حيدر المكاشفي يكتب :الديمقراطية المبتورة والانقلابات المتكررة وحكاية لينا
مرت علينا يوم الاثنين الماضي الموافق الخامس عشر من سبتمبر ذكرى اليوم العالمي للديمقراطية، وقد درجت الامم المتحدة على تذكير الشعوب والحكومات بأهمية النظام الديمقراطي القائم على المشاركة الشعبية، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وفي عديد من الدول، يتحول هذا اليوم إلى فرصة لإعادة تقييم المسارات السياسية، وإطلاق مبادرات لتعزيز الحريات، غير أن المشهد في سودان الحرب والدمار بدا مختلفاً، حيث مرّت المناسبة مرور الكرام، وسط صمت وبرود تام، وكأنها لا تخص بلداً ظل أكثر من غيره بحاجة ماسة إلى الديمقراطية.
منذ استقلال البلاد عام 1956، لم يعرف السودان استقراراً ديمقراطياً طويلاً بل احتشد تاريخه الوطني بإرث مثقل بالانقلابات والفشل. مرت عليه ثلاث تجارب ديمقراطية قصيرة انفتحت أمامه، ولكن سرعان ما أُجهضت بالانقلابات العسكرية. هذه الدورات المكررة من الديمقراطية المبتورة والانقلابات المتكررة رسّخت أزمة ثقة بين المواطن والدولة، وأضعفت المؤسسات، وجعلت أي حديث عن التحول الديمقراطي محفوفاً بالشكوك. فالنخب السياسية كثيراً ما انشغلت بصراعاتها الضيقة، بينما وجد العسكريون في هشاشة التجربة الديمقراطية ذريعة للتدخل في الحكم، وتأتي ذكرى اليوم العالمي للديمقراطية هذا العام والسودان غارق في حرب ضروس اندلعت منذ أبريل 2023. الدمار الهائل، النزوح الجماعي، وانهيار الخدمات الأساسية جعلت أي نقاش حول الدساتير والانتخابات يبدو بعيداً عن هموم الناس في المخيمات، حيث يكابد النازحون الجوع والمرض، تختفي الشعارات السياسية لتحل محلها صرخات الاستغاثة. أما في المدن المدمرة، فقد غطى دخان الحرب على كل حديث عن مستقبل ديمقراطي لم تسجل في السودان في عامي حرب الشؤم والندامة هذه اية فعاليات بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية. غابت الأنشطة والبيانات والحوارات العامة وهذا يعكس واقعاً مؤلماً هو أن الديمقراطية خرجت من دائرة الاهتمام، في وقت يفترض أن تكون فيه في قلب الأجندة الوطنية، وحتى من اشار اليها اكتفى بالإشارات العابرة، من دون أن يخوض في نقاش عميق حول معنى الديمقراطية بالنسبة للسودانيين في هذه المرحلة الحرجة.. قد يبدو للبعض أن الحديث عن الديمقراطية في ظل الحرب نوع من الترف الفكري. غير أن جوهر الأزمة السودانية يكمن في غياب نظام حكم عادل يقوم على مشاركة واسعة، فالحروب في الجنوب سابقاً، وفي دارفور والشرق والوسط والخرطوم وكردفان، كلها انعكاس لعقود من الإقصاء والتمييز واحتكار السلطة، فالديمقراطية، إذن، ليست مجرد انتخابات، بل هي آلية لتوزيع عادل للسلطة والثروة، وضمان لحقوق الجماعات والمناطق، ومن دونها سيظل السودان أسيراً لدائرة الأزمات. يمكن لنا في السودان أن نتأمل في تجارب دول خرجت من أتون الحروب إلى فضاء الديمقراطية. جنوب أفريقيا، مثلاً، تجاوزت عقوداً من التمييز العنصري عبر حوار وطني شامل ومؤسسات عدالة انتقالية أعادت بناء الثقة. رواندا، رغم جراح الإبادة، نجحت في بناء مؤسسات قوية وتبني رؤية وطنية مشتركة. هذه النماذج تؤكد أن التحول الديمقراطي ممكن حتى في أحلك الظروف، شرط توفر الإرادة السياسية والتوافق المجتمعي إن مرور اليوم العالمي للديمقراطية في السودان مروراً باهتاً ليس حدثاً عابراً، بل مؤشر عميق على مأزق بلد تتقاذفه الصراعات منذ عقود. تجاهل المناسبة لا يعني أن الديمقراطية فقدت معناها، بل يكشف الفجوة الهائلة بين الحلم والواقع. بينما المطلوب أن يتحول هذا اليوم من مجرد ذكرى عالمية إلى لحظة سودانية للتفكير الجاد في المستقبل، والتأكيد على أن الخروج من الحرب لا يمر إلا عبر بوابة الديمقراطية. فالسودان، الذي قدّم آلاف الضحايا عبر ثلاث ثورات في سبيل الحرية والعدالة، يستحق أن يترجم هذا الإرث إلى مشروع وطني جديد، حيث تكون الديمقراطية ليست حلماً بعيد المنال، بل قاعدة لبناء دولة مستقرة تسع الجميع وفي النهاية، قد يكون اليوم العالمي للديمقراطية فرصة مهدرة في السودان هذا العام، لكنه يظل بمثابة جرس إنذار يدعو إلى أن تدرج الديمقراطية في صميم الأجندة الوطنية، مهما كان وقع الحرب ومهما كانت صعوبة الطريق فلا بد من الديمقراطية وان طال السفر كما يقول فتحي الضو..
وليس بعيدا عن موضوع الديمقراطية المغيبة بل من صميمها ما جرى للزميلة الصحافية المهنية المحترمة لينا يعقوب، اذ ان المقابل لغياب الديمقراطية هو تسيد الديكتاتورية والاستبداد والصلف وقمع الحريات وتكميم الافواه وشيوع منهج لا اريكم الا ما ارى ولا تسمعوني إلا ما اطرب وانتشي لسماعه، فما جرى للصحافية لينا يعقوب، مديرة مكتب قناتي العربية والحدث بالسودان، هو ايقافها وسحب ترخيصها، ولكم ان تعجبوا وتدوا ربكم العجب عن سبب هذه العقوبة المتعسفة، تخيلوا ان السبب هو زعم السلطة المتسلطة انها نقلت أخباراً قد تعرّض (الأمن الوطني والمصلحة العامة للخطر)، أها يا العشاء بلبن وماهي هذه الاخبار التي تعرض الامن الوطني والمصلحة العامة للخطر، تصوروا ان هذه الاخبار هي بثها تقريراً عن الرئيس المخلوع عمر البشير، تحدث عن وجوده وامتيازاته في الحجز، طيب يا العشاء بلبن نفترض ان لينا كاذبة ومغرضة ومتحاملة ولها اجندة، فما هي الحقيقة المناقضة لما ذكرته لينا التي هربت منها ولم تذكرها، اين يوجد المخلوع البشير وزمرته هل هو في السجن المكان الذي يفترض ان يكون فيه، وهل يقضي وقته مثله مثل اي محبوس وما هو وضعه بالضبط، افيدونا بروايتكم الرسمية، والمثير للسخرية أن القرار ضد لينا سبقته وتزامنت معه حملة منظمة ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي استعانت فيها السلطة بجيش من اذنابها والمطبلين لها من جماعة اشعارات بنكك الخضراء ليقوموا بالتمهيد للقرار الجائر، والطريف المضحك أن السلطة حرصت على أن تطمئن قناتي العربية والحدث بأن القرار لا يستهدفهما، بل يخص الصحافية شخصياً. كأنما تحاول ان تقول نحن لا نعادي الصحافة، بل فقط نحب أن نكمم الصحافيين فأي منطق هذا بربكم فما الصحافة الا هؤلاء الصحافيين، يا سادة، المشكلة ليست في لينا يعقوب وحدها. فالقضية أكبر وهي ان حرية الصحافة في السودان تتعرض لخنق ممنهج، يبرر نفسه بعبارات فضفاضة مطاطة يمكن أن تعني أي شيء مثل المصلحة العامة، الأمن الوطني، الاستقرار. هذه الكليشيهات أصبحت بمثابة قميص عثمان تلوح به السلطات لاخراس أي صوت مخالف.. وشكرا جزيلا لينا لأن تقريرك كشف لنا ان الوضع العام وسلطة بورتسودان من فرط هشاشتهما، صار مجرد نقل معلومة أو بث تقرير يعد جريمة، وطرح سؤال مؤامرة، وتقصي حقيقة خيانة وطنية..