تقرير: حسين سعد
يشهد السودان اليوم أزمة صحية غير مسبوقة، إذ تحول القطاع الصحي، الذي يُفترض أن يكون حجر الزاوية في حماية حياة المواطنين وحقهم في الصحة، إلى مشهد من الانهيار والفوضى، بفعل الحرب المستمرة التي اندلعت في 15 أبريل 2023، فقد خرجت أغلب المستشفيات من العمل، وتحولت العديد منها إلى ثكنات حربية، تحاصرها العمليات العسكرية وتعرض العاملين الصحيين والمرضى على حد سواء لمخاطر جسيمة. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، إرتفعت معدلات الوفيات والأمراض، وتفاقمت معاناة الفئات الأكثر هشاشة، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى المزمنين، فالسودان يواجه تحديًا مزدوجًا: أولاً، تأثير الحرب المباشر على المستشفيات والمراكز الصحية والكوادر الطبية، وثانيًا، إرث الإهمال المؤسسي والخصخصة الذي جعل القطاع هشًا وغير قادر على الاستجابة للأزمات، هذه المعاناة تتطلب تدخلات عاجلة من الجهات ذات الصلة، والمنظمات الإنسانية الدولية، لضمان استعادة الخدمات الصحية، وحماية الأرواح، وتحقيق الحد الأدنى من الحق في الصحة لكل المواطنين، قبل أن تتفاقم الكارثة الإنسانية وتصبح خارج نطاق السيطرة.
خراب الإنقاذ:
فالأزمة الصحية في السودان ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل تعود إلى سنوات طويلة من الإهمال والتسييس، منذ عهد نظام الإنقاذ، الذي حول القطاع الصحي إلى سلعة تُباع وتُشترى، وقام بخصخصة المستشفيات والخدمات الطبية، ما حرم ملايين السودانيين من الحصول على خدمات صحية مجانية أو في متناول الجميع، هذا التحول أضعف القدرة المؤسسية للقطاع، وأدى إلى تضاؤل الموارد، وانتشار الفساد، وانهيار البنية التحتية، وجعل أي أزمة طارئة تُفاقم المعاناة الإنسانية بشكل كبير، لقد شهد السودان في عهد نظام المؤتمر الوطني – المعروف إعلاميًا بـ “حكم الإنقاذ” – تدهورًا متزايدًا في قطاع الصحة، الأمر الذي أدى إلى انهيار شبه كامل للخدمات الطبية العامة في معظم أنحاء البلاد، هذا الإنهيار لم يكن نتيجة نقص الموارد وحده، بل جاء نتيجة سياسات ممنهجة تهدف إلى خصخصة الصحة، تمكين كوادر النظام، قمع النقابات الطبية، واستغلال أصول المستشفيات لمصلحة الحزب الحاكم، على حساب صحة المواطنين وحقهم الأساسي في الرعاية الصحية ، إلا أن هذه التحديات بلغت ذروتها نتيجة تراكم أخطاء تاريخية، سياسات خاطئة، وانهيار شبه كامل خلال الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023. هذا التقرير يستعرض المسار التاريخي للنظام الصحي السوداني، تأثيرات الحكم الاستعماري والوطني، سياسات نظام المؤتمر الوطني المعروف بـ”الإنقاذ”، وآثار الحرب على تقديم الخدمات الصحية، مع تقديم توصيات عملية لإعادة بناء القطاع الصحي على أسس كفاءة واستدامة، وبالرغم من هذه التحديات، برزت جهود شبابية ومهنية من داخل السودان وخارجه، أبرزها شبكة أطباء السودان، التي سعت جاهدة لتقديم الدعم الطبي الطارئ، وتنسيق عمليات الإغاثة الصحية، ونقل المرضى، وإنقاذ الأرواح في ظل ظروف صعبة وموارد محدودة. لكن هذه الجهود الإنسانية، رغم أهميتها الكبيرة، لا تكفي لمواجهة حجم الكارثة، إذ أن الأزمة تتجاوز حدود الحرب الحالية، لتصل إلى جذور أعمق في هيكلية القطاع الصحي السوداني؟
إهمال إستعماري:
ويقول الدكتور حمدان مصطفي حمدان في ورقته التي قدمها في مؤتمر الاغاثة الذي أنهي أعماله مؤخراً إن النظام الصحي في السودان تأسس النظام الصحي السوداني عام 1905 على يد السلطة الاستعمارية البريطانية، كجزء من إدارتها للجيش الإنجليزي والخدمة المدنية المصاحبة له، ولم يكن المواطن السوداني العادي ضمن أولويات هذا النظام، ولازم هذا التأسيس خطاء مركب مازال ماثل إلي اليوم في شكل تقديم الخدمات في الأتي : تمركز النظام الصحي في الحضر والمدن التي تتمركز بها الخدمة المدنية الإستعمارية وسنكات الجيش ، ولم يتم الإهتمام بالريف الذي ظل منطقة إستيطان كل الأمراض ومازال مثل الكوليرا، الملاريا، السل، الفلاريا، التهاب السحايا، وغيرها، التي ما زالت تشكل عبئًا على النظام الصحي حتى اليوم، وأوضح دكتور حمدان إن النظام الإستعماري لم يهتم بمكافحة الأوبئة والجوائح في الريف، حيث كان تركيزه على المستشفيات الحضرية فقط، ومع توسع المشاريع الإنتاجية في الفترة ما بين 1920 و1935، مثل خزان سنار ومشروع الجزيرة وإمتداد السكك الحديدية وميناء بورتسودان، أنشأ النظام الاستعماري شبكة من المستشفيات (35 مستشفى) لتقديم الخدمات الأساسية، إلى جانب 15 مستشفى ريفي عبر مشاريع الريف والبعثات التبشيرية، لتصبح شبكة أولية تغطي فقط مناطق محددة دون تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
دور نقابة الأطباء :
وقال حمدان نتيجة الي تناقم العمل النقابي بواسطة نقابة أطباء السودان و قوة الخدمة المدنية صارت لوزارة الصحة خطة لتوسع للخدمات الطبية، بالإستفادة من دعم الدول الصديقة حيث ظهرت المستشفيات الريفية التي وصل عددها إلي (105) مستشفي بجانب مدارس تمريض ومخدرين ومدارس مساعدين وصارت هنالك خدمة ريفية لإستيعاب الأطباء الخريجين، وأضاف حمدان لقد لعبت نقابة الأطباء علي مرور الحقب مدنية كانت أو عسكرية في إستقرار الخدمات الصحية مستفيدة من عدم تسيس الخدمة المدنية التي كانت تعتمد علي المهنية والكفاءة في ترسيخ منهج إداري محكم ، كما أسست النقابة مع كفاءات الوزارة وخاصة بعد مؤتمر الماطا في الاتحاد السوفيتي العام ١٩٧٨ نظام إداري محكم جدا يتكون من خمسة أركان وهي :
الركن الأول: قوانين الصحة العامة التي تغطي كل جوانب النظام الصحي من إدارة وتشغيل وتخطيط وهيكلة
الركن الثاني: مجلس الصحة العام ومجلس الوكيل ومجلس تنسيق الصحة المسول من تنفيذ قوانين الصحة العامة وإدارة النظام الصحي بكفائة عالية عبر مفتشي الخدمات الصحية
الركن الثالث: الكشف الموحد للاطباء والصيادلة وضباط الصحة والأشعة والكوادر توحيد الكشف بغرض ضبط الفصل الأول والتعين و التدريب و التنقلات
الركن الرابع :المستشفيات الاتحادية نظام الإحالة ما بين المستويات المستوي الأول والثاني والثالث علي راسه، الخرطوم و مستشفيات المحافظات ورئاسات الحكم الإقليمي.
الركن الخامس: سلطة كبار الاخصائين ومفتشي الشؤون الصحية و كبار الأدارين للتخصصات الأشعة والمعامل و ضباط الصحة العامة و الصيادلة ومدارس التمريض والمترون والمعاهد الطبية والإحصاء والمستشفيات الاتحادية في الخرطوم ورئاسة المحافظات المستشفيات المستوي الثاتي و مراكز تدار بواسطة المحافظات تحت إشراف مفتشي الخدمات الصحية ومساعدي المحافظ وحاكم الإقليم للشؤون الصحية هذا المنهج الإداري كان يعمل بتناقم محكم بواسطة قوانين للصحة العامة و مجلس الصحة العامة والمجلس الطبي المحرك الاساسي له هي نقابة أطباء السودان. (يتبع)
القطاع الصحي :من إرث الاستعمار إلى دمار الإنقاذ وآثار الحرب (1-2)
مقالات ذات صلة

