حيدر المكاشفي يكتب :البرهان والعطا..د.جيكل ومستر هايد
أو إن شئت قل تناقضات حكومة الامر الواقع في بورتسودان، أو بالاحرى تناقضات قائد الجيش البرهان ومساعده ياسر العطا، أو على الارجح توزيع الادوار بينهما، بأن يتحدث القائد البرهان بلسان ويعقبه المساعد ياسر بحديث مغاير، وربما يذهب اخرون الي تفسير ثالث لهذه الظاهرة المرضية بأن قيادات الجيش مصابة بداء الشيزوفرينيا، وتتعامل بوجهين ولسانين، أو أن (الدرب رايح عليها) فلا تدري أي طريق تسلك وتظل تراوح مكانها، ولكن قبل أن نقف على التناقض الذي حدث بين البرهان والعطا، لابد من وقفة على المثال الذي اخترناه من بين عديد الامثلة كشاهد ودليل على هذه الحالة العبثية، فالمعلوم بداهة وفي كل بلاد الدنيا انه عندما يحين موعد مناسبة وطنية ما في أي بلد فان أكبر رأس في هذه الدولة هو من يلقي خطاب الحكومة بهذه المناسبة وهو من يتلقى التهاني من رؤوساء الدول الاخرى والبعثات الديبلوماسية الخ، وان كان ولابد لسبب ما أو ظرف ما لم يتسن للرئيس القاء الخطاب الطبيعي أن ينوب عنه نائبه وهو في حالتنا هذه الفريق شمس الدين كباشي وليس ياسر العطا، ولكن الذي حدث في بلادنا هذه الموبؤة بهذه الحرب الفاجرة كان أمرا مفارقا وشاذا، حيث القى من يفترض أنه رأس الدولة وقائد الجيش الفريق البرهان كلمة بمناسبة ذكرى استقلال السودان، والى هنا الأمر عادي ومعتاد ومألوف ومتبع برتوكوليا في كل الدنيا غض النظر عما جاء في الخطاب، بيد ان الغريب وغير العادي وغير المعتاد والمألوف والخارق للبرتوكول الرسمي، أن مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا الذي يحل ثالثا حسب التراتيبية العسكرية وعضو مجلس السيادة وهو بهذا التوصيف مرؤوس للبرهان رئيس المجلس، أعقب رئيسه في الجيش وفي مجلس السيادة البرهان بالقاء خطاب اخر بمناسبة ذكرى الاستقلال، وليته كان خطابا متسقا ومتناغما مع خطاب رئيسه البرهان، ولكن للعجب جاء خطابه مختلفا ومخالفا وكأنما أراد بخطابه هذا أن يغالط ويناقض ويدحض بعض ما ذهب اليه رئيسه البرهان في خطابه بأن يقطع عليه الطريق، وهذه والله من الناحية الاجرائية الشكلية فضيحة تكشف الى أي مدى تعيش البلاد حالة من الفوضى والعبث وحالة اللا دولة، أما من ناحية مضمون ومؤدى خطاب العطا فذلك ما يكشف بلا مواربة ان من يقود البلاد ويقرر في شؤونها ليسوا هم قيادات الجيش أو مجلس السيادة، وانما هي جهة أخرى تدير البلاد من وراء ستار، وان مخلب قط هذه الجهة هو الفريق ياسر العطا، حتى اذا ما انحرف البرهان نوعا ما من مسار و اهداف هذه الجهة، سارع وكيلها ياسر العطا لتصحيح هذا المسار واعادة البرهان الى الجادة بتصريح أو خطاب مناقض وداحض لما ذهب اليه البرهان، وقد تكرر هذا الموال كثيرا ويمكننا ان نحصي العشرات منه فالتوثيق جاهز والاراشيف حاضرة..
فماذا يا ترى قال ياسر العطا وخالف فيه خطاب البرهان، الشاهد ان كلا الخطابين خطاب البرهان وخطاب العطا جاءا في توقيت تواترت فيه الاخبار عن وساطة مصالحة مع الامارات تقودها تركيا طرحها على البرهان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي معه، ومبادرة اخرى تقودها مصرذكرها وزير المالية جبريل ابراهيم، ففي الوقت الذي اتسم فيه خطاب البرهان كعادته بالمناورة والمراوغة للمجتمع الدولي والاقليمي ولم يأت فيه على ذكر دولة الامارات بخير أو شر وهو الموقف الذي التزمه منذ بداية الحرب وحتى الان، مما يشي بقبوله ضمنا للوساطة التركية، والمراوغة والمناورة والمداورة وشراء الزمن والتلاعب به خسيسة ولا نقول خصيصة موروثة من عهد الانقاذ البائد، من جهته شن مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا هجوما عنيفاً على الامارات ويوغندا.وهدد العطا في كلمته رئيس الإمارات محمد بن زايد الذي وصفه بشيطان العرب بالوصول إليه في عُقر داره وقطع يده، كما أعلن العطا شروطا لإصلاح العلاقات مع الامارات من بينها دفع التعويضات للسودان عن كل ما دمرته الحرب، ودفع الديات للقتلى والمغتصبات وغيرهم من الضحايا واعادة أموال الدعم السريع في الخارج. وطالب الإمارات بإعادة من وصفهم بالمرتزقة إلى بلادهم، وكان ياسر العطا قد قال هذا الذي قاله مستبقا حتى المبادرة التركية نفسها، حيث كانت حينها المبادرة التركية في طي الغيب مجرد فكرة لم يعرف كنهها ولا مضمونها، وهذا الذي درج عليه ياسر العطا هو خطاب كيزاني انقاذي معروف يذكر بما كان عليه ديك الانقاذ الرائد يونس محمود حين كان يكيل السباب والشتائم للمملكة العربية السعودية ويصف ملكها عامئذ الملك فهد ب(الفهد المروض)، ويبدو جليا مراد وهدف ياسر العطا من خطابه لقطع الطريق على المبادرة التركية ونسفها قبل بدئها ومعرفة محتواها، وكأنما أراد من ناحية ثانية ان يفرض رؤاه على الاتراك لتتضمن مبادرتهم ما ذكره، ولكن بالطبع لا يمكن لأيما رئيس دولة راشد وعاقل ان يتبنى الهراء الذي تلفظ به ياسر العطا. ان هذا الذي درج وداوم عليه ياسر العطا لاثبات كونه أكبر (صقور) شلة بورتسودان وتصديه ل(شيل وش القباحة)، وحرصه على الظهور الاعلامي كلما لاحت في الافق مبادرة أو محاولة لوقف الحرب فيهاجمها ويعلن رفضهم لها ويضع البرهان امام الامر الواقع، أو لعله يعجبه ان يكون صعلوك الجيش والحكومة على قول القيادي الاسلامي المرحوم يس عمر الامام (لكل حزب صعلوك وانا صعلوك الجبهة الاسلامية)..فهل تعاني حكومة الامر الواقع في بورتسودان وقيادة الجيش، داء الشيزوفرينيا وتتعامل بشخصيتين إعتباريتين في داخلها، جزء منها يمثل شخصية دكتور جيكل والجزء الآخر مستر هايد كما في الرواية العالمية للأديب الاسكتلندي روبرت لويس (دكتور جيكل ومستر هايد)، أحدهما يمثل جانب الخير بينما يمثل الاخرجانب الشر، الله أعلم ولكن الثابت ان ياسر العطا وبشواهد عديدة يمثل الكيزان..