السبت, فبراير 8, 2025
الرئيسيةمقالات المحامي عثمان العاقب يكتب :لا للوراء

 المحامي عثمان العاقب يكتب :لا للوراء

 المحامي عثمان العاقب يكتب :لا للوراء

لماذا دوماً كشعب سوداني نجد أنفسنا في حالة تراجع مستمر على كافة الأصعدة—اقتصاديًا، اجتماعيًا، وسياسيًا؟ لماذا نعود بذاكرتنا إلى الماضي، نبكي عليه ونمجد فتراته رغم قسوته وإخفاقاته، بينما نذم الحاضر ونسخط عليه، وفي الوقت ذاته لا نخطط لمستقبل مشرق ولا نعمل على تحقيقه؟
هذا التراجع ليس سوى نتيجة طبيعية للفشل السياسي، الذي بدوره يفرز الفشل الاجتماعي، ويلازمه التدهور الاقتصادي المزري. وبهذا التراكم، انفجرت ثورة ديسمبر المجيدة، حاملة معها مواقفها السامية وأهدافها النبيلة في تأسيس دولة حديثة يسودها السلام، تعمّها العدالة، ويزدهر فيها الاقتصاد، وفق أسس دستورية تضمن التداول السلمي للسلطة، وتنهي الدائرة الشريرة التي ظللنا ندور فيها، بين حكم مدني قصير الأجل وحكم عسكري طويل الأمد.
بفضل بسالة الثوار، وشجاعة الكنداكات، وإرادة الجماهير، انتصرت الثورة وأسقطت الديكتاتورية، التي كان تاريخها حالك السواد، قوامه القمع والاستبداد، والثراء الحرام، والتلاعب بالدين لتحقيق المصالح الذاتية. كانت هذه الطغمة الحاكمة قد رسّخت سلطتها على نهجٍ مشابهٍ للحكم التركي البائد، من فرض الضرائب الباهظة، إلى السجون والتعذيب والتشريد، فكان سقوطها حتميًا، ملهِمًا، أثلج صدور الشعب السوداني، الذي انحنى إجلالًا وإعجابًا للثوار وتطلّع نحو مستقبل مشرق يطوي صفحة العهد البائد.
لقد كانت ثورة ديسمبر عظيمة، لكنها افتقرت إلى قيادة سياسية راشدة تنظّم صفوفها، وتدير شأن البلاد بحكمة ومسؤولية وطنية وفي غمرة الانتصار، تسلّلت إلى المشهد السياسي شخصيات مجهولة، بلا تجربة وطنية، وأحزابٌ هرمة وكسيحة لا تملك غير إرث آبائها وأجدادها فجاءت حكومة ضعيفة مثقلة بتناقضاتها، وتحمل في جوفها بذور فنائها منذ لحظة ميلادها ، فكان الفشل حليفها قولًا وفعلًا. عجزت عن تحقيق العدالة لشهداء مجزرة فض الاعتصام، وأخفقت في صياغة وثيقة دستورية تعبّر عن طموحات الثورة، لتولد وثيقة مشوهة، شابها التناقض، في شراكة هشة مع مجلس عسكري لم يخفِ أشواقه للعهد البائد. ومن هذه الشراكة المختلّة، حدث ما حدث، حتى وصلنا إلى حربٍ مدمّرة داخل المدن والقرى، حملت في طياتها أبشع الجرائم، ودفعت بالشعب السوداني إلى التهجير والنزوح والمجاعة والعطش، بينما الوطن ينهار في قبضة نارها.
فهذه الحرب التي لم تكن سوى صراعٍ على النفوذ والمصالح الضيقة، فأصبح الشعب، مرة أخرى، هو الضحية الكبرى. ومع ذلك، لا يزال أمامنا خيار أخير، ( إذ وضعت الحرب اوزارها ) إن أردنا بناء وطن مزدهر ومستقبل مشرق. علينا أن نتجاوز مرارات الماضي، وأن لا نسمح لصراعاتنا العقيمة بأن تستهلكنا. يجب أن نؤسس لدولة المواطنة الحقيقية، حيث القانون فوق الجميع، والمحاسبة تطال كل من أجرم في حق هذا الشعب.
لن يتحقق ذلك ما لم نتعلم من دروس التاريخ، ونكسر دائرة إنتاج الميليشيات من رحم المؤسسة العسكرية، ونعيد تعريف دور الجيش ليكون حاميًا للوطن، لا حاكمًا له. علينا أن نؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وفق دستور مستدام، تظل مبادئ الحرية والسلام والعدالة فوقه، لا تخضع للتغيير أو التجاوز. عندها فقط، يمكننا أن نقول إننا بدأنا السير نحو الأمام، بدلاً من الرجوع الدائم إلى الوراء.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات