محمد بدوي يكتب :فيا دار الرحاب إستقبليه بالترحاب ..في وداع على منصور ماينيس
يتسللون راحلين، كانوا يغازلون الحياة في تمسكهم بها، خذلتنا وخذلتهم الحرب ودعاة الموت المتشدقون بإستمرارها بينما هم في ملاذات منها، فيباغت الموت بنات وأبناء شعبنا، لتتوقف دوراتهم الدموية بغتة، ويغادرون بلا تلويح وبلا مهلة لوداع للأحباب،ومن يوارونهم الثري ليسوا الأغراب بل شركاء المحنه والمصاب، بعضهم قد يلحق بهم قبل أن يكتمل تثبيت الشاهد على القبر، وجميعهم تجري بشراينهم ذات فصيلة دم المدنيين، وعشيرة السلمية والمنتمين لأحلام السترة والعيش الآمن في وطن كان بالأمس هدير شوارعه تصل عنان السماء،أما أمسياته كانت تضيئه لمبان النيون، مسارح وأندية رياضية، إرتفاع التكبير صلاة وفي صبيحة العيد، وفي البال رنين أجراس الكنائيس في آحاد الله المخصصة للصلاة، وطن المزارع، ومحمية الدندر، الصحاري التي جلست الواحات وادعة شامة على خدها، وفي البجراوية كنز من آثار أرخت لأنها الاقدم، أرض الذهب ومراسي البحر الأحمر، وفي الشموخ جبال تلامس السحاب قبل الهطول، ومساكن شيدت بأكف وأحلام من طينة الإستقرار والعديل والزين، سيرة كد طويل لأياد عاملة وحرفيون، واليوم تتحول بفعل الحرب إلي أرض المقابرالجماعية، والصرخات التي تستنجد الرحمة، وليس من مغيث او مجيب؟ البطون التي طواها الجوع رغم الصبر والجلد، بلاد كانت بالأمس مليون ميلا مربعا من الزراعة والذهب والحلم، تقاصرت مدفوعة بعنف وقسوة “المغول” هربا من تحمل تكلفة المواطنة المتساوية و”الوحدة الطبيعية”التي أجدني أختلف مع قواميس السياسة في وصفها ” بالوحدة الجاذبة”،وطني لك وقف الحرب، فهو السلام، وأنت صنو السلام ولك السلام والآمن ووقف الحرب، والبشاشة .
يمضون نحو ذات وجهة الشهداء على إمتداد تاريخنا الوطني الطويل، وإن توقفت الحرب الآن، سنظل نذكرهم للأبد، لأنهم تركوا أحلامهم تمثلهم بيننا في العمل والمطالبة بوقف الحرب، حينها سنشد نشيدا وطنيا يوازي تنوعنا ويرتقي كتف العيش المشترك، سنلوح برايات، خضراء وبيضاء وصفراء وبلون زينب، سوداء سنغير في قواميس الحزن ربط السواد بالحزن والأحمر بالدم، سنعمدها رايات في محاذاة لوهج التنوع وإلفة المزاج الوطني الذي يعرف معني الإنسان وماهي الأوطان!، وإستحقاق الكرامة.
في طردية مع إستمرار الحرب في بلادنا تتوالي الآحزان كلما أشرقت الشمس، لقد تباغت ! أجل أخذني الحزن عميقا هذا الصباح عند مروري علي خبر حملته الوسائط، تفيد برحيل الأستاذ على منصور مانيس بمدينة الفاشر، إثر رصاصة طائشة حسب الخبر، لكن هل هنالك رصاصة طائشة حينما تتقاتل الجيوش داخل المدن وتستهدفها، فهو بارود مصوب نحو صدور المدنيين العارية الإ من اليقين بحب هذي البلاد، ألف رحمة ونور على هذا الرحيل الفاجع، فمثله كنز أضاعه الوطن وكم كنز أضعنا! ،فالراحل من طراز الضباط الإداريين المحترفين، ورياضي مطبوع، نعاه قبلي نادي هلال الفاشر هذا الصباح، البشاشة صفة لازمته وحملها معه نحو مجالس المدينة، وصارم القسمات والرأي حين حاول “المغول” النيل منه بالتدخل في عمله وسلطاته فإنتصر عليهم بإرادته.
رغم فارق السن كان على دأب في إحترام الآخر،أجاد التعامل بمسئولية ليؤكد خبرتة وإحترامه وظيفتة العامة، عرفته عندما كان مديرآ تنفيذيآ بمحلية الفاشر في سنين كانت الحرب قد غيرت حال إنسان الإقليم وخارطتة بالإنتهاكات وسوء الحال وعسف “المغول” بعد أن إستولوا على السلطة بالبلاد ليلا، وأشعلوا فيها الحروب وغاصوا في الفساد، إلتقيناه والزميل محمد المبارك ابراهيم بطلب منه،وكان يحكم منصبه ينوب عن المعتمد في إجتماعات لجنة الأمن في حال غياب الأخير، في ذلك التوقيت من العام ٢٠٠٦ ذكر لنا بأن حكومة ولاية شمال دارفور قد قررت في إحدي إجتماعاتها الدورية الإحتفال بعيد الإستقلال وأنها خصصت مبلغ”٤٠٠” ألف جنيه للأحزاب لتحمل تكاليف نقل عضويتها إلي مقر الإحتفال، شكرناه وطلبنا منه إعادة المبلغ إلي الجهه التي أصدرت القرار مع طلب تثبيت الموقف في محضر لجنة الأمن نيابة عن الحزب الشيوعي السوداني في شمال دارفور، ومن ثم إفادتنا، فكأنه كان على يقين بموقف الحزب الشيوعي حيال الأمر، فإبتسم إبتسامة رضا كبيرة، ووعد بنقل ما حدث للجهه التي كلفته بذلك بحكم منصبه، حرص منه في اليوم الثاني قام نقل الإفادة بطريقة رسمية، فختمنا لقاءنا بملامح مشتركة من راحة البال.
هكذا كان على منصور إداري من طراز فريد عرف المهنية، وظل رغم التحديات حكيما وشجاعا، العزاء لإسرته ومعارفه وزملائه ولمجتمع مدينة الفاشر التي إختارها إقتدارا موطنا للعيش والعمل والآمال وقطار للرحيل ومدفنا قريبا من حبل السرة، فيا دار الرحاب إستقبليه بالترحاب.