بعثة تقصي الحقائق الدولية ” الجيش السوداني نفذ اعدامات خارج نطاق القانون ضد المدنيين بالخرطوم بدوافع انتقامية
جنيف:السودانية نيوز
قالت بعثة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الاثنين، إنها تحقق في إعدامات ميدانية نفذها الجيش ضد أفراد في المواقع التي استعادها .
وأدانت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان المجزرة التي أُفيد بوقوعها في نهاية الأسبوع، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص في مخيمات للنازحين في دارفور، محذّرة من أن النزاع المدمّر أصلاً في البلاد قد يتصاعد بشكل مأساوي مع دخول الحرب عامها الثالث.
وجددت البعثة دعوتها للأطراف المتحاربة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار والتوقف عن مهاجمة المدنيين، كما حثت الدول الأخرى على الامتناع عن تأجيج الحرب وضمان احترام القانون الدولي الإنساني.
وقال محمد شاندي عثمان، رئيس بعثة تقصي الحقائق: “مع دخول السودان عامه الثالث من النزاع، ينبغي لنا أن نتأمل في الوضع الكارثي في البلاد، ونكرم أرواح جميع السودانيين الذين فقدوا حياتهم أو تغيرت حياتهم إلى الأبد. لقد شهد العالم عامين من النزاع الوحشي الذي حاصر ملايين المدنيين في أوضاع مروعة، عرّضهم لانتهاكات ومعاناة لا نهاية لها في الأفق. وفي ظل تصاعد خطاب الكراهية والعنف الانتقامي القائم على أسس عرقية، نخشى أن أظلم فصول هذا النزاع لم تبدأ بعد”.
في 15 نيسان/أبريل 2023، استيقظ سكان العاصمة الخرطوم على أصوات إطلاق نار وانفجارات، إيذانًا باندلاع قتال عنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، سرعان ما انتشر في أنحاء البلاد. ومنذ ذلك الحين، قُتل آلاف المدنيين، وتعرض الكثيرون للاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي، والنزوح القسري، والتجويع، والنهب، وتدمير المنازل والمنشآت الصحية والأسواق والبنية التحتية المدنية الأخرى. ولا يزال عدد غير معروف من السودانيين في عداد المفقودين، بينما يستمر تهديد العاملين في المجال الإنساني والمدافعين عن حقوق الإنسان ومهاجمتهم.
وتحقق بعثة تقصي الحقائق، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان في تشرين الأول/أكتوبر 2023، في الانتهاكات المرتكبة خلال النزاع، من خلال جمع شهادات من الشهود والناجين من بعض أفظع الجرائم المرتكبة في البلاد. وقد حصلت البعثة مؤخرًا على روايات مباشرة عن فظائع ارتُكبت في مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها في شمال دارفور، بما في ذلك تقارير عن استهداف المدنيين وقتلهم من خلال القصف، إلى جانب نهب واسع النطاق، وتدمير وحرق الممتلكات المدنية، والمزارع، والمحاصيل.
وأفاد ناجون من مخيم زمزم جنوب الفاشر – أحد أكبر مخيمات النازحين داخليًا في السودان ويُقدر عدد سكانه بنحو 750,000 شخص، نصفهم من الأطفال وفقًا لليونيسف – بأنهم عاشوا في ظروف تشبه الحصار، مما قيد بشدة قدرتهم على الوصول إلى الغذاء، والماء والدواء والتنقل. ولا تزال هذه الظروف قائمة حتى اليوم، ولا يزال الوصول الإنساني إلى المخيم شبه مستحيل، مما أدى إلى وفاة أطفال جراء الجوع، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي.
كما تحدث ناجون عن تعرضهم للتوقيف والمضايقة والسرقة والاحتجاز عند نقاط التفتيش حول مدينة الفاشر ومخيم زمزم. وقدموا شهادات حول نهب الممتلكات، والمواشي، والإمدادات الغذائية، وقتل العشرات من الأشخاص، وحرق عشرات القرى في محيط الفاشر، بما في ذلك شمالًا بين (كُتُم) و(أنكا) في تشرين الأول/أكتوبر 2024، و(أبو زريقة)، و(شقرة)، و(قولو) في كانون الأول/ديسمبر 2024 وكانون الثاني/يناير 2025. وقد نُسبت معظم هذه الفظائع إلى قوات الدعم السريع.
وقد أسفرت الهجمات الأخيرة التي شنّتها قوات الدعم السريع – والتي بدأت في 11 نيسان/أبريل واستهدفت مخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين، وكذلك مدينة الفاشر – عن مقتل أكثر من مئة مدني، بينهم تسعة من العاملين الطبيين التابعين لمنظمة الإغاثة الدولية.
كما تلقت البعثة تقارير مقلقة عن هجمات انتقامية نفذتها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها في المناطق التي تمت استعادتها من قوات الدعم السريع. وتحقق البعثة في هذه الهجمات، بما في ذلك تقارير عن احتجاز وتنفيذ إعدامات تعسفية وخارج نطاق القضاء لأفراد من قوات الدعم السريع وأشخاص يُعتقد أنهم قدموا الدعم لها، وذلك في مناطق كانت سابقًا تحت سيطرتها، لا سيما في (الدندر) و(سنجة) بولاية سنار، و(ود مدني) بولاية الجزيرة، بين أيلول/سبتمبر 2024 وكانون الثاني/يناير 2025.
وقد شهدت المناطق التي أعلنت القوات المسلحة السودانية السيطرة الكاملة عليها في الخرطوم في 7 نيسان/أبريل، أعمال انتقام قاسية من قبل القوات المسلحة وحلفائها، شملت إعدامات علنية دون محاكمات عادلة لمدنيين متهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع، واعتقالات جماعية في أحياء مثل (الكلاكلة) وأجزاء أخرى من جنوب الخرطوم، ولا يزال مصير المعتقلين مجهولًا.
وفي يوم الثلاثاء، من المقرر أن تجتمع نحو 20 دولة في لندن، العديد منها لها تأثير مباشر على الأطراف المتحاربة، لمناقشة الوضع الإنساني في السودان. وتحث بعثة تقصي الحقائق هذه الدول على وضع ودعم تدابير لحماية المدنيين وضمان احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من قبل جميع الأطراف.
وقالت منى رشماوي، عضوة بعثة تقصي الحقائق: “إن عمليات القتل الجماعي للمدنيين في زمزم وأبو شوك نهاية هذا الأسبوع مروعة. فالهجمات المتعمدة على المدنيين والعاملين في المجال الطبي والبنية التحتية الصحية تمثل جرائم دولية. وتسلط هذه الأعمال الضوء على الحاجة الملحة لمنع مزيد من التصعيد وحماية المدنيين والأنظمة المنقذة للحياة التي يعتمدون عليها”.
وأضافت رشماوي: “تقع على عاتق الدول التزامات لا تقتصر فقط على احترام اتفاقيات جنيف، بل أيضًا ضمان احترامها. وهذا يعني أنه ينبغي على الدول ألا تموّل الحرب أو توفر الأسلحة، إذ إن مثل هذه الأفعال قد تشجع أو تساعد أو تساهم في ارتكاب الأطراف المتحاربة للانتهاكات. وقد خلصت بعثتنا منذ العام الماضي إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الطرفين قد ارتكبا جرائم حرب، وفي حالة قوات الدعم السريع، أيضًا جرائم ضد الإنسانية”.
ويُقدّر أن نحو 24.6 مليون شخص في السودان – أي أكثر من نصف عدد سكان البلاد – يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، من بينهم ما يقرب من ثمانية ملايين يعانون من الجوع الشديد. وقد تم تأكيد وجود ظروف مجاعة في مخيم زمزم في آب/أغسطس 2024، واستمرت هذه الظروف وتوسعت لتشمل مخيمي أبو شوك والسلام، وكذلك جبال النوبة الغربية. وقد نزح أكثر من 12 مليون مدني حتى الآن، من بينهم أكثر من 8.5 مليون نازح داخليًا وأكثر من 3.5 مليون لاجئ فروا إلى خارج البلاد. وهذه الأرقام في تزايد مستمر يوميًا.
وقالت جوي نغوزي إزييلو، عضوة بعثة تقصي الحقائق: “تشير الشهادات التي تلقيناها مؤخرًا بشأن انعدام الأمن الغذائي والمجاعة إلى أن هذه الظروف قد تكون من صنع الإنسان. إن أثر النزاع على جميع السودانيين، وخاصة النساء والأطفال، بالغ وممتد الأثر. فقد فقد، كثيرون أفرادًا من عائلاتهم وتعرضوا لصدمة نفسية نتيجة لمستوى العنف الذي عانوه، دون الحصول على الدعم الذي يحتاجونه بشدة. وهذا يعزز من جديد الحاجة إلى حماية المدنيين، بما في ذلك العاملين في المجال الإنساني والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وضمان المساءلة عن الجرائم الفظيعة، والتصدي للأثر الهائل للنزاع على المدنيين السودانيين من خلال العدالة والتعويضات، بما في ذلك الدعم النفسي والاجتماعي”.