جنوب السودان، اعتقال نائب الرئيس: التداعيات والمخاطر
ذو النون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
وضعت قوات الأمن في جنوب السودان النائب الأول للرئيس وزعيم المعارضة، الدكتور رياك مشار، قيد الإقامة الجبرية في جوبا الأربعاء 26 مارس، وسط تصاعد التوترات السياسية، مما يثير مخاوف تجدد الحرب الأهلية في جنوب السودان. ويشير مراقبون الى ان هذه التطورات في جوبا تثير مخاوف جدية، واحتمالات تداخلها مع الصراع الدموي الجاري في السودان، بسب انحياز أطراف الصراع في جنوب السودان لطرفي الحرب، الجيش بقيادة الفريق البرهان والدعم السريع بقيادة الفريق حميدتي. وانسحاب ذلك على تهديد الامن والاستقرار في منطقة هشة سياسيا مثل القرن الافريقي.
في تفاصيل المشهد:
– وفقًا لريث ميوك تانغ، القائم بأعمال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الحركة الشعبية لتحرير السودان، فقد تم تسليم خطاب رسمي يُعلن وضع مشار قيد الإقامة الجبرية من قبل كبار مسؤولي الأمن، وزير الدفاع، الجنرال شول طون بالوك.
– أصدر سلفا كير ميارديت، رئيس الجمهورية والقائد العام لقوات دفاع شعب جنوب السودان، يوم الأربعاء 26 مارس، توجيها يحمل مفارقات لافتة ،يأمر بالوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية في البلاد، يشمل قوات الدفاع الشعبية الأوغندية المتواجدة في جنوب السودان، وفقًا لاتفاق التعاون المشترك بين جوبا وكمبالا، بهدف المساعدة في حفظ الأمن.
– دعا نائب رئيس جنوب السودان، الدكتور رياك مشار، يوم 25 مارس، الأمم المتحدة (UN) والاتحاد الإفريقي (AU) والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) إلى التدخل بشأن الوجود العسكري الأوغندي في البلاد، محذرًا من أنه قد يهدد اتفاق السلام الهش، كما ويمثل خرقًا لاتفاق السلام المُنشَّط لعام 2018 (R-ARCSS) ، الذي ينص على انسحاب جميع القوات الأجنبية. إضافةً إلى اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2017. 2018.
– لاحظ مراقبون ميل رياك مشار للحلول السياسية ونأيه من الخيارات العسكرية، بسبب تجربته المرة والقاسية في أحداث 2014 التي أظهرت ضعفه العسكري والدبلوماسي وكادت أن تقضي على طموحاته السياسية.
– جدير بالذكر أن حكومة جنوب السودان انتقالية بموجب اتفاقية سلام عام 2018, والذي أنهى صراعًا دام خمس سنوات بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير من قبائل “دينكا” ومشار الذي ينتمي لقبائل “نوير”، والذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 400,000 شخص.
تحليل:
– تصاعدت الاحداث في جنوب السودان بعد رفض اثنية ” النوير” الذين ينتمون للجيش الأبيض- قوات داعمة لرياك مشار- إعادة انتشار قوات دفاع جنوب السودان في مقاطعة ناصر بولاية أعالي النيل وتعزيز القوات المتمركزة في المنطقة, وذلك بسبب مخاوف تجريدهم من سلاحهم خارج صياغ الاتفاقية،. أسفر الهجوم عن استيلاء الجيش الأبيض على مواقع الجيش ومقتل قائد المنطقة في الأحداث..
– تلاها اشتباكات متفرقة أخرى بالولاية، دفعت حكومة سلفاكير لاعتقال عدد من القيادات العسكرية والسياسية وتحميلهم مسؤولية العنف المسلح، والاستعانة بقوات اوغندية لتأمين العاصمة جوبا والمشاركة في فرض الاستقرار في ظل تململ الجيش الشعبي وتراجع أدائه العسكري بسبب سوء أوضاعه المالية واللوجستية.
