هل ستشغل التكوينات الإجتماعية والجهوية الفراغ السياسي ومهام وأدوار الأحزاب السياسية السودانية .
بقلم الصادق علي حسن .
في الأيام الفائتة قمت مع زملائي أعضاء المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات وهيئة محامي دارفور ومن تلقاء أنفسنا من دون أن تطلب منا أي جهة، بمخاطبة الوسيط الأمريكي للتنبيه بعدم إغفال أوتجاوز أدوار الأحزاب السياسية السودانية باعتبارها صاحبة الشأن في الأمر السياسي السوداني، وبيان الخلل الذي يحدثه ذلك الإغفال أو التجاوز . إن من ضمن مهام المجتمع المدني تعزيز مباشرة الحقوق والحريات المكفولة والتثقيف والرقابة على ممارساتها ، كما وتندرج ضمن مهام المجتمع المدني العامة تعزيز وتقوية الأحزاب للاضطلاع بمهامها والأدوار المنوطة بها في خدمة المجتمع وتمثيله في الشأن السياسي سواء أن كان داخليا أوخارجيا في المحافل والمنابر الإقليمية والدولية، حيثما أرتبط بحث الأمر الداخلي بالخارج بمثل الأزمة السودانية المستفحلة والحرب العبثية الدائرة على رؤوس المدنيين . ولهذه الأسباب المذكورة وأخرى تواصلنا مع قسم الشؤون السودانية بالبعثة الأمريكية للسودان بأديس أبابا وأرسلنا عبره بمذكرة مشتركة معنونة لمستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية والشرق الأوسط السيد مسعد بولس الذي يقوم حاليا بدور الوسيط بين طرفي الحرب الدائرة في السودان ،وقد التقى مؤخرا بجنيف بالفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش الذي يشغل المنصب الرئاسي في إدارة الدولة، كما وفي الأخبار هنالك معلومات غير مؤكدة أنه التقى أو الأقل تباحث مع قيادة الدعم السريع . إن الأحزاب السودانية هي المعنية بالتقرير في الشأن السياسي السوداني ، ولكن على أرض الواقع لم تعد للأحزاب تأثيرها على الحياة العامة بالبلاد، ولكن وعلى الرغم من ذلك الواقع المحزن، فإن مهامها الأساسية تتمثل في العمل السياسي وتمثيل الإرادة السياسية للشعب السوداني بغض النظر عن مدى سلامة هذا التمثيل.
إن الباحث في سبر غور الأحزاب السودانية ، قد لا يجدها تمثل إرادة صحيحة لجماهيرها ، فهي لا تعقد مؤتمراتها وإذا عقدتها لا تكون بصورة كاشفة للتعبير الصحيح عن إرادة عضويتها ، كما وان غالبيتها صارت غير مسنودة بجماهير حقيقية ،وهنالك منها ما هي أقرب ما تكون في عدد عضويتها لمنظمات المجتمع المدني السوداني، والإثنتان معا تباشران الآن صفة تمثيل إرادة الشعب السوداني وتنوبان عنه من دون أي تفويض إنتخابي للتقرير في مصيره ومستقبله، ولأن البناء الحزبي السوداني في غالبيته لا يقوم على ديمقراطية قاعدية ، ظهرت الفوارق وهشاشة الأحزاب وعدم قدرتها على مباشرة مهام إدارة الدولة ،مما ساهم في ظهور المعارضات المسلحة التي صارت ببندقيتها أقوى من الأحزاب في التأثير السياسي والاستقطاب ، ولتواضع تجربة وتأهيل قيادات الحركات المسلحة وصلت من خلالها لقيادة الدولة أشخاص قد لا تتوافر فيهم مؤهلات مدخل سلم الوظيفة العامة ، فصار الذين يعملون في خدمة قيادات الحركات المسلحة التي تتولى الوظائف السيادية والتنفيذية الرفعية في الدولة أكثر تأهيلا من قادتها .
تسعة أحزاب سودانية أمدت المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات وهيئة محامي دارفور بردودها حول الرؤية المشتركة التي تقدمتا بها للوسيط الأمريكي ، وكل الردود اتفقت على مسألة واحدة، ومطلبا وأحدا هو ضرورة وقف الحرب العبثية الدائرة، مع عدم الممانعة لأي جهود تبذل من أجل وقف الحرب وإقرار الحل السلمي للأزمة السودانية .
لحوالي شهرين كاملين ونيابة عن زملائي وبالتشاور معهم ظللنا في حالة تواصل مع الأحزاب، والكتابة إلى قسم الشؤون السودانية بالبعثة الأمريكية للسودان بضرورة عدم إغفال دور الأحزاب السودانية ،وقد كانت هنالك استجابة لمقترح سماع وجهة نظر الأحزاب السودانية التي تقدمت بردودها ،وإلى هنا أنتهى دورنا، وكان المقترح أن ينعقد الإجتماع يوم الخميس ٢/ ٩ / ٢٠٢٥م القادم . ولأسباب أستجدت لم يكن هنالك من خيار سوى إلغاء الإجتماع المقترح بطلب من جانبنا والاعتذار، فالإجتماع الذي لا يخدم غرضه ليس له معنى . هنالك صعوبة بالغة في أن تجتمع الأحزاب السودانية لتبحث فيما بينها القواسم والمشتركات . لقد آن أوان استشعار الأحزاب السودانية لمطلوبات مباشرة مهامها، ومن الأفضل لها أن تتجاوز الانقسامات السياسية وتعيد النظر في أدائها لتباشر مهامها بصورة مؤثرة . فالأوضاع عقب الحرب لن تكون مثل قبلها، فالمناطق والقبائل والحواضن الإجتماعية ظهرت في الممارسة السياسية، ولن يستقر الشأن السياسي العام وإدارة الدولة هكذا بحكم الأمر الواقع . في دارفور وكردفان ظهرت معالم انموذج حفتر ليبيا، كما وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش لن تتوقف مطالب مظالم التهميش بمثل ما يتحدث القيادي الأهلي شيبة ضرار وينتقد بشدة البرهان ويقول بأن البرهان وكامل إدريس من جهة واحدة . من نتائج الحرب العبثية ، خلخلة ركائز الدولة الموحدة والوجدان المشترك . لقد كان يمكن للأحزاب إذا تعافت أن تكون الترياق، ولكنها صارت غير قادرة حتى على توظيف السوانح.
الأجيال القادمة ستكون سيئة الحظ ولن تجد حكومة موحدة في دولة مستقرة تقوم بمقام إدارة الدولة وتقديم الخدمات ، بل ستعاني من نتائج آثار الحرب ،كما وهنالك من لن يتمكن من التنقل خارج محيطه الداخلي ،حيثما صار في المناطق التي تم تشكيل حكومة افتراضية فيها ، فوثيقة السفر التي قد يحصل عليها من حكومة افتراضية لن تمكنه من السفر الخارجي إلا في إطار محدود كالوثيقة المؤقتة.
لقد أرسلنا لقسم السودان بالسفارة الأمريكية للسودان أسماء وارقام الأحزاب السودانية التي تقدمت بردودها ، ويمكنه أن يتواصل معها مباشرة . عسى ولعل هذه الأحزاب أن تباشر مهامها بوصفها صاحبة الشأن حتى لا يتم التقرير في غيابها من خلال مشروعات محتملة سواء من خلال الوسيط الأمريكي او الرباعية إضافة للشركاء المحتملين الجدد. إن غياب الأحزاب السودانية عن مائدة التفاوض بشأن السودان ، وعلى الرغم من تواضع قدراتها، قد تزيد من استفحال الأوضاع المتأزمة. فتنشأ أوضاع جديدة بفاعليين جدد ، يستمدون صفاتهم من اتفاقيات فوقية تجد الرعاية والسند الدولي ، وقد لا تخدم بالضرورة مصلحة الشعب السوداني أو التحول المدني الديمقراطي ، وذلك ما يُعرف بحصاد الهشيم .