قراءة وتعليق في حيثيات وصية محكوم بالإعدام تكشف جوانب خفية من عمق أزمات السودان.
كتاب حكاية إعدام جوزيف لمعده د ضيو مطوك (١٤/ ١٥ ) .
بقلم الصادق علي حسن
كتاب رواية إعدام جوزيف توافرت فيه بينات مبدئية كافية لمحاكمة ظاهرة حركة الإسلام السياسي في السودان وحزبها المؤتمر الوطني، محاكمات علنية مفتوحة أمام محكمة الشعب السوداني والجمهور (محاكمة دينيا واجتماعيا وسياسيا وجنائيا).
في كتابه حكاية إعدام جوزيف أهتم معده د ضيو مطوك بوصية جوزيف جون باك الذي تم اعدامه ظلما عن جريمة لم يرتكبها، وقد أوصى قبل إعدامه بأن تروى حكايته، واصبحت الوصية وعدا للأحياء (ولازم تُحكى حتى يشعر بالراحة الأبدية) كما جاء بصفحة (٩٩) المشهد التاسع عشر من الكتاب . لقد انفصل جنوب السودان.
وتكشفت الحقيقية لأسرة جوزيف أو على الأقل لعدد منها او من محيطها أو من يلم بتفاصيلها وتفاصيل وقائع جريمة مقتل محي الدين أحمد شريف باللأماب واتهام جوزيف جون باك بسبب ذكر زميل القاتل لإسم يوسف في مسرح وكان جوزيف ذلك الإسم الذي أطلقه عليه في الخرطوم ، وقد تمت محاكمته عن جريمة لم يرتكبها واعدامه، واتضح عقب التوقيع على تقرير المصير لجنوب السودان وإجراء الإستفتاء في نهاية الفترة الانتقالية التي مدتها ست سنوات ، فقد أورد الراوي في كتابه (انه وفي الترتيبات الأمنية ، وافق الطرفان الموقعان على اتفاق السلام على إنشاء قوة مشتركة لحماية المدن الرئيسة والشخصيات الهامة وتم إرسال ١٥٠٠ مقاتل من الجيش الشعبي إلى الخرطوم من بينهم يوسف مارتن الذي قتل محي الدين في اللأماب وفر مع صديقه باتجاه الرميلة ، ومنها سافرا صباح اليوم التالي إلى جنوب السودان عبر كوستي وانضما إلى الجيش الشعبي ، أيضا كان من بين البنود المتفق عليها العفو العام على مقاتلي الجيش الشعبي في الجرائم السياسية المرتكبة ضد الدولة ،ولم يشمل العفو الجرائم ذات الطابع الشخصي، إلا أن أسرة المرحوم جوزيف جون اتفقوا على قفل هذا الملف وعدم إثارة الموضوع) .
قفل الملف :
صحيح رأت أسرة المعدوم جوزيف جون باك قفل الموضوع وعدم إثارته والاكتفاء بتنفيذ وصية جوزيف حتى ترقد روحه في الملكوت بسلام وقد تبين لاحقا الجاني الحقيقي وهو جوزيف مارتن الذي التحق بالحركة الشعبية لتحرير السودان هو وزميله الذي كان حاضرا وشاهد عيان على ارتكابه للجريمة وكانا قد هربا إلى كوستي ومن ثم انضما للحركة الشعبية لتحرير السودان وقد صارا من ضمن القوى المختارة لحفظ السلام ، شخص قام بارتكاب جريمة وفر مع زميله وتمت ملاحقة غيره وسجنه لست سنوات ، ثم تمت إعادة محاكمته لأجل إعدامه بدلا عن عقوبة السجن ،وبذلك فإن القاتل الحقيقي بالإضافة لقتل محي الدين يكون قد تسبب في إعدام جوزيف جون باك ونما ذلك لعلم الأسرة فكان علبها الا تكتفي بقفل الملف بعد انفصال جنوب السودان، ولم يعد هنالك ما يهدد امنها بخاصة أن مثل يوسف مارتن وسلوكه المذكور في الكتاب لا يؤهلة للقيام باي دور سليم في صالح الحفاظ على السلام أو للخدمة العامة بمجتمع دولته الجديدة جنوب السودان . وبمثلما فلت يوسف مارتن من العقاب جراء قتله لمحي الدين أحمد شريف وقد هرب مع زميله إلى الجنوب وانضما للحركة الشعبية لتحرير السودان ، كما وقد تسبب في القبض على جوزيف وسجنه وإعادة محاكمته وإعدامه. ومن موقعه بالجيش الشعبي قد يمارس يوسف مارتن الانتهاكات والجرائم وهنالك كثر من الضحايا من أمثال جوزيف ، وقد يؤدي قفل مثل هذه الملفات إلى تقنين ظاهرة الإفلات من العقاب وإلى انتشار ظاهرة الجريمة المرتكبة المحمية بالسلطة .
إهداء :
أهدى الراوي د ضيو مطوك كتابه حكاية إعدام جوزيف (إلى أرواح الأبرياء ضحايا الفصل العنصري والصراع الإثني والديني) ،ولا شك أن إنسان جنوب السودان ظل يعاني في دولة السودان الأم منذ استقلال البلاد من الممارسات الخاطئة التي احدثت الفجوة وعدم الثقة في النفوس ، ففي ١٩٦٤ عقب ثورة اكتوبر المجبدة تم تعطيل استحقاق الجنوب للفيدرالية بمزاعم لا فيدرالية لشعب واحد، وظلت مشاركة ابناء الجنوب في إدارة الدولة مشاركة رمزية، كذلك طالت ممارسات الإسلام السياسي إنسان الجنوب وبصورة كانت حاطة بالكرامة الإنسانية، ولكن الأخطر في الممارسات التمييز السياسي الذي لم يعاني منه أبناء الجنوب فقط بل كل أبناء السودان ففي ظل تجربة التمييز السياسي ونظام حكم حزب المؤتمر الوطني ، كان هنالك عدد من أبناء جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق ضمن الشخصيات التي لها النفوذ والاعتبار لدى المؤتمر الوطني مثل غيرهم من بقية أبناء السودان الآخرين ، كما وكان كاهن كنيسة الشهيدين القبطية بالخرطوم الأب فيلو ساوث فرج من رموز حزب المؤتمر الوطني ، وقد مارست عناصر حركة الإسلام السياسي بدوافع الغبائن الاجتماعية والحقد السياسي الدفين الانتهاكات الجسيمة التي طالت الأبرياء وتم إعدام مجدي يعقوب ابن الأسرة الشهيرة في حر ماله الذي ورثه من والده ولم تشفع لوالدته التي ذهبت لعلي عثمان محمد طه ولعمر البشير وقد وسطت له والدته هدية للحيلولة دون إعدام ابنها بل تم إلى جانب تنفيذ الإعدام ،الاستيلاء على أموال ورث مورثه ،وظلت والدة الشهيد مجدي حزينة عليه وترتدي ثوب الحداد ولم تقلعه إلا بعد ثورة ديسمبر المجيدة ونجاحها في عزل البشير، فكانت الثورة هي من أدخلت الفرحة إلى قلبها منذ إعدام ابنها في ١٩ ديسمبر ١٩٨٩م بواسطة مجموعة تحمل في دواخلها تشوهات اجتماعية غائرة ، حكمت البلاد في غفلة الأحزاب بشعارات زائفة ، واوصلت بفسادها المتراكم وتجاوزاتها وانتهاكاتها المستمرة البلاد التي كانت مستقرة إلى مرحلتي التشظي والتقسيم .
في مقالنا الختامي القادم سنتناول الدروس المستفادة من حكاية إعدام جوزيف.