– يعتبر الاستعانة بقوات عسكرية من اوغندا إحدي عناصر الخلاف الداخلي المستمر، منذ أن أرسلت أوغندا قواتها لأول مرة إلى جنوب السودان في عام 2014 بموجب اتفاق ثنائي مع الحكومة بعد اندلاع الحرب الأهلية الأولى، بعد ثلاثة أعوام من استقلال البلاد عن الشمال، وتعتبر المعارضة هذا الاتفاق، غير قانوني لعدم مصادقة المؤسسات الدستورية عليه، وفقًا لاتفاقية السلام الموقعة في العام 2018.
– قرار سلفاكير القاضي بوقف العمليات العسكرية في جميع أنحاء البلاد بغرض تهدئة الأوضاع وفتح باب جديد للحوار السياسي، تم إفراغه من محتواه، بعد ست ساعات على إصداره وذلك باعتقال نائب الرئيس رياك مشار.
– التقديرات ان من شأن هذا الاعتقال ان يزيد من الضغوط الدولية على سلفا كير، لأنه يمثل تهديدا مباشرا لاتفاق السلام وانتهاك صريح للدستور واتفاقية السلام المجددة، ولم يسبق الاعتقال تدابير قانونية موجبة، مثل رفع الحصانة. الامر الذي يضع الخطوة أشبه بانقلاب عسكري على كل الاتفاقات التي انهت الحرب الاهلية، وتقويضا لحكم القانون وتهديدا للأمن والاستقرار.
– لكن مراقبين يرون في تطورات جوبا، ترتدي ملامح خطرة ، تتمثل في احتمالات مرجحة لوجود أكثر من مركز قرار واكثر من رؤية للتعامل مع الازمة الجديدة في البلاد ، أحدها يدافع عن التهدئة والحلول السياسية بقيادة سلفاكير، والأخر مع التصعيد بقيادة جنرالات في الجيش الشعبي والأمن، يرون أن الفرصة باتت سانحة للقضاء على خصمهم التاريخي منذ حروبهم السابقة مع الخرطوم والمتمثل في الزعيم السياسي، رياك مشار، بخلفياته الإجتماعية , الأمر الذي يضع حياته في خطر، حيث يعتبر هذا التيار المتطرف ان مشار بات يشكل عقبة امام توحيد البلاد واستقرارها ، تماما كما حدث في العام 2014 ، عندما تم الهجوم علي مقر إقامته في منطقة الجبل, مقر قواته العسكرية في جوبا.
خلاصة
** إعتقال الدكتور رياك مشار نائب الرئيس، ووضعه في الإقامة الجبرية، يفاقم الأزمة السياسية والصراع العسكري في جنوب السودان، ويعرض اتفاقية السلام للانهيار وينذرعبودة الحرب الاهلية بين اطراف الحكم من جديد.
** انفجار الازمة في جنوب السودان، يمثل احد أوجه فشل المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية في متابعة اليات لتنفيذ اتفاق السلام 2018 بالكامل، واجبار سلفا كير على الالتزام والعمل الجاد لحسم الصراع المزمن بين الاثنين.
** ثمة عامل خارجي يقدر بعض المراقبين انه من عوامل الازمة الجديدة الرئيسيين، ويتمثل في حكومة البرهان، الذين دعموا وسلحوا قوات الجيش الأبيض الداعم الرئيسي للقائد رياك مشار ، وقوى معارضة أخرى للنظام, وفق تقارير متداولة.
** وفي السياق، فان العامل السوداني يبقى مؤثرا وفاعلا في الازمة، ويفتح الباب واسعا أمام أطراف الحرب ، الجيش والدعم السريع لتوظيف الحرب الاهلية في الجنوب لصالح مخططاتهم الحربية في الشمال، مما يعني توسيع رقعة الحرب إقليميا.