حسين سعد
بقلوبٍ مكلومةٍ يعتصرها الأسى، ولكنها راضيةٌ بقضاء الله وقدره، ننعى الراحلة الغالية، الوالدة الحنونة والعطوفة، صاحبة القلب الأبيض والروح الطيبة واليد السخية، أمي خيرمنو الله جابو محمد الحسن التي كانت طوال حياتها نبعًا من الحنان والعطاء، لا تعرف البخل في العاطفة، ولا الضيق في الكرم، ولا التراجع في المروءة.
كانت أمًّا للجميع، وسندًا لمن عرفها، ومأوىً للقلوب المتعبة.
رحلت في الثالث من نوفمبر 2025م، بعد رحلة عمرٍ امتدت نصف قرنٍ في ديارٍ بعيدة عن مسقط رأسها، الحلليلة الشيخ موسي بمحلية الكاملين لكن القدر، بحكمته العجيبة، أعادها إلى حيث بدأت الحكاية؛ إلى ترابٍ تعرفه وتعرفه القلوب التي أحبّتها. هناك، حيث ترقد أمّها وأخواتها وإخوتها وزوجها سعد رزق الله وعشيرتها، عادت لتسكن بجوارهم كأنها لم تفارقهم يومًا.
لقد غادرتهم شابةً، فعادت إليهم أمًّا وجَدّةً محمّلةً بتجارب العمر ووجع السنين، لتختم رحلتها بين أحضان من سبقوها بقريتها الحبيبة الحليلة الشيخ موسي ، أصابها في أيامها الأخيرة كسرٌ في رجلها، فدخلت المستشفى بكل جلدٍ وصبرٍ عجيب، وابتسامتها لا تفارق وجهها رغم الألم. وكانت تقولي لي عبر الهاتف إنها بخير ، أُجريت لها عملية جراحية ناجحة، وكنا نتهيأ للاحتفاء بسلامتها، نحمل الأمل ونُعدّ كلمات الشكر والكرامة، لكن الموت باغتنا قبل أن تكتمل فرحتنا، وأخذها برفقٍ في لحظةٍ بدت كأنها نومٌ طويل، لتغادرنا تاركةً خلفها فراغًا لا يُملأ وحنينًا لا يُطفأ.
يا لها من مفارقةٍ تُوجِع القلب وتُسكِنه في الوقت نفسه — أن تُدفن الأم في ذات المقابر التي احتضنت أحبّتها، كأن الأرض فتحت ذراعيها لاستقبال ابنتها التي غابت طويلًا، لكن الحرب الكارثية اعادتها من الخرطوم ثم عادت لتستريح أخيرًا بينهم، وبالرغم من غيابي بعيدا عنهم لكن لحظة موتها اتصلت علي اختي وكانت معها الطبيبة لمنحها العلاج وفي اقل من دقيقة فارغت الحياة وصوت النحيب في اذني .
كانت الراحلة وجهًا من وجوه الطيبة السودانية الأصيلة، تحمل في ملامحها الصفاء وفي صوتها الدعاء، تُحسن الظن بالناس، وتُبقي للخير مكانًا في كل موقف. لم تعرف الغلّ ولا القسوة، بل عاشت تسامح وتبتسم وتُعطي، حتى آخر أنفاسها.
نم قريرة العين يا أمّي الحبيبة، فقد أديتِ رسالتكِ في الحياة على أكمل وجه، وها أنتِ الآن بين أحبّتكِ الذين سبقوك، في دارٍ لا تعب فيها ولا وجع.
رحمكِ الله رحمةً واسعة، وجعل مثواكِ الجنة، وجمعنا بكِ في مستقرّ رحمته، وإنا لله وإنا إليه راجعون
مع السلامة أمي خيرمنو – عودةٌ إلى الحضن الأول
مقالات ذات صلة

