عندما يصبح اللون سبب للموت
متابعات:السودانية نيوز
يوثق هذا التقرير سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات درع السودان في قرية طيبة بولاية الجزيرة خلال الفترة من 9 إلى 11 يناير 2025. يعتمد التقرير على شهادات مباشرة من ناجين وشهود عيان، تم تغيير أسمائهم حفاظًا على أمنهم وسلامتهم.
تقرير ولاية الجزيرة
لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان في السودان مستمرة بوتيرة متصاعدة، شبه يومية، بأشكال وأنماط متعددة يرتكبها طرفا النزاع في السودان منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في العاصمة الخرطوم.
انتقل النزاع لاحقًا إلى أجزاء واسعة من السودان، خاصة ولاية الجزيرة. ومنذ دخول قوات الدعم السريع إلى عاصمة الولاية، مدني، في ديسمبر 2023، أصبحت الانتهاكات أكثر انتشارًا، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون، التعذيب، وحرق المنازل. وبعد أن تمكنت القوات المسلحة السودانية، بمساندة قوات “درع السودان” بقيادة اللواء أبو عاقلة كيكل (الذي انشق عن قوات الدعم السريع في أكتوبر 2024)، من استعادة مدينة مدني في يناير 2025، وقعت العديد من الانتهاكات الجسيمة التي استهدفت مجموعات بعينها بدوافع عرقية، بزعم دعمها لقوات الدعم السريع.
يوثق هذا التقرير الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها في قرية كمبو طيبة بمحلية أم القرى بولاية الجزيرة بتاريخ 9 يناير 2025، ويقدم توصيات للجهات المعنية لاتخاذ التدابير اللازمة.
خلفية السياق
تُعرف “الكنابي” بأنها تجمعات سكنية في ولاية الجزيرة، نشأت مع تأسيس مشروع الجزيرة الزراعي في عشرينيات القرن الماضي. يعود أصل سكان هذه الكنابي إلى مناطق دارفور وكردفان، حيث هاجروا إلى وسط السودان في فترات مختلفة، أبرزها خلال الثورة المهدية في أواخر القرن التاسع عشر، وعند إنشاء مشروع الجزيرة، وكذلك خلال فترة الجفاف والتصحر في ثمانينيات القرن العشرين. استقر هؤلاء المهاجرون في مناطق سكنية تُعرف بالكنابي، وشاركوا كعمال زراعيين في مشروع الجزيرة تنحدر هذه المجموعات من قبائل ( البرقو و التاما و الفور ).
مع اندلاع الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في أبريل 2023، انضم بعض أبناء هذه الكنابي، بما في ذلك قرية طيبة، إلى قوات الدعم السريع. بعد استعادة الجيش السوداني لمدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في يناير 2025، ظهرت تقارير عن انتهاكات ذات طابع عرقي استهدفت سكان الكنابي من قبل قوات درع السودان التي تقاتل مع القوات المسلحةالسودانية ، تتكون غالبية تلك القوات من ابناء ولاية الجزيرة . ايضاً ظهرت خطابات معادية تحريضية عدائية ضد سكان كنابي . تداولت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوهات تُظهر عمليات ذبح و قتل و تنكيل جماعي بمدنيين على أيدي عناصر ترتدي زي الجيش السوداني و اخرين ازياء مدنية ينتمون الي قوات درع السودان في مناطق كنابي بولاية الجزيرة. كما نُشرت تقارير عن تهجير قسري و حرق ونهب لتلك المجموعات علي اساس عرقي .
منهجية و نطاق التقرير
يغطي هذا التقرير مجموعة واسعة من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الجيش السوداني وقوات درع السودان، التي تقاتل إلى جانبه، في قرية كمبو طيبة بولاية الجزيرة، خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 11 يناير 2025
يعتمد التقرير على نهج وصفي وتحليلي لتوثيق هذه الانتهاكات، وفقًا لمعايير القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك بهدف تقييم مدى الامتثال للقواعد القانونية الدولية المتعلقة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
استندت عملية التوثيق إلى مجموعة من المصادر الموثوقة، بما في ذلك إفادات مباشرة من الضحايا وأفراد أسرهم، الذين شهدوا الأحداث.
شهادات شهود العيان، الذين قدموا روايات مستقلة تدعم عملية التحقق من الوقائع.
المصادر المفتوحة، مثل التقارير الصحفية، الصور، ومقاطع الفيديو التي خضعت لعملية تدقيق لضمان موثوقيتها.
تقارير موثقة صادرة عن منظمات حقوقية فاعلة، والتي توفر سياقًا إضافيًا وتحليلاً للانتهاكات المزعومة.
يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على أنماط الانتهاكات المرتكبة، توثيق الأدلة المتاحة، وتحليلها في ضوء الالتزامات القانونية الدولية، وذلك لدعم جهود المساءلة وضمان تحقيق العدالة للضحايا.
التحديات والقيود
خوف الشهود من الإدلاء بشهاداتهم.
تحيز بعض المصادر الإعلامية.
صعوبة التحقق الميداني بسبب الأوضاع الأمنية.
ملخص تنفيذي
في الفترة بين 9 و11 يناير 2025، تعرضت قرية طيبة في ولاية الجزيرة لهجومين عنيفين نفذتهما قوات درع السودان. التي تقاتل في صف القواتالمسلحةالسودانيةضد قوات الدعم السريع ، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين، ونزوح واسع النطاق، وتدمير للممتلكات. بدأ الهجوم الأول بعد ظهر يوم 9 يناير، عندما اقتحمت ست عربات عسكرية القرية وأطلقت 20 قذيفة من موقع قريب، ما أدى إلى تدمير المنازل ونزوح 40 أسرة. وفي اليوم التالي، عادت القوات بعدد أكبر من العربات، وأعدمت ميدانيًا عددًا من الرجال المسنين، وأضرمت النيران في 134 منزلًا، مما أدى إلى مقتل 13 شخصًا تم دفنهم في مقابر جماعية.
في 11 يناير، توجه وفد من السكان إلى السلطات المحلية طلبًا للحماية، مما أسفر عن إرسال قوات عسكرية لتأمين المنطقة جزئيًا. ومع ذلك، استمرت عمليات النهب التي طالت مواشي وممتلكات المدنيين، حيث شارك في عمليات السرقة أفراد من قوات درع السودان، كما استمرت التهديدات بتدمير القرية بالكامل.
في نفس اليوم، شنت القوات هجومًا ثانيًا باستخدام 25 عربة عسكرية، مما أدى إلى موجة جديدة من العنف شملت قتل المدنيين، إحراق طفلين أحياء، وذبح عالم دين وطلابه أثناء تدريسهم القرآن. فر معظم السكان، بينما تعرض آخرون للاعتقال، وتم العثور لاحقًا على جثث محترقة داخل المنازل.
الهجمات على قرية طيبة تشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي الإنساني، وتبرز حالة الإفلات من العقاب التي تسمح بمواصلة هذه الجرائم ضد المدنيين.
الإطار القانوني
1 / القانون الدولي الإنساني: تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية على حماية المدنيين في النزاعات المسلحة وتحظر استهدافهم أو استهداف ممتلكاتهم.
2/ القانون الدولي لحقوق الإنسان: يحمي الحق في الحياة ويجرّم التعذيب والمعاملة المهينة أو الحاطّة بالكرامة.
3/ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: تصنف الجرائم الموثقة هنا كجرائم حرب وفق المادة 8، وتشمل القتل العمد، التعذيب، التهجير القسري، وتدمير الممتلكات.
الهجوم الأول على قرية طيبة (9 يناير 2025)
اقتحام القرية وإطلاق القذائف
وفقًا لشهادة “محمد الحسن” (اسم مستعار، 45 عامًا، مزارع)، فإن الهجوم حوالي الساعة الثالثة مساءً، اقتحمت ست عربات لاندكروزر عسكرية تابعة لقوات درع السودان قرية المقاربة قادمة من كمبو دار السلام، وأطلقت مسيرة سوداء داخل قرية طيبة قبل أن تبدأ القصف العشوائي. أطلقت القوات 20 قذيفة من قرية المقاربة، التي تبعد نصف كيلومتر عن طيبة، مما أدى إلى سقوط القذائف في الحي الشمالي وإشعال حرائق في المنازل. أدى ذلك إلى نزوح حوالي 40 أسرة إلى الحواشات شمال القرية.
في اليوم التالي، عاد بعض السكان مؤقتًا لتفقد منازلهم، لكن الهجوم لم يكن قد انتهى بعد.
المجزرة في قرية طيبة (10 يناير 2025)
اقتحام القرية والقتل الجماعي
في حوالي الساعة التاسعة صباحًا، اقتحمت 26 عربة تابعة لقوات درع السودان القرية، حيث أطلقت القوات النار عشوائيًا وأجبرت السكان على الخروج من منازلهم تحت تهديد السلاح.
أحد الشهود، وهو مزارع نازح حاليًا في الفاو، وصف المشهد قائلاً:
“رأيت بأم عيني كيف قتلوا شيخًا مسنًا أمام الناس. قاموا بذبحه بالسكين، بينما كان الآخرون يصرخون، لكن لم يكن هناك من ينقذنا.”
تم تجميع عدد من الرجال المسنين في ساحة بالقرب من مدرسة الأساس، حيث أُعدموا ميدانيًا. كما تم حرق 134 منزلًا بالكامل، وقتل 13 شخصًا، دُفنوا في مقابر جماعية بالقرب من المدرسة.
ب. قائمة اسماء بعض الضحايا
مزارع (38 سنة، من قبيلة التاما) – أصيب بطلقتين في الصدر.
مسن (70 سنة، من قبيلة التاما) – أصيب بثلاث طلقات (2 في الصدر و1 في الرأس).
