الأربعاء, سبتمبر 17, 2025
الرئيسيةمقالاتالجميل الفاضل يكتب من نيالا يوميات "البحير": متى يُجندَل هذا الثور الهائج؟!

الجميل الفاضل يكتب من نيالا يوميات “البحير”: متى يُجندَل هذا الثور الهائج؟!

الجميل الفاضل يكتب من نيالا يوميات “البحير”: متى يُجندَل هذا الثور الهائج؟!

يتشكّل التاريخ، في كل طور من أطواره، على هيئةٍ من هيئات المادة الثلاث: السيولة، والغازية، والصلابة.
وهنا، فقد بات السودان غارقًا في خضمّ “تاريخ سائل”، متلاطم الأمواج، قابلٍ لتحويل أو تعطيل مجرى حياته برمتها، أو حتى لتغيير مادة تاريخه، شكله ولونه، تمامًا.
فكما يقول المؤرخ هايدن وايت: “التاريخ ليس مادةً لفهم الماضي، بل للتحرر منه”.
بيد أن بقايا الماضي في الداخل، وخصوم التقدم في الخارج، لا يزالون يخوضون آخر معاركهم لقطع طريق التغيير، الذي بدأت محاولات بلوغه بشكل سلمي في خواتيم العام 2018، قبل أن تزجّ مقاومة الممانعين لهذا التغيير البلادَ في حالة الحرب، التي نالت من هذا الشعب ما نالت.
إذ كما يقول عبد الرحمن الكواكبي:
“فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم، بل يشمل الدمار الأرض والناس والديار، لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء، كثور هائج، فتحطّم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال”.
ولعل أصدق وأدق توصيفٍ لدور الحركة الإسلامية في عرقلة مسار التحول المدني الديمقراطي قد جاء في بيان وزارة الخارجية الأمريكية الأخير، الذي قالت فيه: “لقد لعب الإسلاميون السودانيون دورًا محوريًا في إفشال مسار السودان نحو الانتقال الديمقراطي، من خلال تقويض الحكومة الانتقالية المدنية السابقة، وعملية الاتفاق الإطاري السياسي.
وقد أسهم هذا السلوك في اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.
ولا يزال الإسلاميون المتشددون يعرقلون الجهود الرامية إلى التوصّل لوقف إطلاق نار يُنهي الحرب، كما أنهم ينمّون علاقاتهم ويتلقّون دعمًا فنيًا من الحكومة الإيرانية، ولا سيما الحرس الثوري الإسلامي، المصنّف منظمة إرهابية أجنبية”.
إن محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، حماقة كبرى تورّط بها إسلاميّو السودان، فأعيت كل من حاول مداواتها، أو حاول انتشالهم من بين براثنها؛ فالثورات هي قاطرات التاريخ، التي يقول كارل ماركس إنها لا تعود إلى المحطات القديمة.
كما أن الثورات، كما قال تشي جيفارا، لا تطلب إذنًا من أحد، لكنها تصنع طريقها بنفسها.
بل وكما قال الشاعر الإسباني أنطونيو ماتشادو: “ليس هناك طريق، فالطريق يصنعه المشي”.
أو على قول الصوفي جلال الدين الرومي: “عندما تقرر أن تبدأ الرحلة، سيظهر الطريق من تلقاء نفسه”.
المهم، هذا بالضبط ما فعله تحالف تأسيس وحكومته، حين أعلن رئيسها محمد حسن التعايشي الحركة الإسلامية تنظيمًا إرهابيًا، وحظر أنشطتها في البلاد، أو قل للدقة: في نطاق سيطرته على أجزاء من البلاد، فكان له قصب السبق بهذه الخطوة، حتى على الرباعية ومن لفّ لفّها اليوم من منظمات ودول وحكومات.
مصداقًا لقول أنطونيو غرامشي: “اللحظة الثورية لا تكتمل حين يتفق الجميع، بل حين يجرؤ البعض على الفعل”.
وعلى أية حال، فقد أثبت التعايشي بهذه الخطوة، أن للفعل سحرًا، مهما كان حجمه صغيرًا أو كبيرًا، لا يُطاله في الأثر قول من يكتفي بمناشدة المجتمع الدولي، أو بالاستغاثة بالمنظمات.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات