الجميل الفاضل يكتب: سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟! “تقدم” هل نحروها، أم إنتحرت؟!
وَإِذَا “هي” سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟!”.
فما الجواب؟
أتصور أن سؤالا محوريا ربما ينشأ هنا أيضا، هو: هل “تقدم” التي عجزت عن إيقاف الحرب لعامين، كانت قادرة هي أصلا علي فرض أي نوع من أنواع السلام؟!
إذ ظل أهل الْمَوْءُودَة “تقدم”، يتعاطون لنحو عام أو يزيد، مع واقع السودان المعقد، بفقه أضعف الإيمان، الذي يبيح لمن لا خيل له يهديها ولا مال، العمل بنصح المتنبيء الذي يقول:
“فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ”.
لكن ما أن أدرك بعض القوم، أن إحسان النطق علي جودة مثاله، لن يسعد شعبا مرغت الحرب أنفه في الرغام، شعب يعاني أكثر من أمرين، جوعا ينكره السلطان، ونهبا لا يقر به من مارسه في كل مكان، بل وتقتيلا ما أنزل الله به من سلطان، ذبحا وحرقا وإغراقا، وقصفا أرضيا وجويا، يطال حتي المركبات، والمخيمات، وأحياء المدن، وأسواقها، وسكانها في بيوتهم، ثم قهرا وإذلالا وتمييزا مهينا، وتعذيبا بذنب أو بغير ذنب، يمارس تشفيا وانتقاما في وضح النهار، ترتب عليه تشريد الناس الي كافة المنافي الممكنة بعيدة أو قريبة، وتهجيرا مستمرا من ديار الي ديار بلا هدي وبلا قرار.
إذ هو في الحقيقة “نطق” ما عاد يغني الناس شيئا، والحرب قد أحالت بويلاتها هذه، حياتهم كلها لجحيم شامل لا يطاق.
علي أية حال فقد وجدت “تقدم” التي كان يعول عليها البعض كثيرا، نفسها علي محك الفعل عند مفترق، أن تكون قادرة وفاعلة كما ينبغي أن تكون، أو لا تكون.
وهو مفترق قد قاد بالفعل طرفين من “تقدم”، الي طريقين مختلفين متوازيين، لن يلتقيا أبدا.
طريق عنوانه: تشكيل حكومة شراكة بمناطق سيطرة قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش والإسلاميين من ورائه، وطريق كتب عنوانه علي لافتة رمادية، هو طريق “صمود” علي الحياد بين الطرفين المتقاتلين، مع عدم الإعتراف نظريا علي الأقل، بأي من الحكومتين، حكومة “بورتسودان” القائمة، والأخري التي يزمع أن تقوم موازية لها، علي ذات الأساس، أساس الأمر الواقع.
علي أية حال، لا أتصور أن تشكيل هذه الحكومة المرتقبة، سيكون حدثا عابرا تعدو به الريح كيفما اتفق.
إذ أن مجرد ميلاد هذا الجنين من حمل وقع هو خارج الرحم وبهذه الطريقة، يمثل ذلك بحد ذاته نقلة وتطورا نوعيا كبيرا، في طبيعة صراعات السلطة بالسودان، وفي ظني أن هذا الحدث غير المسبوق في تاريخنا، من الطبيعي أن يصادم هو مصالح ومشاعر بعض السودانيين.
رغم أن عرابو الفكرة كانوا قد دأبوا منذ إعلانها، علي إرسال رسائل طمأنة للجميع، يؤكدون من خلالها بإلحاح لا ينقطع، علي أن حكومتهم قامت لأجل غايتين فقط، هما إحلال السلام في كافة ربوع البلاد، وكذا الحفاظ علي وحدتها أرضا وشعبا.
رغم أن شعار “لا للحرب” الذي أطلقه تحالفهم السابق المنهار، كان قد ظل هو معلقا في الهواء، بلا ساقين يمشي عليهما، وبلا جناحين يحلق بهما الي يومنا هذا.
فقد أخفق التحالف في أن ينزل بهذا الشعار الي الأرض، من خلال وسيلة عقيمة أثبتت عدم جدواها، تتلخص في محاولة إقناع طرفي الحرب بوقفها ولو لحين.
لدرجة ربما تثير الشك في أن من أطلقوا هذا الشعار البراق، كانوا لا يريدون من ورائه أكثر من تبرئة للذات من الاتهام بالصمت والبلاد تحترق يوميا أمام أعينهم.
المهم هل تصبح هذه الحكومة فرصة للتحرر والإنعتاق النهائي من ربقة الواقع المعقد والشائك، الذي صنعه حكم الإخوان المسلمين قبل أكثر من ثلاثة عقود؟.
إذ أن مجرد إعلانها ربما يمثل مغامرة أو فرصة، أو تحديا محفزا للخروج من السياق النمطي والتاريخي للبحث عن الحلول في السودان.
فقد قال مثل: “أن أم الجبان، لا تفرح ولا تحزن”.
وقال أبو الطيب:
لَولا المَشَقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ
الجودُ يُفقِرُ وَالإِقدامُ قَتّالُ
وَإِنَّما يَبلُغُ الإِنسانُ طاقَتُهُ
ما كُلُّ ماشِيَةٍ بِالرَحلِ شِملالُ.
إذ لا يكلف الله في النهاية نفسا إلا وسعها.