المناورات المصرية–التركية: استعداد مشترك لمواجهة التحديات الإقليمية وتحولات النظام الدولي
ذو النون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
تقديم: يجري الجيش التركي والمصري، مناورات عسكرية بحرية مشتركة في إطار تدريبات بحر الصداقة 2025 والذي يستمر حتى 25 سبتمبر الجاري، ويشارك في التمرين، فرقاطات وغواصات ومركبات بحرية وطائرات مسيرة وحوامات واخرى مقاتلة من طراز F-16 . ويشمل أيضا التخطيط التشغيلي المشترك والحرب السطحية والتدريب المتقدم على البحث والإنقاذ.
وصف بيان الجيش المصري مع وصول طلائع قواته الى تركيا، المناورات بأنها خطوة لتعزيز التعاون العسكري مع دولة شقيقة وصديقة. اما وزارة الدفاع التركية فقد أكد بيانها “أن أنشطتها الجارية في البحر المتوسط مع مصر وليبيا، لا تستهدف أي دولة ثالثة، وأنها تعمل لتطوير علاقاتها مع شركائها.
في المعطيات:
– بدأت مناورات بحر الصداقة بين تركيا ومصر لأول مرة عام 2009 في مياه البحر الأبيض المتوسط، واستمرت سنويًا حتى عام 2013، قبل أن تتوقف بسبب توتر العلاقات السياسية بين القاهرة وأنقرة، بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، حليف أردوغان، وينظر إلى استئنافها كمؤشر على تحسن العلاقات الثنائية، ورغبتهما المشتركة في تعزيز التعاون الأمني والدفاعي في منطقة شرق المتوسط.
– خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة في سبتمبر 2024، التي مثلت محطة بارزة في عودة العلاقات المصرية–التركية، جرى توقيع سبع عشرة مذكرة تفاهم شملت مجالات متعددة، من بينها الطاقة والدفاع والزراعة والصحة والتجارة، والنقل، والثقافة، والتعليم. وتأتي مناورات “بحر الصداقة” ضمن خطوات تفعيل الشق العسكري والأمني من هذه الاتفاقيات، فيما يرى مراقبون أن هذه التدريبات المشتركة تعكس انتقال التعاون بين الجانبين من مرحلة التوقيع على الأوراق إلى مرحلة التنفيذ الميداني في ظل تنامي التحديات الأمنية التي تهدد مصالح البلدين. فما هي التحديات المشتركة للبلدين، كما يصفها الخبراء من الطرفين:
أولا: الإرهاب والتطرف
تشهد المنطقة تنامياً في نشاط الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، إلى جانب تنظيمات محلية كجماعات سيناء في مصر وحركة الشباب الصومالية والصراعات الداخلية في كل من سورية والعراق بالنسبة لتركيا. ويبرز في هذا السياق مطلب أساسي يتمثل في ضرورة التنسيق الأمني الإقليمي لمكافحة تهريب السلاح والمقاتلين.
ثانيا: أزمات الأمن المائي والطاقة
تواجه مصر أزمة توصف بالوجودية، مرتبطة بملف سد النهضة وأمنها المائي، بينما تعد تركيا طرفاً رئيسياً في أزمات المياه مع العراق وسوريا بسبب مشاريع السدود على نهري دجلة والفرات. ويشترك البلدان في تحدي إدارة الموارد المائية في ظل التغير المناخي وتزايد الطلب السكاني، إلى جانب تعقيدات ملف الغاز في شرق المتوسط الذي يمس مصالحهما معاً.
ثالثا: الاضطرابات الإقليمية والنزاعات
في ليبيا، تتقاطع اهتمامات القاهرة وأنقرة بشأن الأمن والاقتصاد والحدود البحرية. أما في سوريا، فإن استمرار الصراع يفرض تهديدات مرتبطة باللاجئين والمليشيات. وتضاف إلى ذلك الأوضاع في اليمن والسودان والصومال التي تهدد أمن البحر الأحمر والملاحة البحرية، بما يؤثر على مصالح الدولتين
رابعا: القوى الكبرى والتدخلات الخارجية
تتأثر كل من مصر وتركيا بالنفوذ المتصاعد للقوى الكبرى في المنطقة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وإيران، إضافة إلى الضغوط الناشئة عن التحالفات والعقوبات والاستقطابات الإقليمية. وتعتبر إسرائيل منافس استراتيجي وتحد سياسي–اقتصادي رئيسي للبلدين، خصوصاً في ملفات غزة، فلسطين، وأمن الطاقة في شرق المتوسط.
خامسا: أمن البحرين الأحمر والمتوسط
تمثل الممرات البحرية محوراً استراتيجياً لكلا الطرفين؛ فمصر ترى البحر الأحمر شريانا حيوياً لتأمين قناة السويس، في حين تعتبر تركيا أن البحر المتوسط، خصوصاً شرقه، مركز أساسي لمصالحها في الطاقة والملاحة. وهنا يبرز تحدٍ مشترك يتمثل في تأمين طرق التجارة الدولية وحماية المصالح البحرية في بيئة إقليمية مضطربة.
الخلاصة
**عودة التدريب المشترك المتزامن مع المتغيرات الإقليمية، يحمل دلالات تتجاوز كونه مناورة عسكرية إلى التنسيق الإقليمي الذي أصبح ضرورة للبلدين من أجل مواجهة التحديات المشتركة وحماية مصالحهم الحيوية والمحافظة على موازين القوى في المنطقة
**المناورات رسالة مباشرة من هذه المناورات موجهة لـردع إسرائيل بسبب عدوانيتها ومخالفتها للاتفاقيات الدولية
وميولها التوسعية في الشرق الأوسط، وموجهة أيضا للولايات المتحدة والديناميات المربكة لسياستها المتقلبة.
مسار المصالحة بين البلدين لم يعد محصوراً في المجالات الاقتصادية والسياسية، بل تجاوز ذلك إلى التنسيق الأمني والعسكري ومؤشر أن العلاقات المصرية – التركية تدخل مرحلة جديدة ذات أبعاد أمنية ودفاعية.
تشترك مصر وتركيا في تحدي تأمين طرق التجارة الدولية، حيث ترى القاهرة في البحر الأحمر شريانا حيويا لقناة السويس، وتعتبر أنقرة منطقة شرق المتوسط مركزاً لمصالحها، وهو ما يجعل المناورات رسالة بأن البلدين قادران على لعب دور أكبر في استقرار الأمن البحري الإقليمي.
تدرك عاصمتان مركزيتان في الشرق الأوسط، خطورة تصدع النظام الدولي، وتأثير حالة الفوضى والحروب على مستقبلهما وادوارهما اللاحقة، بما يحتم التنسيق والتعاون وتجاوز الخلافات وتعارض المصالح في عدد من الملفات الإقليمية، وهو ما يعد أساسا لقيام كتل إقليمية كبرى، مبني على المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية المشتركة تستعد لاستقبال التغيير الجاري على نظام أحادية القطب الذي تقوده الولايات المتحدة منذ انهيار جدار برلين.