الخميس, نوفمبر 20, 2025
الرئيسيةمقالاتمن واشنطن إلى الرياض: هل ينتقل ملف السودان من مؤسسات أمريكا إلى...

من واشنطن إلى الرياض: هل ينتقل ملف السودان من مؤسسات أمريكا إلى دبلوماسية اللحظة بين ترامب ومحمد بن سلمان؟


✍️ ثناء فضل عبدالقادر العاقب
مقدمة
أثار تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية مساء أمس الأربعاء 19 نوفمبر 2025 ;بأنّه «لا يعرف حقيقة الحرب في السودان» جدلًا واسعًا، ليس فقط بسبب غرابة التصريح، بل بسبب توقيته، وسياقه، وطبيعته التي تعكس تحولًا محتملًا في طريقة إدارة الولايات المتحدة لملف السودان.
فالولايات المتحدة بمؤسساتها الضخمة، وسفارتها المعتمدة في الخرطوم، ومبعوثيها المتعددين—ليست دولة يمكن لرئيسها أن يجهل حربًا بحجم الحرب في السودان.
لذلك، بدا التصريح أقرب إلى رسالة سياسية منه إلى حقيقة معلوماتية.
وفي وقت يتراجع فيه الزخم الدولي حول السودان، برز الدور السعودي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كأحد أهم التحولات الفاعلة في مسار الأزمة، خاصة بعد زيارة ترامب الأخيرة للرياض في شهر مايو المنصرم وتواصله المباشر مع قيادة المملكة وزيارة ولي العهد لأمريكا أمس .
أولًا: هل يجهل ترامب حقيقة الحرب؟ أم يتعمّد فتح مساحة تفاوض سياسية جديدة؟
ترامب لا يتحدث من فراغ، لكنه يستخدم أسلوبًا معروفًا في السياسة الدولية يُسمّى:
“دبلوماسية التقليل” — أي التقليل من أهمية ملف ما، لا لغياب المعرفة، بل لخلق مساحة لإعادة ترتيب مسار الملف وفق رؤيته الشخصية.
وبالتالي، فإنه من المستحيل منطقيًا ألا يكون البيت الأبيض مطلعًا على الوضع السوداني.
لكنّ ترامب يستخدم كثيرًا أسلوب الإنكار لتمييز نفسه كهوس عن الإدارات السابقة
فالبيت الأبيض محاط بـ:
• مجلس الأمن القومي
• وزارة الخارجية
• المخابرات المركزية
• البنتاغون
• بعثة USAID
• وسفارة تعدّ من أضخم سفارات أمريكا في إفريقيا
ما يعني أنّ عدم معرفة حقيقة الحرب مستحيل عمليًا.
إذن، تصريح ترامب ليس جهلًا؛ بل إشارة لعدم رضاه عن مقاربة مؤسساته في إدارة الملف، وربما رغبة في سحب الملف إلى مستوى القرار الشخصي داخل البيت الأبيض.
ثانيًا: هل يكذب ترامب أم يقلل من دور مؤسساته؟
ترامب يمارس منذ سنوات ما بات يُعرف بـ:
«الدبلوماسية الشخصية» أو «دبلوماسية اللحظة»
التي تعتمد على:
• تجاوز البيروقراطية
• اتخاذ قرارات سريعة مباشرة
• التفاوض عبر العلاقات الشخصية مع القادة
• التقليل من دور المؤسسات لإظهار نفسه كصاحب القرار الأول
لذلك، عندما يقول «لا أعرف»، فهو في الحقيقة يقول:
«لا أعترف بالطريقة التي أُدير بها الملف حتى الآن، وسأعيد صياغته بطريقتي.»
ثالثًا: الدور الحقيقي للمبعوث الأمريكي والسفارة الاميركية في الخرطوم
المبعوث الأمريكي
دوره ليس بروتوكوليًا، بل جوهريًا، ويتضمن:
• جمع وتحليل معلومات يومية عن الوضع السياسي والعسكري
• التواصل مع الأطراف السودانية والإقليمية
• رفع تقارير لمجلس الأمن القومي
• اقتراح مسارات للتفاوض أو الضغط
لكن المبعوث لا يملك حق رسم السياسة؛ بل ينفّذ ما تقرره مؤسسات واشنطن.
السفارة الأمريكية في السودان
سفارة الخرطوم من أكبر السفارات الأمريكية في إفريقيا، ودورها يمتد إلى:
• العمل السياسي
• التحليل الاستخباري
• مراقبة البحر الأحمر والقرن الإفريقي
• إدارة برامج المساعدات
• التنسيق مع السعودية والإمارات ومصر
وجود هذه السفارة ينفي تمامًا أن أمريكا «لا تعرف» ما يجري في السودان.
لكنه يفسر أن تصريح ترامب قرار سياسي محسوب.
رابعًا: لماذا قال ترامب: «لا توجد حكومة في السودان»؟
هذا التصريح يرتبط بقضية رئيسية:
1) غياب سلطة مركزية موحدة
الحرب أدت إلى تباعد مؤسسات الدولة، وتعدد القوى المسلحة، وضعف الانتشار الحكومي المركزي في بعض الولايات بسبب الحرب .
2/ إعادة توصيف سياسي للوضع المعقد في بعض اجزاء السودان في دارفور وجنوب كردفان وليس حكمًا معرفيًا.
خامسًا: خلفية العلاقات السودانية–الأمريكية: من الدعم إلى العقوبات ثم الانفتاح ثم الحرب
العلاقات بين الخرطوم وواشنطن مرّت بأربع مراحل رئيسية:
1) الشراكة الهادئة (الخمسينيات – الثمانينيات)
كانت أمريكا داعمًا تنمويًا وسياسيًا، واستفادت استخباريًا من موقع السودان خلال الحرب الباردة.
2) العقوبات والقطيعة (1989 – 2016)
إدراج السودان على قائمة الإرهاب وفرض عقوبات شاملة شكّل نقطة تحول، وجعل واشنطن لاعبًا مؤثرًا في مسارات دارفور والانفصال في جنوب السودان .
3) الانفتاح المحدود (2016 – 2020)
رفع بعض العقوبات، تعاون استخباري، ونقاشات حول التطبيع، لكن بقيت العلاقة هشّة.
4) ما بعد الثورة ثم الحرب
دعمت واشنطن الانتقال، لكنها لم تقدّم دعمًا اقتصاديًا كافيًا، ثم تجمدت مواقفها مع اندلاع الحرب، مكتفية بالعقوبات والتحرك الدبلوماسي المحدود.
هذا التاريخ يفسر لماذا يشكك بعض السودانيون اليوم في قدرة أمريكا على لعب دور حاسم.
سادسا :دور المملكة العربية السعودية
خلال زيارة الرئيس ترامب إلى الرياض في مايو الماضي شهدت العلاقات الأمريكية–السعودية تحوّلًا استراتيجيًا.
وقد برز الأمير محمد بن سلمان كشريك رئيسي لواشنطن في الملفات الإقليمية، من بينها:
• سوريا
• اليمن
• البحر الأحمر
• مكافحة الإرهاب
• واستقرار القرن الإفريقي، بما فيه السودان
الأمير محمد بن سلمان — كما هو معروف — يُظهر قدرة استثنائية على التقاط الفرص السياسية والتحرك السريع، مع فهم عميق لمعادلات القوة في المنطقة.
وقد نجح في بناء علاقة مباشرة مع ترامب تتجاوز البروتوكول التقليدي.
هذا ما يفتح سؤالًا استراتيجيًا:
هل ينتقل ملف السودان من المؤسسات الرسمية الأمريكية إلى «خط ساخن» بين ترامب ومحمد بن سلمان
سابعا : لماذا فرح السودانيون بالدور السعودي المتوقع؟
لم يكن الترحيب السوداني بالتدخل السعودي عاطفيًا؛ بل قائمًا على اعتبارات واضحة:
1) لأن السعودية طرف مؤثر وصاحب نفوذ إقليمي حقيقي
لها علاقات متوازنة مع الجميع، ولا تسعى لتقسيم السودان أو استنزافه.
2) لأنها الدولة الوحيدة التي جمعت السودانيين في «منبر جدة»
ووفّرت منصة يمكن البناء عليها سياسيًا وأمنيًا.
3) لأنها تتحرك بجدية أكبر من القوى الدولية الأخرى
بينما تراجع الدعم الغربي، بقيت المملكة مع دول اخرى في المنطقة تعمل بفاعلية ومسؤولية.
4) لأن ولي العهد يمارس دبلوماسية ناجحة مع القوى الدولية
الأمير محمد بن سلمان يمتلك:
• قدرة عالية على استثمار اللحظات
• علاقات قوية مع واشنطن
• رؤية استراتيجية للاستقرار الإقليمي
5) لأن التواصل المباشر بين ترامب ومحمد بن سلمان يفتح مسارًا جديدًا
مسار قد ي bypass المؤسسات البطيئة، ويقود إلى:
• تفاهمات سريعة
• خارطة سلام حقيقية
• إعادة ترتيب المشهد السياسي السوداني
سابعًا: نحو انتقال محتمل لملف السودان من واشنطن إلى الرياض
إذا صحّ الاتجاه الجديد الذي ألمح إليه تصريح ترامب، فقد يشهد السودان:
• انتقال الملف من غرف المؤسسات الأمريكية المعقدة
إلى طاولة القرار الشخصي داخل البيت الأبيض
• وتحول الدور السعودي من وسيط إقليمي
إلى شريك رئيسي في صياغة الحل النهائي
وهذا التحول ليس سلبيًا، بل يعكس حقيقة جديدة في الشرق الأوسط:
أن القوى العربية الصاعدة—وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وقطر ؛ باتت جزءًا أساسيًا من هندسة الاستقرار في المنطقة ،
ختاما
بين دبلوماسية ترامب الشخصية ورؤية الأمير محمد بن سلمان الاستراتجية هل يدخل السودان مرحلة حاسمة ؟؟
تصريح ترامب لم يكن جهلًا، ولم يكن خطأً لغويًا، بل كان إعلانًا سياسيًا بأن الملف السوداني قد ينتقل إلى مستوى جديد من المعالجة، مستوى يقوم على:
• دور مباشر للرئيس
• شراكة استراتيجية مع السعودية
• قراءة جديدة لطبيعة الحكم والسلطة في السودان
• تجاوز بطء المؤسسات التقليدية
ومع حضور سعودي قوي، وشفافية القيادة الشابة للأمير محمد بن سلمان ، قد تتحول الأزمة السودانية من حالة انسداد إلى فرصة لحل تاريخي.
ويبقى الأمل أن يفتح هذا الحراك السياسي بدعم الأشقاء ورغبة السودانيين بابًا لسلام دائم مبني على الاستقرار
وأن يُحدث الله جل وعلا برحمته وعدله—بعد كل هذا الألم—أمرًا يحمل الخير للسودان وأهله وخياراته

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات