الصادق علي حسن يكتب : رسالة مبادرة الفاشر وصلت (١)
رسالة مبادرة الفاشر . هذه الحرب العبثية أوصلت البلاد لهذه الدرجة من الخراب والدمار والقتل الجزافي بسبب ضعف قدرات من يتولون قيادتها، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قدراته متواضعة وكل هدفه الآن البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، لم يستطع التعامل مع السوانح والفرص بإيجابية حتى تقلصت ولم يعد أمامه من خيار سوى المواصلة في الحرب، قائد الدعم السريع حميدتي وجد المناخ ملائما لضعف الأحزاب والقوى السياسية وتمدد وصارت طموحاته في السلطة وأسعة خاصة أن قيادات الجيش التي تقول سناء حمد بأنها حققت معها قيادات هشة نموذجها من أمثال الفريق أول صلاح عبد الخالق الذي أكد بأن حميدتي هو من كان يقرر وهو من وجه في السابق بوضع قائدهم المخلوع البشير في السجن ولم يكن بينهم من ينبس ببنت شفة. قيادات لقوات مسلحة بما فيها البرهان تنصاع لقائد قوات الدعم السريع الذي شاركوا في صناعته ليقوم نيابة عنهم بمهام الجيش في حماية الدولة وقد تفرغوا للاستثمارات.
الغباء السياسي :
في عام ١٩٩٧م قدم محامو دارفور المذكرة الثانية للمخلوع عمر البشير عن أحداث تباريك بولاية غرب دارفور وكانت المذكرة الأولى عن المعتقلين السياسيين، رفضت أجهزة البشير مجرد استلام المذكرة وتحولت المذكرة إلى حملة تكونت لها قيادات شعبية من أمثال العمدة محمد آدم بالحاج يوسف والعمدة عبد الرحمن الترزي المعروف بوسط السوق العربي والعمدة بخيت وناظر السميات معاذ آدم جلال الدين ومن القيادات السياسية الأستاذ محمد عبد الله الدومة والمرحوم أحمد محمد علي جقومي والمرحوم علي أبو زيد علي ، ونتيجة لغياب دور الأحزاب والقوى المدنية وقتذاك صارت المذكرة التي حملت إسم مذكرة أبناء دارفور إلى حملة كبرى ظل برنامج مع الشارع السوداني في اذاعة حركة تحرير السودان بقيادة د جون قرنق يرددها بصورة مستمرة كما ظلت صحف الرأي الأخر والأسبوع والشارع السياسي وغيرها تبرز حراكها المستمر للرأي العام السوداني بصورة شبه يومية ويكتب عنها في الصحف الأساتذة آمال عباس وإدريس الدومة من الرأي الأخر و عبد الحميد عوض وهاشم عبد الفتاح وعيماد عبد الهادي وأحمد يوسف التاي بالشارع السياسي ثم صالح عبد الله وجعفر السبكي بالأيام وظلت الحملة من خلال الصحف المحلية مستمرة ولم تظهر وقتذاك وسائل التواصل الإجتماعي. في عام ١٩٩٧ كان الدكتور رياك مشار قد انشق عن الحركة الشعبية بقيادة د جون قرنق ووقع اتفاق الخرطوم للسلام وتولى وظيفة مساعد المخلوع البشير، أرسل د. مشار سكرتيره مدثر التجاني بخاري يطلب الإجتماع ب(محامو دارفور) وانعقد الإجتماع بمقر سكنه بالخرطوم بحضور نائبه وحاكم ولاية الوحدة وقتذاك تعبان دينق وتصادف وجود قائد قوات حركته المرحوم اليجا هون قائد قوات دفاع جنوب السودان وحضرت ذلك الاجتماع مع الأستاذ آدم مصطفى وفي الإجتماع ذكر د رياك مشار أنه أطلع على المذكرة وكلها مطالب موضوعية ومشروعة وقال متسائلا لماذا يرفض البشير استلامها ، فكان الرد بأننا لا نعلم، وذكرنا بان والي ولاية الخرطوم رفض أيضا السماح بتسيير موكب للقصر لتسليمها وتقدمنا بطلب فتوى لوزير العدل حول مدى صحة مشروعية تجزئة ممارسة الحقوق المكفولة وتسيير المواكب ووالي ولاية الخرطوم مجذوب الخليفة يمارس التجزئة ويرفض السماح بتسيير موكب للقصر لتسليم مذكرة ويسمح بتسيير مواكب أخرى لمطالب خارج البلاد مثل مواكب مناصرة فلسطين وغيرها وكان وكيل وزارة العدل وقتذاك قد أصدر فتوى الوزارة المكتوب في الطلب المقدم بأن الحق في الخروج في المسيرات من الأمور التي تخضع للسلطات التقديرية لوالي الولاية.
في تعليق د. مشار أستغرب وقال ماذا يضير البشير إذا أستلم هذه المذكرة حتى وأن لم يعمل بها، وقال إذا رأيتم سأسلمها للبشير ، بعد فترة ارسل لي اللواء التجاني آدم الطاهر وبصورة مستعجلة وذهبت إليه في منزله مع الأستاذ آدم مصطفى وذكر لنا بأن البشير طلبه وكان معه وزير الدفاع وشخص ثالث قال لن يذكر إسمه وقال له (ماذا يطلب هؤلاء ومن يقف خلفهم) وكان رد اللواء التجاني كما قال لنا انه قال له (المذكرة تحتوي على مطالبهم ولا توجد خلفها جهة سياسية)، بعد فترة من ذلك أصدر محامو دارفور مع القيادات الأهلية من دارفور بولاية الخرطوم إعلانا بالإنطلاق من ميدان أبو جنزير لتسليم المخلوع البشير المذكرة وفي اليوم المضروب أحاطت الأجهزة الأمنية مبكرة بالميدان المذكور وقامت بحملة اعتقالات واسعة لكل المارة المشتبه في خروجهم للمسيرة وثقتها صحيفة الرأي الأخر والشارع السياسي وتناولتها وسائل الإعلام الخارجية . في عام ٢٠٠٢م بعد خمس سنوات من حملة مذكرة أبناء دارفور وأفق القصر الجمهوري والبشير نفسه على استلام مذكرة من المحامين بعد انقسام المؤتمر الوطني إلى مؤتمرين (وطني وشعبي ) وفي مكالمة من القصر تم تحديد إجتماع بالبشير وكان من ضمن حضور الإجتماع محامين من منسوبي المؤتمر الشعبي وأثناء دخول القصر الجمهوري تم إبلاغ الوفد بأن البشير لمقابلة طارئة اعتذر وكلف مستشاره للشؤون السياسية (الأمنية) وقتذاك د قطبي المهدي للإجتماع بالوفد وسيتحدد معه إجتماع آخر لاحقا للمتابعة واثناء الإجتماع سمع قطبي المهدي من الوفد ما لم يكن يتوقعه على الإطلاق ومن أهم ما ذكر ما قاله الأستاذ المرحوم خالد عبد المنان بأنه لا يوجد رئيس يحترم شعبه يبيح قتل الأسرى ويتحدث عن ذلك وتوقعنا جميعا الاعتقالات قبل الخروج من أسوار القصر الجمهوري وفي اليوم التالي خرجت صحيفة الوفاق (رئيس تحريرها المرحوم محمد طه محمد أحمد) وهي تنشر نص المذكرة في صفحتيها الأولى والأخيرة بعنوان عريض محامو دارفور مذكراتهم في القصر الجمهوري وجيوشهم خلف الجبل، كانت الحركات وقتذاك مجموعتان فقط وهما حركة تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد محمد النور وحركة العدل والمساواة بقيادة د خليل إبراهيم ولا تمتلكان سوى العدد المحدود من المقاتلين والأسلحة البسيطة ، في فبراير ٢٠٠٢م انعقد بالفاشر مؤتمر الفاشر التشاوري وكانت المطالب التي قُدمت من مجموعة القائد عبد الله أبكر وكان مني أركو مناوي مديرا لمكتبه محددة في دفع تعويضات قدرها مبلغ ١٣٥ مليون جنيه سوداني لقتلى الصراعات الأهلية (بين فرعي زغاوة قلا وأولاد زيد) وقرر والي ولاية شمال دارفور وقتذاك الفريق أول إبراهيم سليمان دفعها وحذر مما أسماه بدخول (البوت) لدارفور ولكن المؤتمرون رفضوا توجه الوالي الفريق أول إبراهيم سليمان وعلت الصيحات والتكبيرات بالحسم وصوت الفريق أول عبد الرحيم محمد، حسين والآخرين ، لم تكن هنالك لجان مقاومة ، لقد حضرت المؤتمر المذكور بدعوة من أبناء مدينة الفاشر وليس من منظمي المؤتمر وسمعت ضجيج هتافات منسوبي المؤتمر المذكور من داخل القاعة ، والآن بعد مرور أكثر من عقدين من الزمان تحول ظرف المطالبة بمبلغ خمسة وثلاثين مليون جنيه وتحذير من دخول البوت إلى مدينة الفاشر إلى محاصرة المدينة وقد سقطت عواصم ولايات دارفور الأربع الأخرى.
من غرائب الأقدار أطلق رئيس حركة جيش تحرير السودان الأستاذ عبد الواحد النور مبادرة نداء الفاشر لحماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية ووجدت المبادرة المناقشة والقبول ممن أطلعوا عليها وقاموا بتطويرها لتصبح مبادرة الموقعين عليها، ولكن لا يوجد حتى الآن من ينصح البرهان لإستلامها أو مجرد التعامل معها بإيجابية كالأمس كما فعل د رياك مشار، كما ولا يوجد من ينصح حميدتي في الجانب الأخر بالتعامل معها بإيجابية والأمر قد تجاوزهما ليتعلق بوجود الدولة نفسها وانتشالها من حافة الحرب الأهلية ، كما وقيادات الجيش لا تقرأ دروس التاريخ ولا تستفيد من الدروس.