الجمعة, سبتمبر 19, 2025
الرئيسيةمقالاتظواهر سالبة في زمن الحرب

ظواهر سالبة في زمن الحرب

ظواهر سالبة في زمن الحرب

ام خالد – جدة

لقد أفرزت هذه الحرب كثيرًا من الظواهر السالبة التي تستحق التوقف عندها. فالبعض يسعى للظهور بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك على حساب الذوق العام والقيم التي اعتدناها. ومن الملاحظات التي شدت انتباهي مؤخرًا، مشاهد لبعض السيدات في وسائل الإعلام وهن يحرصن على إظهار نقوش الحناء في أيديهن وكأنها علامة أساسية للظهور. ثم امتد الأمر من إظهار اليدين إلى ما هو أبعد، حيث شاهدنا مذيعة في أحد الاحتفالات الدينية تجلس قبالة ضيوفها وقد كشفت ساقها بلا مبالاة، في مشهد لا يليق بالمناسبة ولا بالمقام. وهنا يثور السؤال: إلى أين نمضي من مظاهر “رفع الذراع” إلى “رفع الساق”؟ وهل هذا ما تحتاجه بلادنا في مثل هذه الظروف العصيبة؟ وماذا جنى ضحايا كارثة ترسين من مظاهر البذخ والاحتفالات العابرة؟ أليس الأجدر أن توجه مثل هذه الجهود والفعاليات لدعم المنكوبين والمحرومين داخل السودان، بدلًا من أن تتحول إلى مظاهر استعراض لا طائل من ورائها؟في زمن الحروب والأزمات، تتكشف على السطح كثير من الممارسات السالبة التي تعكس خللاً في الأولويات وانفصاماً بين معاناة المواطنين وما تقوم به بعض الجهات الرسمية. فبينما يعيش الشعب ظروفاً قاسية من انعدام الأمن وندرة السلع الأساسية وانهيار الخدمات، نرى صوراً أخرى تناقض الواقع وتثير الدهشة والاستياء.

من أبرز الأمثلة على ذلك، ما أقدمت عليه وزيرة الصناعة والتجارة مؤخراً بزيارتها إلى اليابان للمشاركة في فعالية رسمية، غير أن اللافت لم يكن أصل المشاركة بل شكلها؛ حيث اصطحبت الوزيرة وفداً كبيراً يضم فرقة فنية كاملة قدمت عروضاً غنائية ورقصات، في مشهد بدا منفصلاً تماماً عن حال البلاد الغارقة في الدمار والنزوح والفقر. مثل هذه التصرفات تطرح أسئلة ملحّة: بأي منطق يتم الصرف على وفود موسعة في زمن الحرب؟ وكيف يتقبل المواطن الذي يكابد للحصول على الغذاء والدواء أن تُنفق الأموال على مظاهر احتفالية لا تتسق مع الظروف الراهنة؟ أليست أولى هذه الموارد بتخفيف الأعباء عن النازحين ومداواة الجرحى وإعادة تأهيل ما دمرته الحرب؟ إنها صورة مصغرة لظواهر أوسع تتمثل في غياب الحس بالمسؤولية وتقديم الشكليات على حساب الجوهر. فحين يغيب الانضباط في ترتيب الأولويات، تصبح الدولة مرآة مشوهة تعكس مزيجاً من اللامبالاة والترف غير المبرر. المطلوب في هذه المرحلة ليس مزيداً من الإنفاق على مظاهر دعائية، بل التركيز على ما يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع: إدارة رشيدة، شفافية، وتركيز كل الموارد المتاحة على دعم صمود المواطنين. فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى حين تتجلى المفارقات بهذا الشكل الفاضح بين خطاب المعاناة وواقع الممارسة. إن الحرب تكشف المعادن الحقيقية، ولا عزاء لمن يصرّ على إهدار المال والفرص في ما لا ينفع ولا يعكس سوى غياب البوصلة الوطنية. إننا في أمسّ الحاجة اليوم إلى وقفة صادقة تعيد ترتيب أولوياتنا. فالتمايل والظهور الإعلامي لا ينقذ وطنًا ولا يخفف عن ضحايا. وما أحوجنا لأن نصحو على حقيقة أن الوطن أولى بكل جهد وبكل يد ممدودة بالعطاء.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات