الأربعاء, أبريل 30, 2025
الرئيسيةمقالاتعروة الصادق يكتب :لساتك الثورة ومتلازمة الجنرال العكسي

عروة الصادق يكتب :لساتك الثورة ومتلازمة الجنرال العكسي

عروة الصادق يكتب :لساتك الثورة ومتلازمة الجنرال العكسي

من قال يا برهان: “إن الثورة تُهان”، وسكت، فقد خان، من سمع البرهان يستهزئ بتحية الشهداء و”اللساتك” و”فلان وعلان”، وهو لا يزال يُصفّق له أو يلتزم الصمت، فعليه أن يسأل نفسه: في أي صف هو؟ البرهان في لحظة تهكّمه الفجة هذه لم يكن فقط يهين هتافًا ولا سخر من لافتة، بل كان يطلق النار مجددًا على جثامين الشهداء، ويغرس رمحه في قلب أمٍّ لم تجف دموعها بعد، ما قاله البرهان ليس زلة لسان، بل خلاصة مشروع يستمر ليتزلف للحزب المحلول وسدنته وكتائبه بالاساءة لثوابت الثورة السودانية أمام متغيرات الحرب.

هذه الحرب، منذ لحظة إشعالها، لم تكن حرب “هيبة دولة” كما كذبوا، ولا “حرب كرامة” كما أوهموا البسطاء، هذه حرب اجتثاث للثورة، انقلاب بالنار بعدما فشل الانقلاب بالأمر الواقع، الجنرال المسعور، المريض بعقدة السلطة، لم يعد يجد ما يختبئ وراءه، فخلع القناع أخيرًا، ونطق بما ظلّ يُرمز له طويلًا: الثورة ليست عدوه الظاهري فقط، بل هي خوفه الأول، وكابوسه الأخير، فقد قالها بلسانه: لا مجد لـ”اللساتك”، أي لا مجد لأول ثائر أشعل الفكرة، وسدّ الطريق، وقال “تسقط بس”، ولا مجد لفلان وعلان، أي لا مجد لرفاق الدم والميدان، لمن اقتلعوا رأس نظامه الأسبق، وأتوا بالبرهان الخطيئة، وها هو يلعق حذاءه اليوم ليستعيده.

ما قاله البرهان ليس نسيانًا ولا هذيانًا عابرًا، بل دليل على أن بوصلة الجنرال توقفت عن الدوران، وأن دماغه السياسي دخل مرحلة “الجمود الانقلابي المتأخر” و “الجحود الإنساني القاتل”، وهي متلازمة جديدة يمكن أن نطلق عليها اسم “متلازمة الجنرال العكسي”، حيث يتحول القائد إلى أداة في يد المشروع الذي يُفترض أنه خاض الحرب ضده، ويبدأ بالتصويب على الضحايا بدلاً من الجلاد، وعلى الثورة بدلاً من الاستبداد.

البرهان الآن، محاصر بنيران الحقيقة: الحزب المحلول الذي سلّمه زمام المعركة، بدأ يستعيد مفاصله، وخطابه، وماله وسلطته، وكتائبه، وعناصره في مؤسسات الدولة من بوابة بورتسودان، والجنرال لا يملك إلا أن يُنفّذ، لأنه أضعف من أن يقود وأجبن من أن يواجه، وما عاد يتحدث عن “مدنية” إلا سُخرية، ولا عن “انتقال” إلا إنكارًا، أما الذين لا يزالون يُصوّرون الحرب على أنها معركة شرف ضد “الدعم السريع”، فليعلموا أن الشرف لا يمرّ عبر محطات الحزب المحلول، ولا يتغذى على خطب “كيزان” التنظيم و”رباطة” الأمن، ولا ينمو في تربة الجنرالات الذين سقطوا أخلاقيًا قبل أن يسقطوا ميدانيًا.

إلى شباب الثورة الذين ضُللوا بالدعاية العسكرية وضلوا عن طريق رفاقهم المعبد بالصدق والتجرد، والذين ظنوا أن الوقوف مع الجيش هو وفاء للشهداء: لا تنخدعوا، إنهم يُريدون منكم أن تحرسوا عودة النظام الذي قتل رفاقكم، يريدون أن تصفّقوا لقاتل بالأمس لأنه فقط يقتل خصمًا مختلفًا اليوم واتفق معه وخطط ودبر ونفذ فض اعتصام القيادة العامة، إن الثورة ليست حطبًا يُلقى في نيران الصراع بين أدوات القتل، الثورة مشروع حياة، لا منصة لانتقام متبادل، ولا غنيمة في بازار الجنرالات.

لكنهم أخطأوا التقدير، فالثورة لا تُمحى بمدفع، ولا يُسخر منها دون رد. يا برهان، إن أردت أن تُطفئ ذاكرة الناس، فاحرق التاريخ كله، امحُ أسماء الشوارع، وبدّل أسماء المدارس، واقتل كل من هتف، لكنك لن تقدر على إعدام الفكرة، ولن تجد بين يديك إلا الخواء، لأن من يعادي الثورة، لا يُهزم فقط، بل يُدفن في التاريخ كعارٍ، لا كقائد.

لن ننسى.

ولن نسامح.

ولن نغفر.

ولن نُصافح يدًا تسخر من شهدائنا وتفتح ذراعيها للقاتل القديم.

ختامًا: إذا كان السخرية من “اللساتك” هي لسان حالك، فلتعلم أن الثورة ستضع لساتكها الأخيرة أمام قصرك، وأمام صمت هذا العالم، كما حرقت أول لستك أمام بوابات الظلم.

وطالما أنك يا برهان قلت أن المجد للبندقية، فاعلم أن آخر عهدك بالحياة سيكون كما وعدتك طلقة غادرة ممن عبدت لهم طريق العودة إلى السلطة على الجماجم والدماء، وسيكون مصيرك أبشع من جميع ممن سبقوك واستقووا بالبندقية على شعبهم الأعزل.

هذا عهد.

لا مزاح بعد الآن.

ولا حصانة لمن يحاول أن يُطفئ الضوء في عيوننا بنكتة جنرال.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات