سلام السودان.. حلم مؤجل ومعركة لا تُحسم بالسلاح بل بالإرادة والعدالة
كتب.. حسين سعد
مع حلول اليوم العالمي للسلام،
في كل عام، يتجدد الحديث في العالم عن قيمة السلام وأهميته حيث تتوقف الشعوب والحكومات عند معاني التعايش، المصالحة، ووقف الحروب باعتبارها حجر الأساس للتنمية والعدالة والكرامة الإنسانية غير أن هذه القيم تبدو بعيدة المنال في السودان، البلد الذي أنهكته الحروب الأهلية والصراعات المسلحة والانقسامات السياسية لعقود طويلة. فبينما يرفع العالم شعارات التسامح والأمن، يعيش السودانيون واقعا مغايرا؛ واقع يتسم بغياب السلام وبتفاقم النزاعات التي امتدت من العاصمة الخرطوم إلى دارفور وكردفان والجزيرة، مهددة وحدة الدولة ومستقبلها.
واقع مثخن بالجراح..
السلام في السودان ظل طوال تاريخه الحديث أقرب إلى حلم مؤجل منه إلى واقع ملموس، حيث أُبرمت العديد من الاتفاقيات بدءاً من أديس أبابا 1972، مروراً باتفاقية السلام الشامل 2005، و اتفاقيات ابوجا والدوحة وسلام الشرق وصولا الي اتفاق جوبا 2020، لكن جميعها تعثرت أو انهارت أمام جدار الانقسامات الداخلية، وانعدام الإرادة السياسية، وضعف المؤسسات، وتدخلات القوى الإقليمية والدولية. ومع اندلاع الحرب الأخيرة في أبريل 2023، دخل السودان مرحلة جديدة أكثر مأساوية، إذ تحولت الخرطوم ومدن أخرى إلى ساحات قتال مفتوحة، وانهار النسيج الاجتماعي، وتضاعفت معاناة المدنيين الذين وجدوا أنفسهم ضحايا للتشريد والمجاعة والعنف.
نداء عاجل..
من جهته وجه أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة نداء عاجلا لوقف الحروب حول العالم، وذلك في كلمته بمناسبة إحياء اليوم الدولي للسلام، الذي يصادف 21 سبتمبر من كل عام، ويحمل هذا العام شعار: “اعملوا الآن من أجل عالم يسوده السلام”.
وأكد غوتيريش أن “السلام هو ما ينشده الجميع، وهو الطريق الوحيد لإنهاء المعاناة وتحقيق التنمية المستدامة”، مشيرا إلى أن الحروب المتفاقمة تمزق المجتمعات، وتزهق الأرواح، وتحرم الطفولة من براءتها، وتنتهك كرامة الإنسان”.
انتهاكات متزايدة..
وقال الأمين العام إن العالم يشهد انتهاكات متزايدة للقانون الدولي، وأعدادا غير مسبوقة من النازحين الذين لا يطلبون سوى العيش في سلام، محذرا من أن آثار الصراعات تتجاوز حدود الدول لتطال الأمن والاستقرار العالميين، داعيا الى إسكات أصوات الأسلحة، وبناء الجسور، وتحقيق الاستقرار والازدهار.
كما شدد على أهمية الترابط الوثيق بين السلام والتنمية المستدامة، موضحا أن تسعة من أصل عشرة بلدان تعاني من أكبر التحديات التنموية ترزح تحت وطأة النزاعات.
تحديات عديدة..
ونرى ان التحديات التي تواجه السلام في السودان تتمثل في
1. استمرار الحرب وتمدد خطاب الكراهية والعنصرية وانقسام القوى السياسية والنقابات وتكاثر المجموعات المسلحة . حيث أدى غياب رؤية وطنية موحدة إلى إطالة أمد الحرب، حيث تتنازع قوى متعددة على الشرعية والسلطة، بينما يغيب مشروع جامع يمكن أن يوحد السودانيين حول قيم الحرية والسلام والعدالة.
2. تسييس العملية السلمية:
كل محاولات الوساطة، سواء الإقليمية أو الدولية، اصطدمت بأجندات ضيقة ومصالح متناقضة، ما جعل السلام رهينة للتوازنات السياسية والعسكرية بدلاً من أن يكون استجابة لمعاناة الشعب.
3. تفاقم الأوضاع الإنسانية:
ملايين النازحين واللاجئين في الداخل والخارج يشكلون تحدياً أمام أي عملية سلمية، لأن إعادة إعمار ما دمرته الحرب يتطلب استقراراً أمنياً وإرادة سياسية قوية، وهو ما لا يتوفر حتى الآن.
4. الإفلات من العقاب وغياب العدالة الانتقالية:
استمرار ارتكاب الانتهاكات دون مساءلة يضعف فرص المصالحة ويكرس ثقافة العنف، حيث لا يمكن بناء سلام دائم من دون عدالة شاملة تعيد للضحايا حقوقهم وتمنع تكرار المآسي.
5. التدخلات الإقليمية والدولية:
السودان أصبح ساحة صراع بالوكالة، حيث تلعب قوى خارجية أدواراً متناقضة تزيد من تعقيد الأزمة، وتجعل مسار السلام أكثر هشاشة.
6. التدهور الاقتصادي وانهيار الدولة:
غياب الخدمات الأساسية وانتشار الفقر والمجاعة يعمّقان من مشاعر الغضب والاحتقان، ما يصعّب مهمة تثبيت أي اتفاق سلام دون معالجة جذرية للأوضاع المعيشية. وانهيار المشاريع الزراعية ونهب الثروة الحيوانية والصمغ العربي وتهريب الذهب واستخدامه في الحرب
الخاتمة:
في اليوم العالمي للسلام، يقف السودان في مفترق طرق تاريخي: إما أن يواصل الانحدار نحو التفكك والفوضى، أو أن يلتقط قادته ومجتمعه المدني اللحظة ليضعوا أسس سلام حقيقي ومستدام. التحديات جسيمة، لكنها ليست مستحيلة إذا ما توفرت الإرادة السياسية الصادقة، ووضعت معاناة المدنيين فوق المصالح الضيقة. فالسلام في السودان لن يُفرض من الخارج، بل ينبع من الداخل عبر مصالحة وطنية شاملة، وعدالة انتقالية، ورؤية جديدة لبناء الدولة تقوم على المواطنة لا على الانتماءات الضيقة.
إن غياب السلام في السودان ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة لصراعات يمكن تجاوزها إذا اجتمعت الإرادة والرغبة في التغيير. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج السودانيون إلى أن يجعلوا من قيم اليوم العالمي للسلام واقعاً ملموساً على أرضهم، حتى تتحول دماء الحرب إلى بذور حياة، وأنين النزوح إلى أناشيد أمل لمستقبل مختلف.