الجمعة, سبتمبر 20, 2024
الرئيسيةمقالاتالجميل الفاضل يكتب :عين علي الحرب جدلية الحرب والثورة

الجميل الفاضل يكتب :عين علي الحرب جدلية الحرب والثورة

الجميل الفاضل يكتب :عين علي الحرب جدلية الحرب والثورة

جدلية الحرب والثورة

الشُعوبُ الثائرة، شأنھا شأن السيولِ الجارفة، لا تُغيرُ مجاريها، ولا تُبدلُ عاداتها، ولا تَنحرِفُ عن أهدافها مھما كانت الأوضاع والظُروف، بل ومھما كان الثمن.
وبطبيعة حاله، فإن شعب السودان، ھو شعبٌ ثائر بالفطرة، مُجربٌ، ومُؤھلٌ لأن يَجتاحَ، وأن يَجرُفَ ويُزيحَ، كل ما يعترض طريقه نحو النور، والتحرر، والإنعتاق.
أنظر كيف يقابل ھذا الشعب بصمود أسطوري حاليا أعتي عوادي الدھر، من حرب فتنة مفخخة، ذات ذيول وعقابيل يُخشي ألا تنتھي، وكارثة أمطار وسيول ودمار، لم يبقي علي إثره بيتا واقفا، ولم يذر زرعا زاھرا أو ناضجا، ليفضي واقع ھذه الحرب والكوارث المصاحبة لھا من بعد، الي كارثة جوع “كَافرٍ”، تتضور به ومنه البطون، فضلا عن كارثة الأسقام والعلل الأخري، من أوبئة فيروسية وغير فيروسية، وأمراض مزمنة وغير مزمنة، أشكالا وأنواعا من كل جنس ولون، تسري في الناس وبينھم سريان النار في الھشيم.
ناھيك عن مآسي الملايين، بين أحوال نزوح مھين، ولجوء يجعل القمح مُرا في حقول الآخرين، والماء مالح.
المهم فقد صار شعب السودان، من واقع هذه التجربة القاسية المريرة، مع الحرب، ومع هذه الكوارث التي يأخذ بعضھا برقاب بعض، أمثولة يضرب بها المثل، في الصبر على كل بلاء.
لقد صار شعبنا في الحقيقة “شعب الله الأمثل”.
إذ أن الله يبتلي من الناس، والشعوب، الأمثل فالأمثل، كل على وسعهِ، وقَدرهِ، ومَقامهِ، وطاقةَ صَبرهِ، وقُوةَ إحتمالهِ.
بيد أن الثورة التي ھي سلاح ھذا الشعب المُجرب علي مدي تاريخه، ستظل ھي اليوم كذلك سبيله الوحيد لتجاوز ھذا الواقع المأساوي المرير.
فالثورة أصلا ھي محاولةٌ جادة وعملية، للقفز علي الواقع بالتمرد علي سلطانه، وكسر قيوده، توطئة للسباحة والتحليق خارج غلافه الجوي، ونطاق جاذبيته.
فالثورات تسعي بطبيعة حالها لتحقيق ما يبدو عند الناس مستحيلا، لا ما هو ممكن بالطبع.
ولعل أكبر مستحيل صار ممكنا بل وواقعا في ثورة ديسمبر المباركة التي تدخل الآن عامها السادس، هو أن جذوتھا المقدسة لا زالت متقدة داخل النفوس، أكاد أري وميضھا تحت رماد ھذه الحرب الكارثية اللعينة.
اذ أن ثورة “ديسمبر المباركة” ھي في الحقيقة ليست ثورة واحدة، مثلها مثل تجربتي “اكتوبر وابريل”، بل هي في الواقع ثورة مركبة تتخذ عدة أشكال، وتتبدي علي أكثر من طابع، فھي ثورة عظيمة يجوز القول فيھا أنھا ثورة تحمل بجوفها عدة ثورات.
وھذا سر من أسرار أن “ثورة ديسمبر” ثورة لا تموت، بل ستمضي علي طريقة سباقات التتابع، فكما قادها “المهنيون” طورا، الي أن بلغوا بها محطة إعتصام القيادة، والي ان قلبوا الطاولة علي كافة الرؤوس، في اليَومِ المَشهُود ٣٠ يونيو (٢٠١٩).
قبل أن تقودھا أيضا “لجان المقاومة”، في عسرٍ ومشقةٍ بالغة، يفسرها علم الفيزياء علي قاعدة تقول: “إن المقاومة تساوي النسبة بين فرق الجهد وشدة التيار”، إذ أن مقاومة أي جسم تقاس بمقدار ما يسمح به من سريان للتيار المار به او عبره.
ھو فرق جھد، فرضه وجود عِصيِ “الثورة المضادة” داخل دواليب الحكم والدولة، وشِدةُ تيارٍ، رفع وتيرته منسوب الوعي العالي جدا لدي الشارع الثوري، ربما بأكثر مما ھو لدي ممثلو ھذا الشارع الذين تصدوا لمھمة ادارة التغيير.
ھي تجربة شكلت عسرا إضافيا خلال فترة الإنتقال، عُسر سيتبعه لا مَحالةَ يُسرٌ نرتقبه عن كَثَّب، بعد زوال عُسرِ ھذه الحرب الذي كان ولا يزال.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات