ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
تقديم: تشهد الساحة السودانية تصاعدًا في وتيرة الحراك السياسي والعسكري، بعد إعلان قوات الدعم السريع موافقتها على الهدنة الإنسانية المقترحة من الآلية الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، في مقابل تمسك الجيش السوداني بخيار المواجهة العسكرية كطريقٍ لتحقيق الحسم الميداني بدلاً من الدخول في تسوية سياسية.
في التفاصيل:
• أعلنت قوات الدعم السريع” في السودان، الخميس6 نوفمبر، موافقتها على الدخول في الهدنة الإنسانية المطروحة من دول الآلية الرباعية، الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، والتي تمتد من 3 إلى 9 أشهر
• عقد مجلس الأمن والدفاع جلسة طارئة في 5 نوفمبر برئاسة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حيث دعا المجلس إلى مواصلة التعبئة العامة والاستنفار الشعبي للقضاء على ما وصفه بـ “المليشيا المتمردة ومرتزقتها”. وأكدت مخرجات الاجتماع أن لا هدنة في الوقت الراهن، وأن الأولوية للحسم العسكري.
• وعد مساعد قائد الجيش السوداني، الفريق ياسر العطا، يوم الثلاثاء 4 نوفمبر خلال اجتماع مع قادة القوة المشتركة في الخرطوم، بتحقيق نصر حاسم على قوات الدعم السريع، واستبق العطا اجتماع مجلس الامن والدفاع بتصريح صحفي ربط فيها وقف إطلاق النار باستسلام قوات الدعم السريع وتجميعها في معسكرات خارج المدن وتسليم أسلحتها ومعداتها العسكرية, كما طالب بـمحاكمة مرتكبي الجرائم والمتعاونين مع الدعم السريع، سواء كان التعاون سياسيًا أو إعلاميًا أو عسكريًا، مؤكّدًا أنه لن يكون هناك أي دور سياسي أو عسكري لعائلة للدعم السريع في مستقبل السودان.
• يواصل طرفا الحرب السودانية تحشيد قواتهما في إقليم كردفان، مع غارات جوية متبادلة بطائرات مسيّرة، حيث قامت قوات الدعم السريع باستهداف مناطق شمال وجنوب وغرب كردفان، وشن الجيش هجمات بطائرات مسيّرة قالت قوات الدعم السريع انها انطلقت من قاعدة خارجية، لتستهدف مناطق في شمال ووسط دارفور.
• أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن واشنطن تتابع الوضع في السودان “عن كثب” ، مؤكدة أن الإدارة الأميركية منخرطة بجدية في هذا الملف، وأنها على تواصل مستمر مع الشركاء العرب في الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، وبريطانيا) ، بهدف دفع الجهود نحو تسوية سلمية رغم تعقيد المشهد
• أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على عدم إمكانية الحل العسكري، وأن تقسيم السودان خط أحمر بالنسبة لمصر، محذرًا من أن خيار التقسيم سيقود إلى كوارث إقليمية.
تحليل:
لم يرد الجيش السوداني رسميا على مقترح الرباعية المتضمن للهدنة حتى الان، بالرغم من اجتماع مجلس الأمن والدفاع الذي لم يعط إجابة نهائية على الاقتراح، في الوقت الذي أعرب فيه عدد من القادة العسكريين النافذين والحلفاء داخل تيار الحرب من الحركات المسلحة والجماعات الاسلامية عن رفضهم للهدنة.
يعود السبب وفق عدد من المحللين لسيطرة القوي الإسلامية على مركز القرار السياسي داخل تكتل بورتسودان ورفضها لمقترح الرباعية الرامي لإبعادهم من العملية السياسية وفق بيانها الذي أشار صراحة لانتهاء دورهم السياسي في السودان والمنطقة (لا يمكن أن تملي جماعات متطرفة وعنيفة – بعضها مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين – سياساتها على المنطقة، بعد أن أدى نفوذها المزعزع للاستقرار إلى تأجيج العنف والفوضى في السودان والمنطقة).
يتقاطع موقف التيار الإسلامي الرافض للعملية التفاوضية التي ترعاها دول الرباعية، مع موقف حركات الكفاح المسلح المنضوية في القوة المشتركة، والتي تنظر إلى قوات الدعم السريع بوصفها خصمًا سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا ينازعها النفوذ في دارفور والخرطوم.
يشكّل هذا التقاطع جبهة ضغط موحّدة على تيار التسوية داخل المؤسسة العسكرية، بقيادة القائد العام عبد الفتاح البرهان ونائبه شمس الدين الكباشي، لدفع الجيش نحو مواصلة الحرب بهدف تحسين شروط التفاوض المستقبلية.
يرى مراقبون أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تمكين تيار الحرب من الحفاظ على مصالحه وامتيازاته داخل الدولة المركزية، عبر استمرار سيطرته ذات الطابع الجهوي على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
شروط الجيش، مزيدا من التصلب:
كشفت مصادر داخلية، أن ورقة الجيش تطالب بأن تكون مدة الهدنة تسعة أشهر بدلًا من ثلاثة أشهر، وتوسيع إطار وساطة الالية لتشمل تركيا وقطر، وانسحاب قوات الدعم السريع من حاميات الجيش المحاصرة في بابنوسة والأبيض واعلوج من منطقة المثلث الواقعة في الحدود المشتركة بين السودان وليبيا ومصر، إلى جانب وقف الحشود العسكرية وسحب القوات من مناطق شمال كردفان -النهود، وبارا، وام صميمة، والخوى- مع سحب القوات إلى مواقع تمركز محدّدة. أيضا إزالة جميع منصات إطلاق الصواريخ والمسيرات والطائرات بدون طيار حتى آخر نقاط تواجد الدعم السريع في غرب كردفان.
تصلب موقف بورتسودان وفق مصادر خاصة, يعود لعاملين يعول عليهما تيار الحرب الاسلامي في حربه المصيرية مع قوات الدعم السريع, إحداهما عقد شراكة براغماتية مع تيار الشرق الأوسط الجديد, من خلال التخلي عن الثوابت الايدلوجية والانضمام للحلف الابراهيمي الذي تقوده الولايات المتحدة لصالح إسرائيل ومصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر, مقابل إستمرارها في السلطة كممثلة لقوي الاعتدال, والعامل الاخر يتمثل في تطوير ترسانتها الجوية بمنظومة روسية من أجل إيقاف تقدم قوات الدعم السريع بعد سيطرته على مدينة الفاشر مؤخرا، وتنفيذ استراتيجيتها المتعلقة باستعادة سيطرته على دارفور وكردفان، وذلك وفق تقارير موثوقة، ذكرت أنها سرعت مفاوضاتها السرية لشراء طائرات مقاتلة، بدأت منذ أواخر أغسطس، حيث تواصلت القيادة العسكرية مع وسطاء روس لمحاولة اقتناء طائرات من طراز سوخوي (Su-27 وSu-30)، لكن محدودية التوفّر في روسيا أعاقت الصفقة. بالتوازي، طرحت مفاوضات بدائل عبر استغلال مخزونات في دول وسط آسيا ككازاخستان وأوزبكستان، مع تركيز خاص على محركات يمكن تركيبها — من بينها محركات مستخلصة من طرازات Su-24 أو من طائرات K-8 (صينية-باكستانية).

الخلاصة:
** تكشف التطورات الأخيرة عن عمق الانقسام داخل معسكر بورتسودان بين دعاة التسوية السياسية وأنصار الحسم العسكري، في ظل موقف متصلب من القيادة العسكرية في بورتسودان المدعومة من التيار الإسلامي وحركات الكفاح المسلح الرافضة للهدنة المقترحة من الآلية الرباعية.
** هيمنة القوى الإسلامية على مركز القرار السياسي في تكتل بورتسودان تمثل أحد الأسباب الرئيسة لعدم صدور موقف واضح من الجيش، خاصة في ظل رفض تلك القوى لمقترح الرباعية الذي يهدف إلى إبعادها عن العملية السياسية المستقبلية
** يمنح قبول قوات الدعم السريع بالهدنة أفضلية سياسية، إذ يظهرها كطرف منفتح على المسار السلمي ويسهم في تحسين صورتها الدولية والتخفيف من حدة الانتقادات المرتبطة بملف انتهاكات حقوق الإنسان والضغوط الدولية المتزايدة.
في المقابل، يضع هذا التطور الجيش أمام خيارات معقدة بين الحفاظ على تماسك حلفه السياسي والعسكري من جهة، والموازنة بين صورته السياسية والتزاماته أمام القوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
** ستواصل الالية الرباعية الدفع نحو تسوية سلمية طويلة الأمد، وسط مؤشرات على أن الصراع قد يتجاوز البعد العسكري إلى تنافس أيديولوجي وإقليمي أوسع حول من يملك حق تشكيل مستقبل الدولة السودانية واتجاهها السياسي في المرحلة المقبلة في حال استمرار القتال، ما ينذر باستمرار النزاع وتعقيد أفق التسوية في السودان.

