خلاف الجزائر مع روسيا ينتقل إلى العلن: التداعيات والمآلات
الجزائر باتت تعتبر اجندة روسيا في افريقيا خطرا على أمنها القومي
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم:
رغم محاولة الجزائر عدم إخراج خلافاتها مع روسيا إلى العلن، أظهرت التطوّرات الأخيرة تعويما لهذه الخلافات، حتى داخل مجلس الأمن الدولي. يأتي هذا التطوّر على الرغم من علاقات البلدين الاستراتيجية وزيارة الرئيس الجزائري العام الماضي إلى موسكو واعتماد الجيش الجزائري على الأسلحة الروسية. ويتساءل المراقبون عما إذا كانت علنية التعبير عن امتعاض الجزائر من روسيا مقدمة لخطوات جدّية تبعدها عن موسكو.
نتوقف في هذا السياق أمام مجموعة من التطوّرات والخلفيات أهمها:
– في 26 أغسطس 2024، دعا ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، إلى محاسبة “الجهات التي تسببت في مقتل أكثر من 20 مدنيا ماليا، جراء ما تقترفه بحق القانون الدولي الإنساني”، في إشارة واضحة لمجموعة “فاغنر” الروسية الخاصة المتحالفة مع الجيش التابع للمجلس العسكري في مالي.
– أكد المندوب الجزائري على ضرورة “وقف انتهاكات الجيوش الخاصة التي تستعين بها بعض الدول” محذرا من مغبة “عدم مساءلة تلك الأطراف بشأن انتهاكاتها وما تتسبب فيه من تهديدات وأخطار على المنطقة”.
– في 25 أغسطس، أفاد متحدث باسم الانفصاليين الأزواد عن مقتل 21 مدنيا بينهم 11 طفلا إضافة إلى سقوط عشرات الجرحى “وأضرار مادية كبيرة”. وقال إن “جيش المجلس العسكري المالي والمرتزقة الروس من مجموعة فاغنر (…) نفذوا عدة ضربات بطائرات مسيّرة أقلعت من بوركينا فاسو في تنزاواتن، على بعد أمتار من الأراضي الجزائرية”.
– قبل ذلك، في 8 أغسطس، اتهم نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي الدول الغربية باحتكار الحركة الأولمبية وفرض أجندة مجتمع الميم “بشكل عدواني”، ملمّحا ضمنا إلى استفادة الملاكمة الجزائرية، إيمان خليف، من هذا الأمر.
– رفض الدبلوماسي الجزائري في مجلس الأمن، توفيق كودري، بشدة تصريحات بوليانسكي وقال “إن الملاكِمة الشجاعة الآنسة إيمان خليف ولدت أنثى، وعاشت طفولتها ونشأتها ومراهقتها كأنثى، ومارست الرياضة كأنثى كاملة الأنوثة”. وأضاف كودري “لا يوجد أدنى شك في هذا الأمر، باستثناء من أولئك الذين لديهم أجندة سياسية غامضة”.
– يخفي التلاسن الدبلوماسي الخلاف في سلسلة ملفات سياسية وجيوسياسية في طليعتها أنشطة “فاغنر” و “الفيلق الأفريقي” وهما ذراعان لروسيا تعمل في بلدان أفريقيا.
– في أواخر يوليو الماضي كانت فصائل أزوادية قد هاجمت قوات تابعة لمجموعة “فاغنر” والجيش المالي في منطقة تنزاواتن شمال مالي غير البعيدة عن الحدود الجزائرية. وقالت أنباء لاحقا إن تلك الفصائل استفادت من مساعدة قوات خاصة أوكرانية حظيت بتسهيلات جزائرية. ومع ذلك كان من الصعوبة التحقّق من هذه المزاعم.
– في أوائل أغسطس الجاري سُجل تحرك لقوات تابعة لـ “الجيش الوطني” الليبي التابعة لخليفة حفتر باتجاه جنوب البلاد على الحدود مع النيجر والجزائر. وترى بعض المصادر المناوئة لحفتر أن هذه التحركات هي لصالح روسيا التي تعزّز حضورها في ليبيا، وأنها تدعم حلفاء روسيا في تأمين الحدود الرابطة بين ليبيا والنيجر. أضافت بعض المعطيات أن قوات حفتر تركّز أيضا على مدينة ومطار غدامس، بالقرب من الحدود مع الجزائر، مما يضيف بعدا آخر للعملية.
