تحمي الدستور، ولا تحكم السياسة، ولا تصنع مليشيات، ولا توجّه السلاح إلى المدنيين. هذا العهد لا يمكن أن يوجد أصلًا مع المليشيات، لكنه كُسر مرارًا من قبل قيادة عسكرية تصنع قوى موازية ثم تطالب الشعب بالاصطفاف خلفها باسم الوطنية.
وهنا يجب قول الحقيقة بلا مواربة: الجيش بصيغته الحالية أصل الأزمة لا طريق الخلاص. إن لم يتواضع، ولم يعد إلى مهنيته الصرفة، ولم يتخلَّ بوضوح عن المليشيات التي يصنعها، وعن الكيزان بوصفهم الشريك الأخطر في تسييسه، ولم يقبل أن يكون حارسًا للدولة المدنية فقط، بأخلاق وصدق وضمير وطني، فلن يعرف السودان استقرارًا. التاريخ يقول ذلك بوضوح: هذا الجيش فشل كلما حكم، وفشل في حماية الانتقال، وفشل في بناء السلام، وفشل حتى في حماية المدنيين.
السؤال الحاسم إذن: في ماذا نجح؟ لم ينجح في بناء دولة، ولا في حماية شعب، ولا في ترسيخ عقيدة وطنية، لكنه نجح باستمرار في إنتاج المليشيات لتنفيذ المهام القذرة التي لا يريد تحمّل مسؤوليتها، ثم تركها تتحول إلى وحوش منفلتة، ثم عاد ليحاربها ويطلب من الشعب دفع الثمن. هذه حلقة جهنمية متكررة يقف البرهان في مركزها.
وإذا كان انتقاد الجيش خيانة، ورفض المليشيات جريمة، والتمسك بالعهد الوطني تهمة، فالسؤال الذي لا مهرب منه هو: من المتلاعب بالوطن؟ أهو شعب يطالب بدولة مدنية وجيش مهني؟ أم سلطة عسكرية كسرت العهد، وصنعت المليشيات، ثم اتهمت الجميع بالخيانة؟ هذا ليس سجالًا لغويًا، بل اتهامًا سياسيًا مباشرًا، وهو جوهر المعركة الحقيقية في السودان.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات