عبدالوهاب الانصاري
1-
طلب الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، من الرئيس، ترامب التدخل لإيقاف الحرب في السودان، ووافق.
و كان ردّ الرئيس ترامب حرفياً في خطابه أمام منتدى الاستثمار الأمريكي، السعودي بالقول: “طلب مني سمو ولي العهد التدخل لإيقاف الحرب في السودان، حيث بدا لي الأمر مهماً؛ بالنسبة له، وسأتدخل لوقف الحرب الفظيعة في السودان – رغم أنه خارج برنامجي – تلبيةُ لطلب الأمير”.
شكراً الأمير محمد بن سلمان، لقد وضعت قوة الدفع لمنصب الرئيس الأمريكي في إتجاه تقدم الرباعية لتندفع.
2-
إستخدام “نفوذ الرئاسة الأمريكي لوقف الحرب فوراً في السودان، يعني أن “اللعب الكيزني انتهى” ومساحات المناورة صفر. وضاقت الأرض بما أتسعت ورحبت؛ خاصةً بعد تصنيف “الحركة الاسلامية” منظمة ارهابية اجنبية أمريكياً.
إذاً ما المقصود بإستخدام، سلطات ونفوذ الرئاسة الأمريكية، التي حّث عليها الأمير بن سلمان وسعى بكل ذكاء للفت نظر الرئيس ترامب ؟
فقد أغلق مجال المناورة، لجيشها سعيه لعرقلة، كل مسعى للهدنة الإنسانية، ووقف إطلاق النار في حرب “الكيزان” المستعرة، على شعب السودان، ومع” تصنيف الحركة الإسلامية” جماعة الإخوان المسلمين “كمنظمة إرهابية أجنبية” في الولايات المتحدة، يصبح أمر سحقها مسألة وقت، وهم يعرفون ذلك، كما يعرفون أبنائهم، لذا ترى اللجلجة، والكبكبة، وأم هلهلة في “مجلس الأمن الدفاع” الذي غاب منه وزير الدفاع، مع إشاعة إستقالته، وصمت حكومته المريب من التوضيح، ورجفت وزير الخارجية “السفير محي الدين سالم” في تلاوة بيانه الختامي، قارئاً من ورقة أخرى، كانت معدة للخارج فيما يبدو؛ مستنجداً “بصبيرة” من على المنصة، يفزعوه بالورقة المعنية؛ منادياً “صبير” وهو يقصد الفريق ” أحمد علي صبيرة” مدير هيئة الاستخبارات العسكرية “مفروضة عليه، عقوبات دولية” من الاتحاد الأوروبي.
3 –
عندما يقول: الرئيس الأمريكي ترامب إنه سيستخدم “نفوذ الرئاسة”، فإنه يشير إلى الصلاحيات، الواسعة والفريدة، وقوة سلطة الرئيس الأمريكي، والثقل الرمزي الذي يتمتع، به رئيس الولايات المتحدة الامريكية.
حيث، لا يعني ذلك؛ سلطة قانونية واحدة محددة التأثير فحسب؛ بل يعني ذلك، إمتلاك حزمة شاملة من القدرات، القادرة على صناعة وتشكيل مشهد الأحداث، من خلال القيادة والضغوط الدبلوماسية، والسياسية، والاقتصادية، وحتى العسكرية التي يمتلكها الرئيس الأمريكي.
4-
■ ما هو المقصود عادةً بـ “صلاحيات ونفوذ الرئاسة” الأمريكية:
يقصد من ذلك حزمة من الكروت بالغة الخطورة وهي:
1- النفوذ الدبلوماسي:
يستطيع “رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، التواصل مباشرةً مع القادة الأجانب، وممارسة الضغط عليهم، من خلال المفاوضات، أو التوسط في محادثات السلام.
2- القدرة الاقتصادية:
“للرئاسة” قدرة التأثير، بفرض العقوبات بأوامر تنفيذية، أو تقديم حزم من المساعدات، أو قطع العلاقات التجارية، أو تقليصها، لدفع الدول نحو إجراءات محددة.
3 – القوة العسكرية:
حتى بدون تدخل مباشر، يمكن أن يكون للنفوذ العالمي، للجيش الأمريكي، أو حلف :الناتو” الذي تترأسه امريكا، بمثابة رادع قوي، أو ورقة مساومة ثمينه للهيمنة وفرض السيطرة ” مثل ما حدث مع ( أيران – حزب الله لبنان – حماس قطاع غزة” أمثلة حية حديثة).
4 – التأثير العالمي:
للرئيس الأمريكي كلمة ذات وزنٌ دولي، إذ تلفت الإنتباه العالمي، إلى النزاعات، وفق رؤيتها، وحشد الحلفاء أو المؤسسات، كالأمم المتحدة، ووكالاتها، والمنظمات القارية.
5 – السلطة الداخلية:
من داخل الولايات المتحدة، يستطيع الرئيس”ترامب” بصفته الرئاسية، حشد الكونغرس، ووسائل وشبكات الإعلام الضخمة، والمؤثرة في الرأي العام، لدعم مبادراته السياسية الخارجية، من داخل الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها.