– كانت الجزائر قد أخذت على روسيا أيضا عدم بذل جهودا كافية لقبول طلب انضمامها إلى مجموعة “بريكس”. تفاقم هذا الاستياء حين ذكر وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، في 24 أغسطس 2023، أن معايير توسيع المجموعة “تضمنت الوزن السياسي وهيبة الدولة ومواقفها على الساحة الدولية”، بما اعتبرته الجزائر نيلا منها ومبرّرا لرفض طلبها بالانضمام إلى المجموعة.
– يرى مصدر جزائري أن الجزائر التي عارضت العمليات العسكرية الفرنسية في الساحل الأفريقي (عملية برخان) وأغلقت مجالها الجوي أمام عبور الطائرات العسكرية الفرنسية وعارضت أن تكون منطقة شمال إفريقيا مركزا لقوة “أفريكوم” الأميركية، تعارض وفق نفس السياق التدخل العسكري الروسي (أو غيره) في المنطقة.
– ما زال الخطاب الرسمي الجزائري يؤكد على استراتيجية العلاقة مع روسيا والتي تمّ تكريسها في زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لموسكو في أغسطس 2023. لكن الجزائر تستاء من تعارض في مصالح البلدين في منطقة الساحل الأفريقي وتشعر بالقلق من أنشطة قوات “فاغنر” الروسية في مالي والنيجر وليبيا.
– تقلل موسكو من أهمية الخلافات مع الجزائر وتتجنّب أي سجال تصعيدي. غير أن خبراء في شؤون روسيا يعتبرون أن لروسيا مصالح حيوية شديدة الأهمية في أفريقيا في الظروف الدولية الحالية وأن موسكو غير جاهزة لتخلي عنها إكراما لمصالح الجزائر.
– على الرغم من خلافات الجزائر وفرنسا، لا سيما مؤخرا في انحياز فرنسا إلى موقف المغرب من مسألة “الصحراء الغربية”، غير أن موقف البلدين يقترب بشأن مالي لجهة معارضة النفوذ الروسي وأنشطة “فاغنر”.
– في مايو 2024 قالت السفيرة الأمريكية لدى الجزائر، إليزابيث مور أوبين، إن واشنطن تشارك الحكومة الجزائرية مخاوفها بشأن الوجود المزعزع للاستقرار للجماعات الإرهابية والجهات الفاعلة غير الحكومية مثل مجموعة فاغنر في منطقة الساحل. وأعربت السفيرة عن أسف بلادها، لانسحاب الحكومة الانتقالية في مالي من “اتفاق الجزائر” (بين حكومة مالي والفصائل الأزوادية). وقالت: “نتفق مع الجزائر على أن الحكم الرشيد هو المفتاح لمحاربة فعالة ضد التطرف ونرحب بجهود الجزائر لتقديم المساعدة التنموية لدول الساحل”.
– في 29 يوليو الماضي، نقلت تقارير إعلامية أن الجنرال الأمريكي مايكل لانغلي، رئيس القيادة الأمريكية الافريقية (أفريكوم) أبلغ سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، بأن أي مساعدة تقدمها إيران لجبهة البوليساريو، ستكون لها تداعيات أمنية إقليمية وجزائرية خطيرة.
خلاصة:
**يتصاعد التعبير من طرف الجزائر عن خلافات مع روسيا بشأن مجموعة من قضايا السياسة والأمن. وانتقل ما هو همس إلى تصريحات تعارض أنشطة روسيا في ليبيا ودول الساحل الإفريقي.
**على رغم من “استراتيجية” العلاقة بين البلدين واعتماد الجيش الجزائري على الأسلحة الروسية، باتت الجزائر تعتبر أن أجندة موسكو في المنطقة تمثّل خطرا على الأمن القومي.
**بالمقابل تؤكد مصادر روسية على حيوية المصالح في أفريقيا في الظرف الدولي الحالي وصعوبة التخفيف من حجمها وأدواتها للتخفيف من قلق الجزائر
**على الرغم من علنيّة الخلافات مع روسيا وإمكانية استفادة دول غربية من هذا التطوّر، غير أنه لم تظهر مؤشرات بالإمكان الاستناد إليها في استطلاع أي تحوّل استراتيجي في تموضع الجزائر بعيدا من روسيا.