تأثير النزاعات المسلحة على الصحة النفسية للنساء: الصمت وسط الضجيج
تقرير: معّزَّة صالح
تأثير النزاعات المسلحة
إن النزاعات المسلحة تترك آثاراً عميقة وجارحة على الصحة النفسية للنساء، حيث يجدن أنفسهن في مواجهة متواصلة مع ضغوط نفسية هائلة نتيجة العنف والخوف المستمر الذي. تعيشه النساء في مناطق الحروب تحت وطأة تهديدات يومية، تتراوح بين العنف الجسدي والنفسي، سواء من الأطراف المتحاربة أو من البيئة الاجتماعية المتوترة.
ويتفاقم هذا الوضع حين يتعرضن لفقدان الأحبة والاهل أو التشرد، مما يفضي إلى شعورٍ طاغٍ بالحزن واليأس.
النساء اللآتي يعشن في مناطق النزاعات المسلحة يجدن أنفسهن في حالة من الحداد المستمر، حيث يفقدن أفراد الأسرة، الأصدقاء، وأحيانًا المجتمع بأكمله.
فيترك هذا الحزن أثراً نفسياً طويل الأمد يعمق مشاعر العزلة والخوف من المستقبل.
وعلى الرغم من معاناتهن، إلا أن الكثير منهن يفضلن الصمت وسط ضجيج الحرب، حيث تتجنب العديد منهن التعبير عن آلآمهن.
ورغم هذه التحديات القاسية، تسعى بعض النساء إلى التكيف مع الوضع المستجد. حيث يعتمدن على دعم بعضهن البعض، أو يبحثن عن سبل لإعادة بناء حياتهن بعيدًا عن مناطق النزاع.
ومع ذلك، فإن الصحة النفسية للنساء في مناطق الحروب تبقى قضية تستدعي المزيد من الأهتمام والبحث لضمان تقديم الدعم النفسي المناسب لهن في فترات ما بعد النزاع.
إحدى الفتيات المشاركات التي تبلغ من العمر 15 عاماً خلال رحلة خروجها من الخرطوم الي الولايات تقول:
كنت خائفة جداً خلال هذه الرحلة بسبب وجود قطاع طرق، وكل ما فكرت فيه حينها هو الخروج بسلام، ولم يكن لدينا سوى الملابس كأهم ما نحمله معنا.
عندما وصولنا إلى المدرسة، كنت مستغربة جداً من فكرة العيش في مكان جديد، ولكن مع مرور الوقت، بدأت أتكيف مع الوضع وأصبح لديّ أصدقاء. رغم الحزن على فراق العائلة، إلا أن وجود الصحبة الطيبة كان يساعدني.
أكبر صدمة في حياتي كانت هي وفاة أخي عبدالعزيز. كان يعاني من مشكلة في القلب بسبب اضطراره لجلب الماء من الآبار بعد انقطاع المياه في منطقتنا، وهو ما أثر على عضلات قلبه فقررنا نقله إلى مدينة مدني لإجراء الفحوصات اللآزمة، وهناك واجهنا صعوبات مالية كبيرة لتغطية تكاليف العملية، لكن لحسن الحظ تبرع أحد الأقارب بالمبلغ المطلوب. بعد العملية، اندلعت المعارك في مدني، واضطر الأطباء لإخلاء المستشفى بشكل عاجل و تم نقل أخي المريض عبر عدة قرى ومناطق لمحاولة الوصول إلينا، ولكن حالته كانت تزداد سوءً مع كل يوم.
في النهاية، وصل أخي إلينا بعد أسبوعين من الترحال، لكن حالته كانت خطيرة للغاية. بعد وصوله إلى كسلا، تفاقم وضعه الصحي بسبب ضيق التنفس.
حاولت مساعدته ولكني لم استطع فعل شي، وكان يراوده شعور بأنه يثقل علينا، وطلب مني ومن أخي الصغير أن نعذره. وبعد ذلك بقليل، توفي أمام اعيننا ولم يكن هناك سوانا بالمنزل. كان هذا أصعب يوم في حياتنا. عندما عاد أبي من المسجد وأمي من الصلاة، أخبرناهم بوفاة أخي.
تلك اللحظة كانت مؤلمة جداً، حيث شاهدناه يفارق الحياة، بينما كنا عاجزين عن فعل شيء. بعد وفاته، قررنا العودة إلى المدرسة ومحاولة التأقلم مع الوضع الجديد. رغم الصعوبات، شعرت أن البقاء في المدرسة كمقر إقامة أفضل من الاعتماد على الآخرين، ووجدت في الأصدقاء عزاء ودعماً كبيراً.
واضافت إحدى صديقاتها في نفس عمرها حيث تروي قصتها:
في البداية اعتقدت أن السفر سيكون مجرد تجربة لتغيير الأجواء، لكن الوضع كان أكثر تعقيداً. المنطقة التي وصلت إليها كانت بعيدة عن المدينة، بلا كهرباء أو ماء أو أسواق، وكان المرض والبيئة القاسية هما السائدين”.
تشرح كيف أن انتقالها لاحقاً إلى للعيش في احد المدارس بمدينة كسلا وشعورها بالراحة هناك حيث توفرت الكهرباء والمياه وبعض من أساسيات الحياة، مما جعل الفرق واضحاً بين الحياة في المناطق النائية والمدينة.
ومع ذلك، لا تزال تشعر بالضيق والافتقار إلى وسائل الراحة مثل الحمامات الخاصة أو الإنترنت، ما جعل الحياة في المدينة رغم تحسنها تفتقر إلى الخصوصية والرفاهية المتوقعة.
وتحدثت ايضاً عن مشاعرها تجاه سفر إخوانها، وكيف كان ذلك بمثابة نافذة للخروج من توتر الحرب وبداية طريق جديد في بلدٍ آمن يتيح التعليم والعمل وتطوير الذات.
لكن سرعان ما تبدد هذا الحلم وتحول الي كابوس مخيف حيث تم اعتقالهم مجرد وصولهم الي تلك البلاد و تغيرت مشاعرها الي خوف وقلق، وكان الحل الوحيد هو عودتهم مجدداً الي السودان “كنت متلهفة لعودتهم، لأن المنطقة التي نعيش فيها تبدو أهون بكثير من السجون”. ومع ذلك، لا تزال العائلة تحتفظ بالأمل في الهروب مرة أخرى إلى بلد يوفر سبل الحياة بشكل أفضل.
وعن الحياة اليومية، تتحدث عن صديقاتها، وكيف أنهن يتجمعن حين يشعرن بالملل من الروتين، ويذهبن إلى الميدان بجوار الجوازات حيث يجلسن ويتمنين الحصول على جوازات سفر للخروج من السودان لتحقيق أحلامهن. “إحدى صديقاتي تمكنت من السفر، ونتمنى أن نلحق بها”.
لكن الحرب لها وجه أكثر قسوة، حيث فقدن والدهما لمدة عام كامل ولا يعرفون عنه شئ حيث”المنطقة التي يوجد بها محاصرة، ونحن لا نعرف ما حدث له”. الحزن على فراق الأصدقاء أيضاً كان عميقًا، فهي ترى أن الأصدقاء الذين سافروا قد لا تعيش معهم أياماً جميلة كما كانوا يفعلون في السابق.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة، تظل النساء يعانين في صمت. ومع ذلك، فإن الأمل هو النور الذي يستمر في إشراقهن، على أمل أن يتمكنّ يوماً ما من العيش في أمان وبناء حياة جديدة مليئة بالأمل والفرص.