خلاصة القول، الرئيس ترامب يقول: “أنا بصفتي الرئيس الأمريكي، سأستخدم نفوذي السياسي، والاقتصادي، والدبلوماسي، كرئيس لامريكا؛ للضغط على الأطراف المتحاربة في السودان لإجبارها لوقف القتال فوراً”.
■ الأمر لا يتعلق بإستخدام، آلية قانونية واحدة، بقدر ما يتعلق بإستخدام حزمة من المؤثرات، التي تليق بهيبة وسلطة المنصب “الاضخم” على الاطلاق. للتأثير على النتائج في الخارج.
وهنالك العديد من الأمثلة؛ غير المحددة على كيفية، استخدام الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأمريكية؛ لمثل هذا النوع من النفوذ في حسم النزاعات الخارجية:
● عملياً، غالباً ما كان “نفوذ الرئاسة” يعني استخدام، سلطة رئيس الولايات المتحدة، الواسعة ومكانته الفريدة، لصناعة وتتشكيل نتائج التأثير في النزاعات الخارجية؛ من خلال العمل الدبلوماسي، أو الضغط الاقتصادي، أو العمليات العسكرية المباشرة على الأرض.
■ بعض الأمثلة الملموسة في التاريخ:
التأثير الرئاسي الأمريكي في الصراعات الخارجية:
1- “جيمي كارتر” ( الرئيس رقم 39) “الحزب الديمقراطي”
تدخل في دفع، اتفاقيات كامب ديفيد (1978): توسط فيها، كارتر شخصياً ،مستخدماً صفته كرئيس للولايات المتحدة، بين الرئيس المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي “مناحيم بيغن” منما ساهم بمثابرته وسلطته المعنوية في إبرام اتفاقيات “كامب ديفيد” التاريخية، التي أدت إلى توقيع، معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي تُعدّ من أهم الإنجازات الدبلوماسية في تاريخ الشرق الأوسط، ومازالت صامده إلى يوم الناس هذا.
2 – بيل كلينتون (الرئيس رقم 42) “الحزب الديمقراطي”
تدخل في البلقان (التسعينيات): استخدم الرئيس بيل كلينتون، خيار عسكري، غارات حلف شمال الأطلسي (الناتو) و زاد عليها بالضغط الدبلوماسي؛ لإنهاء العنف العرقي في البوسنة.
كما ساعد في التوسط في اتفاقيات دايتون عام 1995، التي جلبت السلام إلى المنطقة.
3 – فرانكلين د. روزفلت (الرئيس رقم 32) “الحزب الديمقراطي”
تدخل في الحرب العالمية الثانية:
استخدام روزفلت القوة الاقتصادية، والعسكرية، الأمريكية معاً، لدعم معسكر الحلفاء قبل دخول الولايات المتحدة الحرب رسمياً لميدانها.
وقد ساهمت قيادته، في تشكيل التحالفات “مثل تحالفاته مع تشرشل وستالين” الذي ساهم في تحقيق النصر النهائي؛ في الحرب العالمية الثانية، وتشكيل مشهد ونظام ما بعد الحرب الثانية في العام 194.
4- جون ف. كينيدي (الرئيس رقم 35 ) ” الحزب الديمقراطي”
تدخل في أزمة الصواريخ الكوبية (1962): استخدم كينيدي حزمة مزدوجة من المؤثرات؛ عسكرية، و دبلوماسية؛ للضغط على الاتحاد السوفيتي حينئذ، لسحب صواريخه النووية من كوبا، مما أدى إلى تجنب حرب نووية محتملة.
5 – جورج بوش الأب (الرئيس رقم 41 ) “الحزب الجمهوري”
تدخل في حرب الخليج (1991) “عاصفة الصحراء” بنى بوش تحالفاً دولياً واسعاً، وحصل على دعم من منظمة الأمم المتحدة، تمكن من طرد القوات العراقية من الكويت.
وقد أظهر قدرته المبهرة في حشد الحلفاء، بقوة نفوذ الرئاسة في تنسيق العمل العالمي.
■ الخلاصه:
نستطيع أن نقول، أن الامير محمد بن سلمان، كان ذكياً جداً، وقد أفلح مستغلاً، هذه الفرصة النادرة، في مؤتمر خاص بالعلاقات، السعودية الأمريكية، لمساعدة الشعب السوداني في محنته. ولدرايته بخطورة وقوة منصب الرئاسة الأمريكي، وصلاحياته النافذة، إذ لا يقتصر “نفوذ الرئاسة” على قوة واحدة للضغط، بل هو حزمة من السلطات المؤثرة، سواء كان التأثير الدبلوماسي، أو النفوذ الاقتصادي، أو الكارزمة السياسية، أو القوة العسكرية الاعظم على الاطلاق، والقيادة الرمزية.
وقد أثبت الرؤساء السابقون، كما اوضحنا أعلاه؛ في إستثمار هذا النفوذ المنتفذ، و القادر على إيقاف الحروب، وإحلال السلام والأمن، وإعادة تشكيل التحالفات العالمية، بما يحفظ الأمن والسلم الدوليين، التي تهددهما “الحركة الإسلامية الإرهابية” والميليشيات الداعشية المتحالفة معها في السودان.

