مع تفجر صراع الشرعيات: الشكوك تحيط بالحراك الأمريكي نحو السودان
ذو النون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
تقديم: تستضيف الولايات المتحدة اجتماع المجموعة الرباعية حول السودان في 29 يوليو، والتي تضم مصر، السعودية، الإمارات، إلى جانب مشاركة دولتي قطر وبريطانيا، يهدف الاجتماع، استكشاف حلول تضع حدا للحرب المشتعلة منذ قرابة العامين في السودان.
معطيات:
– خلال القمة المصغرة بين الولايات المتحدة وأفريقيا في 9 يوليو 2025، في واشنطن، صرح ترامب علنا أن الولايات المتحدة تعتزم إعادة الانخراط دبلوماسيا بشأن السلام في السودان، مشيرا إلى خطط لعقد اجتماع لوزراء خارجية أربع دول في واشنطن يركز على الصراع في السودان.
– في مارس 2025، أطلق النائب غريغوري ميكس، مشروع قانون باسم قانون المشاركة الأمريكية في السلام السوداني يدعو لتجميد مبيعات الأسلحة إلى أي دولة تدعم طرفي النزاع في السودان، وإنشاء مبعوث خاص للسلام.
– في الثاني من يوليو، أعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الإفريقية، أن الولايات المتحدة ستستضيف لقاء وزاريا لبحث الأزمة في السودان وإحياء المبادرة الرباعية. وذلك بمشاركة وزراء خارجية السعودية والإمارات ومصر، إلى جانب بريطانيا وقطر.
– قال المستشار القانوني لقوات الدعم السريع محمد المختار يوم 22 يوليو، أنهم تلقوا اتصالاً من مسؤولين في الإدارة الأميركية بخصوص اجتماع واشنطن حول سلام السودان ” طلبنا منهم أن يكون التواصل عبر تحالف السودان التأسيسي -تأسيس- وليس الدعم السريع، وأنه سينظر في مخرجات الاجتماع، ومدى جديتها في وقف الحرب”.
تحليل:
– تواجه الولايات المتحدة صعوبات في جهودها لحل الأزمة السودانية، أبرزها غياب الثقة بين أطراف النزاع، كما أن الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، يرفضان الاجتماع المباشر من أجل التفاوض لوقف إطلاق النار بالرغم من تكرار المقترح من قبل الاتحاد الافريقي في مايو2023، بالإضافة الى محاولات الأطراف الدولية في منبري جدة وجنيف.
– لم يفض تعدد الفاعلين الإقليميين مثل مصر، الإمارات، السعودية، تشاد، وإثيوبيا الى نتائج حقيقية في وقف الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب، حيث تضاربت الأجندات والمصالح، فطرفا الصراع المسلح يستندا الى داعمين اقليميين، الامر الذي عرقل الجهود الدولية والامريكية التي تسعي لتوحيد الرؤية الإقليمية حول الحل السياسي للحرب في السودان.
– ضعف الضغط الدولي الموحد على أطراف الحرب في ظل انقسام مجلس الأمن وعدم وجود رغبة أوربية أو صينية او روسية في التدخل المباشر، وهو ما يمثل عقبة أخري أمام نجاح أي مبادرة للسلام
– يرى مراقبون، ان انقسام القوي السياسية والمجتمعية السودانية، وتراجع دورها لأسباب موضوعية منها، الاستقطاب من قبل حملة السلاح وحول المكونات ما قبل السياسية، جهويا واثنيا، حيث غيبت الحرب القاسم القومي الجامع والشعور بوطن واحد. غياب الدور الوطني المأمول للقوى السياسية والمجتمعية التي لعبت دورا محوريا في السودان رغم سنوات الاضطراب السياسي والقمع، كان سببا في حالة العجز السياسي الراهن، ولم يتمكن تحالف قوي الحرية والتغيير، ومن بعده تحالف القوي الديمقراطية المدنية” تقدم” برئاسة عبد الله حمدوك من لعب دور يعيد البلاد للمسار السياسي المدني.
– وفقا للمصادر، تدور الخطة الأمريكية حول محورين، إعلان الوقف الفوري للأعمال العدائية يتبعه جهود للجمع بين قائدي الحرب البرهان ودقلو، لكن ذلك يصطدم بتمسك قائد الجيش بشرعيته في السلطة وتمثيله للسيادة السودانية من خلال التفاوض باسم حكومة السودان وليس بصفته كقائد للجيش.
– في ذات الوقت فان اعلان نيالا بتشكيل حكومة بمجلس رئاسي وحكومة موازية لحكومة البرهان في بورتسودان ، من شأنه تعقيد جهود الرباعية الدولية واجتماع نيويورك والجهود الامريكية حول السودان، ويدخل الوسطاء في صراع الشرعيات، مثلما حدث في منبر جنيف أغسطس 2024م الذي فشل جراء تمسك بورتسودان بسيادة حكومتها وأطراف التفاوض.
– يري العديد من المراقبين، أن تصريحات الإدارة الأمريكية حول إعادة الاهتمام الدبلوماسي الأمريكي بالسودان من خلال الإشارة للاجتماع الرباعي لوزراء الخارجية، غير مدعوم بخطوات ملموسة، حيث لم يتم تعيين مبعوث خاص أو فريق وساطة أمريكي متخصص بالسودان حتى الان، على الرغم من مرور 7 شهور على إدارته الجديدة، مع استمرار إدارة ترامب تجاهل الحرب في السودان وتركه لمفاعيله الداخلية.
– الأمر الاخر، أن السودان لا يدخل في اطار إستراتيجية الدبلوماسية التجارية لحكومة ترامب، والتي تهدف في المقام الأول إلى تأمين مصالحها الاقتصادية، أبرزها الوصول إلى المعادن النادرة في سباقها مع الصين وروسيا من أجل السيطرة على مصادر الطاقة والموارد الطبيعية عبر خلق الفرص من خلال الاستثمار في البلدان المضطربة والغارقة في النزاعات المسلحة، مثلما حدث في توسطها لتوقيع اتفاق سلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية لاحتواء حركة إم 23 في 18أغسطس بواشنطن.
خلاصة
** اعلان حكومة الدعم السريع في نيالا قبل يومين من اجتماع رباعية السودان برعاية أمريكية في نيويورك ، من شانه ان يزيد تعقيد الموقف حول السودان ، في مواجهة شرعيتان مدججتان بالسلاح ، ومشروعان متعارضان لمستقبل البلاد.
** نجاح المبادرة الأمريكية مرهون بتوفر المصلحة الأمريكية المباشرة في وقف الحرب، وبالتوافق الإقليمي والدولي حول السودان، وحضور إرادة التهدئة والثقة بين أطراف الحرب, وتفعيل الدور المدني الداعم للعملية السلمية أو حدوث تحولات مفاجئة في ميزان القوة العسكرية على الارض.
**من غير المتوقع أن تصدر عن اجتماع المجموعة الرباعية قرارات ملزمة، لكن الاجتماع قد يشكل خطوة تمهيدية لعمل دبلوماسي بمقاربات جديدة ، عمادها التعويل على الأطراف الإقليمية العربية لإنجاز وقف إطلاق نار، خاصة وأن صراع السودان لم يعد محصورا داخل حدوده، بل بدأ يُلقي بظلاله الثقيلة على دول الجوار، مهددًا بانفجار أزمات داخلية وفوضى أمنية إقليمية.