رجل مسن (72 سنة، من قبيلة برقو) – قُتل ذبحًا بالسكين.
مزارع (60 سنة، من قبيلة برقو) – قُتل رمياً بالرصاص.
رد فعل السلطات المحلية (11 يناير 2025)
تشكل وفد من 11 شخصًا من قرية طيبة، وتوجهوا إلى محلية فاو التابعة لولاية القضارف، حيث التقوا بضابط في الجيش السوداني برتبة مقدم يُدعى مبارك.
في اليوم التالي، زار الضابط القرية برفقة عربة واحدة وخمسة جنود، وبعدها وصلت ست عربات أخرى استقرت في الناحية الغربية من القرية عند الجسر لتأمينها.
مع وجود هذه القوات، بدأ بعض النازحين بالعودة تدريجيًا إلى منازلهم.
ب. استمرار النهب والترويع
قامت عناصر من قوات درع السودان بنهب ماشية المواطن إبراهيم أبكر، حيث سُرقت أبقار وأغنام من قبل ضباط وجنود من القوات.
من بين الأشخاص المتورطين في عمليات النهب: صديق ود التوم، خلف الله ود سالم، وأحمد ود التوم، وجميعهم من قرية 39 وينتمون إلى قوات درع السودان.
بعد نهب القرية، هددت القوات بمسحها وتدميرها بالكامل، قبل أن تعسكر بالقرب منها على بعد 12 كيلومترًا في قرية 39، الواقعة على الطريق بين الفاو وأم القرى
الهجوم الثاني على قرية طيبة (11 يناير 2025)
تجدد الهجوم والمجازر
في حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، شنت قوات درع السودان هجومًا ثانيًا على القرية باستخدام 25 عربة قتالية.
أحد الناجين وصف الهجوم قائلاً:
“سمعنا صوت العربات وهي تقترب بسرعة. بدأ إطلاق النار بكثافة، فهربت مع عائلتي إلى الأحراش القريبة. عندما عدت بعد ساعات، وجدت جثثًا محترقة في المنازل، ورأيت طفلاً متفحمًا وسط الرماد.”
تم إحراق طفلين أحياء داخل أحد المنازل.
*ذُبح أحد علماء الدين مع طلابه أثناء تدريسهم القرآن في الخلوة.
*فرّ معظم السكان، بينما تم اعتقال البعض الآخر.
& قائمة بعض الضحايا في الهجوم الثاني
رجل (35 سنة) – قُتل رمياً بالرصاص.
رجل (39 سنة، معاق عقليًا) – قُتل رمياً بالرصاص.
مسن (75 سنة) – قُتل رمياً بالرصاص.
شاب (29 سنة) – أُحرق حيًا داخل منزله.
رجل (43 سنة) – قُتل ذبحًا بالسكين.
التوصيات
إلى القوات المسلحة السودانية
أ / الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين من الانتهاكات.
ب / اتخاذ إجراءات فورية لمحاسبة المسؤولين عن الهجمات ضد المدنيين في قرية طيبة.
ج / توفير الحماية اللازمة للناجين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.
إلى قوات درع السودان
أ/ وقف جميع العمليات التي تستهدف المدنيين والمناطق السكنية.
ب / احترام مبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية وفقًا للقانون الدولي الإنساني.
ج / التعاون مع التحقيقات المحلية والدولية في الانتهاكات المرتكبة.
إلى قوات الدعم السريع
أ / الالتزام بوقف أي أعمال عدائية تستهدف المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها.
ب / التعاون مع الجهود الرامية إلى إنهاء النزاع من خلال الحوار السلمي.
ج /الامتناع عن تأجيج التوترات العرقية التي قد تؤدي إلى مزيد من العنف الطائفي.
إلى المجتمع الدولي
أ/ الضغط على جميع أطراف النزاع للالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين.
ب/ فرض عقوبات فردية على القادة المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات جسيمة.
ج/ دعم الجهود الدولية لتوثيق الجرائم وإحالة المسؤولين إلى المحكمة الجنائية الدولية.
إلى المنظمات الدولية و المحلية و الاقليمية
أ/ تعزيز عمليات الرصد والتوثيق لضمان محاسبة مرتكبي الجرائم.
ب/ توفير الدعم الإنساني العاجل للنازحين وضحايا الانتهاكات.
ج /العمل على ضمان العدالة والمساءلة من خلال آليات قانونية دولية.
للمحكمة الجنائية الدولية:
توسيع نطاق تحقيقاتها في الجرائم المستمرة في السودان بعد 15 ابريل 2023، بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1593.
الخاتمة
توضح الأحداث التي شهدتها قرية طيبة أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستمرة في السودان على أساس عرقي وسياسي، مما يشكل خطرًا على السلم والأمن في المنطقة. ويؤكد هذا التقرير على الحاجة الملحة لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، مع التركيز على توفير الحماية الفورية للمدنيين ودعم جهود العدالة الدولية